أقلام حرة

آراء كوردستانية في زمن ثورات القوة الناعمة وسباق العقول / سامان سوراني

فما توصل اليه العالمان الفرنسي سارج اروش والأمريكي ديفيد واينلاند هو الوصول ال? قياس جسيمات الكم المراوغة دون تدميرها، وهذا يعني التلاعب بالجزيئات الأحادية دون التأثير على الطبيعة الميكانيكية للمادة، مما يسهل الأمر في صنع نوع جديد من أجهزة الحاسوب أقوى بفارق أكبر من كل الأجهزة السابقة وبسبب إكتشافهم النادر هذا فازوا بجائزة نوبل للفيزياء لعام 2012.

نحن نر? في أدوات العولمة الفائقة والشبكات العنكبوتية والوقائع الإفتراضية معطيات لا غن? عنها في فهم الواقع وإدارته وتغييره، فهي، إن شئنا أم أبينا، قد غيّرت نظرتنا ال? أنفسنا وبدّلت موقعنا في العالم.

بعد هذه التحولات الجذرية، التي هي بمثابة فرصة وجودية أمامنا، علينا في كوردستان بالتقدم ونخطوا خطوات كبيرة نحو الأمام ونتخل? عن قصورنا الثقافي وننهض من تخلّفنا الفكري ونكسر عقليات البيروقراطية الفوقية لإدارة شؤوننا بعقل أفقي، تواصلي، تبادلي، ومن لا يشخص الواقع لا يجد مخارج من الأفخاخ والمآزق.

أما في العراق فنحن لا نعرف مت? يخرج "شركائنا" في هذه الدولة "الإتحادية الفدرالية" من سجونهم العقائدية القومومية، لينخرطوا في تغيير واقعهم ويشاركوا في التحولات العالمية عل? غير مستو?ً وصعيد.

فبعد سقوط الطاغوت الأكبر في المنطقة عام 2003 كنّا نأمل بأن التحولات في هذا البلد سوف تتجه نحو الدولة الديمقراطية، التي تحافظ عل? الإرادة العامة وتنهض بفيدرالية عادلة وحرّة، بعد أن إنته? من دكتاتورية البعث،. ما لا يفاجئنا بالمرّة هو المحاولة الجديدة لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في التقارب العسكري مع موسكو وتعزيز تنسيقه معها لتشكيل محور للتعاون الامني والعسكري الإستراتيجي المستقبلي مع بلدان ديكتاتورية أخر? في المنطقة.

رئيس مجلس الوزراء ينظر ال? الدستور الإرضائي، الذي يعطي الشيء ونقيضه، من زاوية أفكاره وعقائده ومرجعياته ومصالحه الشخصية، لذا نراه يقوم بالتجهيز وشراء أسلحة ثقيلة، منها طائرات مقاتلة. هدفه هو استعباد العقول والسيطرة عل? الأفكار وقمع كل من لا يرقص عل? تصنيفاته الموسيقية المزخرفة بتقاسيم الحروب.

السيد نوري المالكي، الذي يريد بنزعته الإنفرادية الإستئثارية أن يتحول من ضحية ال? مستبد، يسع? اليوم عل? تقوية الحكومة الإتحادية وقراراته على حساب الإقليم الى الدرجة التي تصبح فيها عدد غير قليل من هذه القرارات إستبدادية، يشحن الأجواء ولا يترك مجالاً لتنامي صفاء النيات والتفاهم بما يعزز الشعور لد? الكوردستانيين بأنه‌ عليهم السعي في سبيل إنجاح التجربة الفيدرالية. وفي ظل غياب الإرادة الوطنية عنده في حل الأزمات الفيدرالية والمماطلة في تطبيق بنود الدستور يخسر العراق فرص كثيرة للبناء والتقدم، فكيف بتفهّم المشكلات وإجتراح الحلول الجذرية المناسبة لها.

نقول للذين يشهرون سيف الدفاع عن الهويات والمذاهب بعقلية القوقعة والمحافظة، أنتم بزيفكم الوجودي جنود تقاتلون من أجل أسوأ التقاليد وأكثرها عمقاً، لا تستطيعون تحقيق تنمية أو تغير واقع، بل تتجهون نحو التراجع وتنتهكون ما تدعون اليه، مآل عملكم هو تدمير الحاضر وإفتراس المستقبل.

زمننا هو زمن ثورات القوة الناعمة، تتعولم الأفكار والثقافات وتتغير شيفرات التفكير وبرامج العقول وخرائط المعرفة وقواعد المداولة، لذا نراه من الأول? ممارسة التق? والتواضع بالثورة عل? الذات للتخفيف من أمراضها النرجسية والمركزية الإصطفائية والإمبريالية والإستبدادية. فالتأله والتقديس ينشر الشعوذة ويزرع الخراب ويولّد البربرية.

فالثورات الحاضرة لا تلغي مكتسبات الثورات التنويرية والسياسية والتحررية، لكنها تتجاوز ما استهلك منها، تختلف عما سبقها في رموزها ولغتها وعناوينها، فهي تحمل في طياتها أدوات تقلل من سلطة الأنظمة الشمولية بقدر ما هي تفضح المحاولات العسكرية الفوقية، التي لا تنتج سو? التخلف والإستبداد.

و حكومة إقليم كوردستان وأحزابها الوطنية تعمل بوثوق في سبيل الحصول عل? درجات جيدة في إمتحانات الديمقراطية والتنمية والعدالة والكرامة، لكي تصنع مستقبلاً جديداً، بحيث تنكسر الصور النمطية السلبية، التي ترسمه أعداءهم وأعداء الديمقراطية لهم. أما شعب كوردستان فهو يأمل في أن يكون فاعل قوي في بناء الحضارة وصناعة المعرفة والحداثة والتقدم، لكي ينخرط ويشارك مع بقية الجماعات والأمم في رسم مستقبل أفضل للمنطقة.

و ختاماً نقول، لا لديكتاتورية السلاح ولا للاستقواء عل? الدولة وإذا كان إقليم كوردستان حسب تفسير رئيس مجلس الوزراء العراقي جزء من العراق الفدرالي فإن الدفاع هو أمر مشترك، وما هو مشترك يخضع دوماً للمناقشة المفتوحة، العلنية والعمومية.

 

الدكتور سامان سوراني

في المثقف اليوم