أقلام حرة

التوافق والشراكة بين الوطنية والإقطاعية / مصطفى الأدهم

فلا يمكن لقومية، او طائفة، او حزب، او شخص حكم العراق بمفرده. بل هي شراكة توافقية بين المكونات". 

بداية، لأشك ان العراق لايمكن ان يحكم من قبل شخص، او حزب، ناهيك عن طائفة او قومية. خصوصا العراق الجديد. والا نكون قد اجتررنا القالب الديكتاتوري الصنمي للمقبور صدام حسين. الذي اختصر العراق بشخصه، وحزبه، مع شوفينية قومية وتمييز طائفي.

العراق الجديد، ديمقراطي، اتحادي. نظامه جمهوري برلماني. عليه، فإنه من بديهيات الديمقراطية ان لا تحكم بالفردانية.

ومن أبجديات النظم الاتحادية ان لا تحكم بالشمولية.

ومن اساسيات النظم السياسية البرلمانية كالعراق الجديد ان لا تحكم بالصنمية.

لان النظام الديمقراطي يقر المساواة بالمواطنة، وعليه بالحقوق والواجبات بين افراد الشعب.

وينظر الى المواطن من زاوية المواطنة الصالحة او الطالحة. فيترتب عليها وفقا لذلك الثواب والعقاب ـ الدستوري / القانوني.

النظام الديمقراطي يسمو على الهويات الفرعية ( دينية. طائفية. قومية. جغرافية. حزبية. فكرية ) مع اقراره بإحترامها.. بل والمحافظة عليها ضمن منضومة الحقوق والحريات المكفولة والمحمية بنص الدستور وقوة القانون وعدالة القضاء. 

عندما تكون صيغة الحكم في البلد الديمقراطي برلمانية ممزوجة بالاتحادية فهذا يعني انه لايمكن لفرد ما ان يختصر العراق بشخصه او حزبه. ناهيك عن قوميته او دينه او طائفته. 
لماذا ؟ 
لان النظام البرلماني، يحتاج دائماً الى مزاوجات عددية رياضية.. تسبق ولادة السلطة التنفيذية، وتظل تحكم وجودها. طبقا لنصوص الدستور.

من جهة ثانية، وواقعية فان البرلمان المنتخب يكون منوع وتقريبا "متوازن" لجهة الأحجام، ما يعقد من عملية المزاوجة العددية الرياضية. حيث لا يوجد تكتل نيابي واحد يملك اغلبية الثلثين او الأغلبية المطلقة. وان وصل الى عتبة الاخيرة، ظل يفتقر الى الاولى، ما يضطره للخضوع لمنطق "السوق البرلماني" ـ بصيغة العرض والطلب "التوافقي" من اجل تأمين "الأغلبية البرلمانية" التي تستطيع ان تؤمن بدورها السلطة التنفيذية. 


من هنا، لا يمكن لشخص مهما بلغت قوته وحجمه السياسي ان يقفز فوق هذه المعادلات.

ربما يمكنه المناورة.. بالسير في حقل الغام الدستور.

لكنه سير محفوف بالمخاطر. مع أية غلطة ينفجر لغم دستوري مطيحا بصاحبه.

ان هكذا نظام برلماني لا يسمح بالحكم الديكتاتوري وفق النسخة الصدامية. كما لا يعني بالضرورة استنساخ الصيغة اللبنانية المسخ لنظام الحكم التوافقي المهجنة في "أتفاق الطائف" السعودي.

 
شراكة المكونات تحققت في الدستور. من خلال المساواة في المواطنة (الحقوق والواجبات). وعدم تمييز هوية فرعية على اخرى. وكفل وضمان حرية المعتقد. الدين. الفكر. والكلمة. والممارسة السياسية. مع وجود الكوتة البرلمانية لتمثيل الأقليات والمرأة. المهم هو تنفيذ النص الدستوري وسلامة تطبيقه!

 

والشراكة بمفهوما العام تتحقق في كل دورة برلمانية، بانتخاب مجلس النواب الذي يتوزع أعضائه على الفسيفساء العراقي من أديان. طوائف. مذاهب. قوميات. جغرافيات. احزاب. الخ. وهو مصداق لشراكة المكونات.


لكن، هذه الشراكة لا يجب ان تستنسخ في السلطة التنفيذية في حالة الاختلاف السياسي من حيث الاسلوب والمنهاج. اي عدم مشاركة كتلة ما لا يجب ان يجر على مكون ولايترجم على انه اقصاء لهذا المكون، والا نكون قد رسخنا الصورة الخاطئة عن احتكار الكتل للمكونات وهذا عين ما تلهث وراءه هذه الكتل. التنويع "المكوني" ضروري ولكن ليس بالضرورة من داخل سين من الكتل.

 
ان السلطة التنفيذية هي ترجمة لواقع التحالفات التي تؤمن الأغلبية البرلمانية التي تستطيع ان تحكم ( تحت خيمة الدستور ).. وكلما صغر حجم هذه التحالفات كلما تقلصت نسبة الاختلاف، وتوسعت بالتوازي نسبة الاتفاق، ما يعزز من فرص عمل السلطة التنفيذية. التي ستواجه بمعارضة برلمانية تراقبها وتحاسبها وتعمل على إسقاطها.
هذه العملية تحدث نوعا من التفاهم والتوازن.

تفاهم اكبر بين الحلفاء الشركاء بالحكم وفقا للبرنامج الحكومي.

وتوازن بين الموالاة والمعارضة الشركاء بالوطن. والمواطنة. والحقوق. والواجبات. والحريات. 
فلا المولاة تستطيع ان تطغى ولا المعارضة.

 
عندها يسهل على الشعب الناخب الحكم على الاحزاب والأشخاص مع كل عملية انتخابية فيعز من يشاء منهم ويذل من يشاء وفقا للأداء. لان التحجج بالخلافات بين شركاء الموالاة يكون منعدما بحكم الواقع.

 
لكن الساسة (اغلبهم) لا يفضلون هذه الصيغة من التوافق. بل يفضلون ترسيخ الصيغة اللبنانية المسخ المسماة ب"الطائف" لانها تنتج امراء طوائف تورث تيجانهم ضمن حصون الهوية الفرعية. ما يعزز الاخيرة ويقويها على حساب الهوية الوطنية الجامعة.

"
الجماعة " يريدونها اقطاعيات. بحجة الشراكة الوطنية المترهلة والفاشلة. بل والمشكلة. ولا يريدون شراكة وطنية حقيقة. لانها تنازعهم ما يعتقدون انه سلطانهم.

ما لم يخرج العراق الجديد من شرنقة هكذا " شراكة وطنية " مسخ الى فضاء الشراكة الحقيقية المتوازنة بين موالاة ومعارضة. سيبقى الحال على ما هو عليه اليوم من سوء. يدفع ثمنه المواطن والوطن.

 

مصطفى الأدهم

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2264 السبت 03 / 11 / 2012)

في المثقف اليوم