أقلام حرة

سياسة السيد مسعود بارزاني و مسألة تلغيم المشروع الفدرالي في العراق / سامان سوراني

فما ذكره‌ السيد رئيس إقليم كوردستان في خطابه الأخير، من أن "دماء كل فرد عراقي، بإعتباره إنسان، هي غالية مهما كانت قوميته أو ديانته أو مذهبه" نابع من القناعة التامة بمركزية الإنسان وعلو مقامه ورفيع درجته. فالأطراف الكوردستانية تر? في ممارسة سياسة ضبط النفس والتهدئة والعمل عل? تعزيز أواصر الصداقة بين الكورد والعرب بشكل عام والكورد والشيعة عل? وجه الخصوص وتثبيت أسس الشراكة الوطنية بروح المساواة من أجل إفشال المخططات التي تستهدف الكورد في المناطق المستقطعة من كوردستان وحسم موضوع المناطق المستقطعة من كوردستان وفق المادة 140 من دون مزيد تأخير ضمان للسلم في العراق ومن أولويات العمل السياسي في هذه المرحلة.

إن غزو الحقل السياسي والتحكم بالقرارات من قبل رئيس مجلس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي والمواقف السياسية عن طريق زرع النزعات الطائفية والقومية والترويج لسياسة الإحتراب والإقتتال والأنفراد بالسلطة  بعد إحتكار المواقع الرئيسية للدولة، فهو العمل عل? تهيئة مخاطر بنيوية لتتغلب لغة التهديد والوعيد عل? لغة الحوار.

و التجربة التاريخية في العراق كشفت لنا المآسي النكراء لإستخدام هذا السلاح، الذي لايجلب معه سو? المزيد من الهزائم والخسائر والكوراث. أما التصرفات الاستفزازاية لمديري قوات عمليات دجلة، التي تشكلت أساساً خارج الأسس الدستورية بعيداً عن مبدأ الشراكة والاتفاقات الرسمية المعقودة، فهي ناتجة عن فقدان البوصلة، لذا نر? أصابحها الغارقين في تهويمات السلطة لا يسيرون إلا في الإتجاه المعاكس لسير العالم ومجر? الأشياء ومنطق العصر، الذي يؤمن بالسلام والديمقراطية والتعايش السلمي ويرفض الاستبداد والتحشدات العسكرية. ممارساتهم الأمنية الشرطوية أو العسكرية المرفوضة في المناطق المستقطعة من كوردستان سوف تلغم المشاريع السلمية بقدر ما تعيد إنتاج الأفخاخ والمآزق وتكون في النهاية ضربة مدمرة للمشروع الفدرالي في العراق، الذي لا يمكن أن يُدار بعد اليوم إلا بالشراكة الحقيقية. 

نقوله بكل صراحة، أنّ من يريد اليوم أن يضرب شريكه السياسي عسكرياً ويسع? ال? هضم حقوق شعب كوردستان، الذي هو مكون رئيسي في العراق، فسوف لن يتوقف غداً من إحالة الهويات ال? سجون فكرية ولا يقف فقط عند تلغيم العقول المقفلة لإستبداد المكونات الأخر? بطوطمات لاهوتية ومواقف قوموية، التي دمرت عل? مر العصور صيغ التعايش وحرقت مشاريع الحوار، التي لن تصل اليوم إلا ال? الباب المسدود، طالما هناك نفوس تقوم عل? بناء سدود منيعة من الحقد والبغض بين المكونات بقدر ما تسهم في صنع ذاكرة عدائية موتورة تحوّل الهويات ال? محميات عنصرية بأسمائها ورموزها وطقوسها وأحكامها.    

تداعيات هذه السياسة العوجاء والغير سليمة للسيد نوري المالكي سوف تخلق حالة عدم الإستقرار في المنطقة وتؤدي ال? فقدان الثقة لد? القو? الديمقراطية الكوردستانية بالعملية السياسية في العراق مما يفضي كل ذلك وغيره الى نهايات ليست في صالح الجغرافية السياسية لعموم العراق.

إن إهمال الدستور الذي كان وسيطاً وضماناً بين الشركاء والعمل بنهج التصعيد العبثي وإطلاق التصريحات النارية من قبل ممثلي رئاسة الحكومة ببغداد ومن قبل أمراء مايسم? بـ"قوات دجلة" لإشعال نيران حرب بين إقليم كوردستان المسالم والحكومة الفدرالية ولدعم مشاريع التمحور الأقليمي لا تقلل من ضبط النفس لدى قوات البيشمركة أو مثابرة الكوردستانيين في سبيل حقوقهم المصيرية.

فشعب كوردستان، الذي ساهم بشكل فاعل في تشكيل وبناء دولة ديمقراطية حديثة، تؤمن بالتمثيل السياسي والمناطقي المتوازن في العراق وتدعم حق الشعب الكوردستاني في تقرير مصيره، ير? نفسه اليوم أكثر من ذي قبل على أهبة الاستعداد للدفاع عن مكتسباته‌ التي تحققت بدماء الشهداء.

في عصر الإعتماد المتبادل تكون المسؤولية متبادلة. فالكوردستانيون يشتغلون اليوم عل? وقائع حياتهم بإستثمار طاقاتهم الذهنية وإطلاق قواهم الحية عل? نحو مبتكر، هادفين بذلك دفع عجلة الديمقراطية في العراق ال? الأمام، فهم لا يريدون أن يعيشوا زمن الإستبداد ونصب المتاريس مرة أخر?، لأن يعرفون بأن من يقع في أسر الماضي وكهوفه، لا يستعد لمواجهة المستقبل بمفاجآته وتحدّياته الجسيمة.

وختاماً: من يفكر بعقلية التهمة والإدانة يعطل لغن الفهم الخلاق والحوار وويشل إرادة المعرفة الحية الثمية ويعرقل الأعمال المفيدة الصالحة، فلا يعترف بالخطأ والفشل والهزيـمة، ولا يستفيد الدرس ولا يتعلم كيف يخرج من المأزق، فتراه يتهرب من حمل المسؤولية ويرمي التهمة عل? إقليم كوردستان، فيشهد بذلك عل? مكابرته ومعاندته ويرسف في عجزه ويغط في سباته الحضاري بأوهام الهوية الخاوية والسيادة المصطنعة. 


الدكتور سامان سوراني 

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2282 الخميس 22 / 11 / 2012)


في المثقف اليوم