أقلام حرة

ما هي التداعيات الإيجابية من المؤتمر العلمي الكوردستاني العالمي؟ / سامان سوراني

تعني ديناميكية إجتماعية يمكن توظيفها في حركة مستمرة لتطوير المجتمع بكل فئاته وطبقاته ومناطقه وقواه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والإدارية وغيرها. ومن غير الممكن أن تكون الحداثة نوع من التقليد أو الإستعارة أو الإنغلاق عل? الذات ورفض الآخر بغرض الحفاظ عل? الهوية والأصالة أو عقائد ما ورائية جوهرانية ثابتة أو أوهام التوافق الفكري وجدلية التماثل.

ففي الخامس عشر من هذا الشهر إنتهت أعمال المؤتمر الكوردستاني العلمي العالمي الثاني بعد أن أفتتح بتاريخ 2012.10.12 من قبل رئيس إقليم كوردستان السيد مسعود بارزاني، الذي أكد أمام الباحثين والاكاديميين الحاضرين مد? حاجة الإقليم ال? أعمال وإختصاصات المشاركين لسد الثغرات والنواقص الموجودة ومد? جديّة الحكومة للإستماع اليهم والعمل بنصائحهم، لأن العلم في نظره يلعب اليوم دور الفاعل الأساسي في حياة هذه الحضارة، التي نعيشها على كل المستويات ويفتح آفاقاً لم تكن الإنسانية تحلم بها من قبل. سيادته‌ يؤمن بأن للعلوم أثر إيجابي على الأفكار والتقنيات والأنظمة السياسية والاجتماعية وأن شيوع العلم في إقليم كوردستان ضرورة ملحة لتخطي الحروب والتأخر والجهل.

شارك في هذا المؤتمر العلمي مايقارب 600 أكاديمي وباحث كوردستاني من المقيمين في الخارج وكذلك من الفاعلين في جامعات اقليم كردستان ومؤسساته الحكومي بهدف تطوير كوردستان بالعلم والتراث، وكانت الأكثرية منهم قادمة من الدول الغربية وأمريكا الشمالية والقارة الأسترالية قدموا بحوث ومحاضرات قيمة حول طرق تطوير تطوير البنية التحتية لإقليم كوردستان في المجالات المختلفة منها التربية والتعليم العالي والبحث العلمي والزارعة والصحة.

العلم كما يصفه الشخصية التنورية البارزة والمصلح الإجتماعي فرانسوا ماري أرويه المعروف بإسم فولتير (1694-1778) كالأرض لا يمكننا أن نمتلك منه سوى القليل، لكن المؤتمر كان بداية جيدة لاقامة جسر للتواصل مع الخبرات الكوردستانين والقابليات المبعثرة والمفيدة الموجودة في الخارج والقادرة عل? نقل الخبرات والتجارب من الدول المتقدمة ال? إقليم كوردستان.

إن تعاطي الكوردستانيين مع التراث والحداثة بطريقة عصرية يفسح لهم الطريق للإنخراط في المشكلات الفكرية والعلمية لهذا العصر وفهم الحياة المعاصرة. فالحداثة هي جهد وإجتهاد، مراكمة وتكديس، عمل ومراس، صناعة وتحويل، بناء وتركيب، عل? نحو متواصل، بصورة نتغير بها بتغير صورتنا عل? أنفسنا والعالم، عبر المشاركة في ورشة الخلق والإنتاج.

فلكي ننخرط في أعمال التحديث والتطوير ونزداد إنتاجية وإستهلاكا وقدرة وفاعلية، علينا بالإبتعاد عن الحريات الشخصية، التي يمارسها الفرد في المجتمع الكوردستاني، بصورة إستبدادية أو عشوائية أو عقيمة أو كسولة.

أما النماذج الأصولية الدينية، التي كانت تهدف في إقحام الدين بطريقة فجة وملتوية وقسرية في كل مفاصل الحياة العصرية والتي إتجهت في التسعينيات من القرن الماضي بكامل طاقاتها وأدبياتها إلى شرعنة الحياة وأصلنتها في كل مفاصلها، تركت بنفيها الوقائع وقفزها فوق الحقائق أصداء سلبية، ساعدت عل? سد الكثير من الخطوط للمساهمة في ورشة الإنتاج وصوغ المصائر.

من جملة البحوث التي قدمت في المؤتمر، كان بحث أكاديمي كوردستاني حول اللغة الكوردية ومسألة توحيد اللهجات المختلفة. معلوم بأن اللغة الكوردية تكون قادرة عل? هضم وإمتصاص العلوم الحديثة، إذا تم تبسيطها وتقريبها من الحياة المعاصرة وإذا تمكنت من مسايرة إتجاهات العلوم الحديثة وإتجاهات التطور الحديث. من غير ذلك تصبح اللغة وسيلة متحفية لا تصلح للتفاعل مع الحياة بإنسيابية ومرونة مطلقة. ولكي نحرر اللغة من قيود الماضي، حت? يقوم الأصوب بإحتلال العقل لا الأسبق ولكي تنطلق الإنتاج الثقافي للتفاعل مع الحداثة، عليه أن ينفتح الفرد الكوردستاني ويتحرر من أسر التفاسير الدوغمائية المنغلقة ويتعاط? بعقلية إنفتاحية عصرية مع صيرورة الثقافات وتموجاتها المتحركة، بحيث يكون قادر عل? على التجاذب الحي والمرن مع كافة التداخلات الفكرية التي أصبحت اليوم سمة العصر الرقمي، الذي نعيشه.

إن تشكيل قواعد جديدة للعمل العلمي الكوردستاني المشترك تسهل الطريق أمام الإنخراط في المناقشات العالمية وتساهم في بلورة قيم جديدة للشراكة البشرية.

و ما القدرة عل? الخلق والإبتكار في مجالات العمل والإنتاج، العلمية والتقنية، أو السياسية والإقتصادية، أو الإعلامية والمجتمعية، أو الأدبية والثقافي، إلا نوع من الإصلاح، الذي يؤدي ال? ممارسة سياسة الإعتراف وإتقان لغة التوسط وفن التعايش وممارسة الهوية عل? سبيل التنوع والتفرّد. إذن علينا بشحذ العقول الكوردستانية وإنشاء مراكز البحث والإشتغال عل? الذات بالمراجعة والمحاسبة أو بالنقد والفحص.  

و ختاماً: الحياة ليست نظريات ثابتة وأقاويل مقدسة غير قابلة للتغيير، لكن لا تدع غيرك يلون حياتك فربما لا يملك بيده سوى قلم أسود.

الدكتور سامان سوراني  

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2248 الخميس 18 / 10 / 2012)


في المثقف اليوم