أقلام حرة

الحكومة الاتحادية وممارسة التهويل الايديولوجي ضد إقليم كوردستان / سامان سوراني

هذا التعامل هو الوجه الآخر للداء السياسي في العراق، المتجسد في تجنيس الإعلام المدفوع من خلال أجندات خاصة تعمل لصالح أصحاب الدعوات الدينية القوموية، مدّعياً إمتلاك الحقيقة والعدالة والمثابرة في الدفاع عن مصالح "الجماهير" الشعب بالوسيلة والتمثل والعمل من أجل العراق الوحدوي، هذا يجلب معه التمترس وراء الهويات الدينية القوموية وعسكرة المجتمعات العراقية، عل? نحو يعزز العداء القومي وصدام الثقافات المختلفة أصلاً بشكل سلبي.

صحيح بأن إستخدام سياسة التقسيم المنهجي يطوّل مد? حكم الذين يمارسون السلطة في العراق، السائر حسب قراءاتنا نحو المركزية، ويمهّد الطريق أمامهم للإستقواء عل? الشعب العراقي بكياناته المختلفة بدافع الوصول ال? الإستبدادية وإعلان الحرب عل? المخالف والمعارض للمذهب الموالي والمطبّل للسلطة. 

إن قاموس الحكومة الحالية في العراق الإتحادي لا يحتوي بعد الآن عل? مفردات مثل التنمية والبناء والتطور والبحث عن حلول للمشاكل العالقة وتبادل أفكار وأخذ البنود الدستورية والإتفاقيات السياسية بجدية، واضعاً جلّ إهتماماتها في محاولات ?ائسة لإيجاد منافذ لتوجيه التهم الباطلة ضد حكومة إقليم كوردستان بكثير من السطحية والديماغوغية وملقيةً سبب فشل تجاربها عل? عاتق الكوردستانيين، بعد أن حاولت إحراق دفاترها اليومية المليئة بأوصاف كالفساد والسرقة والإختلاس، كي لا يتمكن أية جهة معارضة لا الآن ولا في المستقبل من إستجوابها ومعاقبتها وكي لا تُمارس هي التق? والتواضع الوجودي للإبتعاد عن دفة السلطة.  

حكومة السيد نوري المالكي أعلنت نواياها في إحتكار المشروعية لممارسة الوكالة الحصرية عل? شؤون الشعب العراقي، لأنها تعتقد بإمتلاك مفاتيح الحلول، التي تكمن في عسكرة المجتمع ورفض الآخر المختلف وإقصاءه وإلغائه بشكل رمزي وإستئصاله إن أمكن بشكل مادي، كي تنتهي دوره الإيجابي، الذي مارسه بشكل فعّال في بناء عراق ما بعد غياب العملة الدكتاتورية عام 2003 وأخيراً في مبادرته التاريخية في تشكيل الحكومة الإتحادية.

إن إستخدام سياسة القواقع الفكرية الخانقة ونشر فيروس المركزية من قبل حكومة السيد نوري المالكي من أجل تغليب الإعتبارات المذهبية أو القوموية عل? الصناعة المفهومية والمشاغل المعرفية وسلب الهوية والإرادة بعد تشعب أذرع رأس تيار التفرّد كالأخطبوط لا يبشر للعراق والعراقيين بخير. وما نلمسه اليوم في العراق هو مراكمة المشكلات المزمنة كالمماطلة في تطبيق بنود المادة 140 من الدستور، بهدف التهوّن لعدم إنجاز شيء إيجابي يذكر والتهوّل بالمشكلات للقعود عن المطالبة والهروب من حمل المسؤولية. الحكومة الحالية متفق مع الأطراف السياسية الأخر? فيما لا يحتاج ال? تنفيذ، فكيف بالمطالب الإصلاحية والتحديثية.

إن العمل عل? قتل الروحية المتحركة والفكر المتطور في الكيانات العراقية وإحاطة النفس بهالة من الحصانة والعصمة هي من مميزات هذه الح?ومة، التي تقف حجر عثرة أمام التوجه نحو الديمقراطية وبناء الدولة وفق مؤسسات مستقلة وتضرب الفدرالية عرض الحائط. وإن الغفاء على أمجاد التاريخ المعتق بالأساطير والمخترق بالخرافات وعدم التجرأ عل? كسر هذه النرجسية سوف يعيد العراق ال? المركزية وإن التجارب السابقة برهنت بأن القوة العمياء والهيمنة الفئوية وإحتكار السلطة، ?ل ذلك لم يجلب أمناً أو يصنع تعايشاً سلمياً بين المكونات الأساسية في هذا البلد أو يصون حرية وكرامة الفرد.

فالسعي في تنفيذ الخطة الجهنمية وتحقيق الحلم المجنون مآله كسب حماقات تاريخية ترتد دوماً عل? العراق خراباً ودماراً. المجتمعات العراقية اليوم بأشد الحاجة ال? ساسة يعملون عل? إنتاج ثقافة جديدة، منفتحة، مدنية وسلمية مبنية عل? عقلية المداولة والشراكة الحقيقية، لا عل? الدعوة والترويج لعقلية الضد ومنطق الإقصاء.  

لقد ول?ّ زمن سماح الشعب الكوردستاني  للحكومات في العراق الإتحادي ببسط الهيمنة بعد لبس جلباب ديني كان أم قوموي والتعمد إل? تفتيت ديموغرافيته عل? أساس أقوام لإستغلال نزاعاتها وطوائف لتوظيف صراعاتها أو قبائل لإستثمار نعراتها، بهدف إبقاءها خاضعة سياسياً وعليلة إجتماعياً، للترويض بإرادتها ونهب ثرواتها وتوزيع أسلابها وتعطيل ديناميات الارتقاء الحضاري عندها، وكبح تطلعات التواصل الإنساني لديها.

ختاماً: من لا يعمل عل? تحرير الوعي الثقافي السياسي من كل تصور دوغمائي قوموي، الذي يبق? دوماً حجر عثرة أمام الإنفتاح والتلاقح الخصب والمنتج، بعيداً عن كل وصاية مسبقة تمنع تطوره وارتقاءه نحو فضاءات أغنى وأرحب، لا يستطيع أن يستقبل كل ما هو جديد في مضامير الفكريات والثقافات والحضارات والديانات والهويات، فكيف ننتظر منه أن يقوم بإستدخال كل ما هو مستحدث في حقول المؤسسات والممارسات والعلاقات والتشريعات؟ 

 

الدكتور سامان سوراني

  

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2273 الأثنين 12 / 11 / 2012)

في المثقف اليوم