أقلام حرة

جدل سياسي: مصر .. أحلاهما مر / مصطفى الأدهم

المكلفة بكتابة الدستور. اضافة الى انسحاب الكتلة الممثلة للأقلية المسيحية القبطية منها بسبب الخلاف حول صياغة بعض بنود الدستور، وما ترتب على ذلك من استبدال الفريق المنسحب بالأعضاء الاحتياط، وما تلاه من تصويت الجمعية التأسيسية على مسودة الدستور التي رفعتها للرئيس محمد مرسي، الذي بدوره أحاله للتصويت الشعبي لرفضه او اقراره في 15 من الشهر الجاري، وذلك عملا بنص الاعلان الدستور المكمل الصادر عن المجلس الاعلى للقوات المسلحة بنسخته السابقة، والذي الزم الرئيس بعرض مسودة الدستور على التصويت الشعبي في مدة لا تتجاوز الأسبوعين من تاريخ الانتهاء من كتابته وتسلمه. يضاف لها رفض الفريق المنسحب التصويت عليه.. ناهيك عن معارضة هذا الفريق وغيره للاعلان الدستور الاخير الصادر عن الرئيس مرسي والذي عمليا وسع صلاحيته بشكل مطلق بتحصين قرارته تجاه السلطة القضائية، وحصن معها كل من مجلس الشورى بغالبيته الإخوانية - السلفية، والجمعية التأسيسية من الحل القضائي، واصراره على عدم التراجع عنه - اي الاعلان الدستوري - اضافة الى المقاطعة القضائية الجزئية للإشراف على التصويت على مسودة الدستور ورفض الاعلان الدستور.

في المقابل، اشد الصراع بين مؤسسة الرئاسة وفريقها تيار الاسلام السياسي وبين جزء من السلطة القضائية ممثلا بنادي القضاة اضافة الى الفريق المنسحب - التيار المدني او الليبرالي، وبعض وسائل الأعلام على خلفية السباب المذكورة.

 

الخطورة تكمن في ان "معركة" اليوم ليست كسابقاتها بين تيار الثورة والفلول، ولا هي بينه وبين المجلس الاعلى للقوات المسلحة بنسخته السابقة. "المعركة" اليوم في قلب معسكر الثورة، وأشبه ما تكون بـ"حرب أهلية" ان جاز التعبير بين اقطاب تيار الثورة؛ فريق الاسلام السياسي - جماعة "الاخوان المسلمين" وذراعها السياسي حزب "الحرية والعدالة" والتيار السلفي وذراعه السياسي حزب "النور" - وهما يشكلان عمليا السلطة التنفيذية والأغلبية المنتخبة في مجلس الشورى وعليه في الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور، وبين الفريق المدني او الليبرالي بقيادة الرباعي الدكتور محمد البرادعي، والمرشح الرئاسي السابق عمرو موسى، والمرشح الرئاسي السابق الناصري الاشتراكي حمدين صباحي، والمرشح الرئاسي السابق خالد علي، وحزب "الوفد" وبقية القوى المدنية، ومجموعة من الحركات والتجمعات الشبابية الثورية. وما بينهما يلعب الفلول على الحبلين في المزايدة على الطرفين لتعميق هوة الاخلاف ونقل شكل الصراع من سياسي إعلامي وقانوني بإستعراضات قوى شعبية بمسيرات مليونية واعتصامات الى تصادم بين جمهور الفريقين او بين جمهور الفريق المدني والسلطة التي هي عمليا محسوبة على فريق الاسلام السياسي.

 

ووسط هذه المعمعة يقف الشعب المصري بشكل عام وبضمنه جمهور فريق الاسلام السياسي وجمهور الفريق المدني امام خيارين أحلاهما مر:

اما التصويت بالأغلبية الشعبية على مسودة الدستور (ما يعني تمرير دستور مختلف عليه مع شريحة واسعة من الشعب المصري ومحسوبة على معسكر الثورة وهو التيار الليبرالي - المدني، اضافة إلى أكبر أقلية في مصر وهم الأقباط، أضافة إلى جزء كبير من شريحة القضاة ووسائل الإعلام.. ) و التصويت بالأغلبية الشعبية يعني إقراره رسميا، ويترتب عليه، الغاء العمل بكل الإعلانات الدستورية بما فيها الاخير الصادر عن الرئيس مرسي - محل الخلاف. وبذلك تعود صلاحيات رئيس الجمهورية الى ما نص عليه الدستور.

او عدم إقرار الدستور بعدم حصوله على الأغلبية الشعبية ما يعني العودة الى المربع الاول، والاتفاق على جمعية تأسيسية جديدة تتولى الاعداد لمسودة جديدة للدستور، ما يترتب عليه إبقاء العمل بالاعلان الدستوري الاخير - محل الخلاف - اي صلاحيات مطلقة للرئيس تحصن قراراته امام السلطة القضائية!.

 

اما الخيار الثالث، وهو تمرير الدستور شعبيا بأغلبية "بسيطة" ستحسب على تيار الاسلام السياسي، ما يعني جرعة مقويات للأخير على حساب خصمه التيار المدني الذي اثبت هو الاخر قوته باستعراض عضلاته الشعبية، ما يعني طول للازمة وتعميق لهوة الخلاف، ومزيدا من الاحتقان السياسي الذي له اسقاطاته الشعبية التي قد تتطور الى مصادمات قد تخرج عن السيطرة، ما يعني كابوسا لابد من التخلص منه بحل وسط بصيغة "لا غالب ولا مغلوب" يتوصل له تيار الاسلام السياسي والتيار المدني من خلال تنازلات وضمانات متبادلة لحماية السلم الاهلي والعملية السياسية الوليدة. قد يكون مثلا بالاتفاق مع الرئيس على سحب او إيقاف العمل بالاعلان الدستوري الاخير - محل الخلاف - في حال عدم إقرار الدستور لقاء تحصين مجلس الشورى من الحل القضائي والانتخابات الرئاسية التي يتخوف تيار الاسلام السياسي من حدوثها عبر القضاء كما حدث في حل مجلس الشعب. وهنا لا داعي لتحصين الجمعية التأسيسية للدستور لانها تعتبر بحكم المنحلة بإقرار الدستور او عدمه.

 

حالة الاستقطاب الشعبي اليوم خطر على مصر الجديدة وخطر على معسكر الثورة لانها تهدد السلم الاهلي والعملية السياسية نتيجة الشحن المتبادل. كل استعرض عضلاته الشعبية بمليونيات اوصلت الرسالة لمن يهمه الامر.

اذا استمر الوضع على ما هو عليه اليوم، فأن الفلول هم الرابح الاكبر، ومصر، والغالبية الشعبية، والثورة، والعملية السياسية هم الخاسر الاكبر.

 

 

مصطفى الأدهم

صحيفة المثقف

05.12.2012

[email protected]

 

خاص بالمثقف

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2295 الاربعاء 05 / 12 / 2012)

في المثقف اليوم