أقلام حرة

العراق الفدرالي بين الدولة المدنية وعسكرة المجتمع / سامان سوراني

في الحكم والسيادة بدأت بعد محاولات من قبل فلاسفة التنوير.

فالدولة هي إرادة المجتمع ومدنيتها يجب أن تنبع من إجماع المواطنين ومن إرادتهم المشتركة في إرساء مبادئ العدل وعدم خضوع الأفراد ال? إتهاكات لحقوقهم من قبل أطراف أخر? أو سلطة عليا، المتمثلة بالدولة، التي عليها تأسيس أجهزة سياسية وقانونية خارجة عن تأثير القوى والنزعات الفردية أو المذهبية لتطبيق القانون والبنود الدستورية.

والدولة التي لا تؤسس عل? نظام مدني من التبادلات، التي تقوم أساساً عل? السلام والتعايش السلمي وقبول الآخر المختلف والمساواة في الحقوق والواجبات والثقة في التعاقد والتبادل، لا يمكن أن توصف بالدولة المدنية.

في العراق الفدرالي نشاهد "دولة القانون" ورئيسه "المنتخب" في سعي مستمر ال? تحديد صور التبادل قائم عل? الفوض? والعنف كأسلوب ووسيلة لتحقيق الأهداف الطوباوية والمشاريع المستحيلة والعيش الفردي والقيم المبنية عل? إستراتيجية الرفض والإقصاء للمختلف، بالعمل عل? إتهامه ونبذه أو استبعاده وإلغائه والنزعة المتطرفة، لا النظام والسلام والعيش المشترك والقيم الإنسانية العامة، ناهيك عن العمل في سبيل الحقوق المهضومة لشعب كوردستان في المناطق المستقطعة منه.

وما الديمقراطية، التي هي سمة من سمات الدولة المدنية، إلا الوسيلة، التي تتبعها الدولة المدنية، البعيدة عن خلط الدين بالسياسة، لتحقيق الإتفاق العام والصالح العام للكيانات المختلفة، كما إنها الوسيلة الأنجع للحكم العقلاني الرشيد وتفويض السلطة وانتقالها. والديمقراطية جسر لإلتئام الأفكار والتوجهات السياسية المختلفة بهدف إيصال المجتمع ال? الرقي وتحسين ظروف المعيشة فيه وتعزيز نوعية الثقافة الحاكمة لعلاقات الأفراد وتفاعلاتهم نحو الأحسن. أين نحن من ذلك. إن السير في سلوك الجانب العسكري المشدد والعمل عل? خضوع الدولة بسائر مؤسساتها لقرار المنظومة العسكرية تخطيطاً وتنفيذاً، لتغييب الواقع المدني والإستعداد لخوض حروب داخلية من أجل جعل المجتمع عجلة تدور في فلكها، دليل آخر عل? أن سياسة الحكومة الحالية غير منضبطة وغير محسوبة.

الشعب العراقي عان? الكثير من الظلم والإستبداد من جراء العسكرة، التي شكلت حالة من الكبت النفسي لديه‌ وطوقته بأسوار متعددة إبتداءً من مرحلة التنصت السري والمتابعة الظلية وإنتهاءاً بالقتل الجماعي والأنفلة، لذا يرفض القو? الديمقراطية المؤمنة بالفدرالية والتعددية من هذا الشعب نظرية عسكرة المجتمع جملةً وتفصيلا ويعمل عل? عزل  وإبعاد أصحاب هذه النظرية من عل? السلطة ومراكز القرار بأسلوب مدني متحضر. فالعنف والسلاح ولغة الطائرات الحربية والمدفع أو الحشد المرصوص والجمهور الأعم? ونشر "قوات عمليات دجلة" والتحركات العسكرية في المناطق المستقطعة لم يعد يثمر في هذا العصر، بعد أن أصبحت المصالح والمصائر متشابكة ومتداخلة. أصحاب الهويات المغلقة والعقول المفخخة، الذين يستنكفون من ممارسة التق? والتواضع بالثورة عل? الذات للتخفيف من أمراضهم النرجسية ومركزيتهم الإصفائية وإستبداديتهم يهدفون دوماً تمزيق الوحدة الوطنية وتخريب العمران محاولة وتصدير أزماتهم الداخلية نحو اقليم كوردستان.

ولكي لا نبق? عل? الهامش أو في مؤخرة الركب العالمي علينا العمل عل? إيقاف محاولات خرق الدستور من قبل رئيس الحكومة الإتحادية ودفع مخاطر التفرد ومنع عودة الدكتاتورية ، التي تخنق الشراكة الوطنية.

ولا يمكن البحث عن حلول جذرية للمشاكل القائمة بين الإقليم والحكومة الإتحادية عند دول لم تنجح هي عل? أرضها في تحسين شروط العيش لمواطنيها وإحراز التقدم والإزدهار.

الدول المتقدمة أثبتت بأن الولاء للدولة لا يمكن أن يأتي بالتسلح والعنف ونشر الخوف والرعب وإستخدام الجيش في الصراع السياسي والحملات الشوفينية وتجسيد إرادة الشطب والإلغاء وبناء مصانع سلطوية لا تنفك عن إنتاج التفاوت والتفاضل أو الإنتهاكات والإرتكابات المضادة للقوانين والحقوق، بل بنشر الأمن والأمان والإستقرار، كما الحال في إقليم كوردستان. أما شؤون البلاد فيجب أن تدار بالدستور والقانون، لأنهما المظلة التي يستظل بها كل مواطن.

وختاماً: يقول المفكر الأمريكي جورج هربرت ميد (1863-1931)، صاحب نظرية التفاعل الرمزي،"لا يمكن أن نطور وعي الذات بدون الاعتراف بالأخر"، فالمكابرة والغطرسة والإستكبار هي التي تولد العنف وتنتج الفتن والحروب الأهلية والإعتراف المتبادل يعزز ويبلور قيم التق? والتواضع أو التبادل والتضامن.

 

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2283 الجمعة 23 / 11 / 2012)

في المثقف اليوم