أقلام حرة

بعث عزت الدوري - حقائق وخرافات

ومن المهم أن يرى الشعب العراقي بكل مكوناته وبوضوح، أين هو وأين يضع قدمه. ومما لا شك فيه أن هذه مهمة صعبة بقدر ما هي مهمة، فمن يستفيد من وجود المهاوي، سيعمل على إدامتها، ويعمل في نفس الوقت على تشويش الرؤية للسائر في الطريق.

الأسئلة المطروحة ليست سهلة الإجابة، ولا توجد خيارات سليمة من جميع النواحي، لذا توجب التفكير والحذر، وأيضاً ألكثير من الثقة بالنفس والشجاعة، فالخوف قادر على تضليل أشد العقول نباهة.

 

السؤال الأساسي المطروح في العراق حالياً، هو مسألة عودة البعث، أو كما أفهمه أنا، إعادة البعث إلى السلطة من قبل أميركا. وربما لا يكون السؤال ذي بال لمن يجد في الحكومة الحالية وأشباهها خياراً جيداً يثق به، لكن ماذا عن الغالبية العظمى من الشعب، الغير راضية عن مجموعة السياسيين وما آلت إليه البلاد في عهدهم، و"بفضلهم"؟ ماذا عن البعثيين السابقين؟ ماذا عن الذين أرهقهم الإرهاب والفقر والقلق؟ ماذا عن المشمئزين من تحكم الجهلة في الشارع وفرضهم سلطتهم فيه، يتحكمون فيما يلبس الناس وما يشربون ويأكلون؟ ماذا عن الغاضبين من الفساد المستشري؟ ماذا عن من خاب أملهم في برلمان لا يهمه إلا زيادة رواتبه بلا أدنى خجل؟ وماذا عن الذين يريدون الإنتقام من هؤلاء السفلة بأي ثمن؟ وعن الذين اكتووا بظلم السلطة، وأسقطهم الزمن في سجونها، هم أو أقاربهم وأهلهم، فاختفى البعض وقتل البعض ومازال البعض الآخر ينتظر "التغيير" في السجون؟ ألا يمثل لكل هؤلاء، أي بديل، مهما كان سيئاً، خياراً يستحق النظر والتفكير، بل وربما الحماس؟

وإن كان الشخص المعني بالسؤال سنياً، أو بعثياً سابقاً، حتى من الذين دفعوا إلى الحزب دفعاً، وحتى أؤلئك الذين سعدوا منهم بسقوط الحزب الذي لم يكونوا يجرؤون على الخروج منه، ألا يضيف هذا عاملاً آخر لقبول البعث بدلاً من هذا الحال؟ السؤال ليس سهلاً. لقد قدمت السنين المالكية ما يكفي من الإحتيال والتخبط والتصرف المذل وانعدام الشفافية، بل إنعدام الرؤية والقدرة على فهم ما يجري، وانعدام الثقة، ما يكفي لكي يقول الكثيرين: لتسقط السماء عليهم، حتى لو سقطت علينا أيضاً. لكن لنحلل الأمر بهدوء، فهي فرصتنا الأخيرة. لنراجع أولاً ما نعرفه ونحاول أن نكون فكرة بسيطة عن اللاعبين ودور كل منهم.

 

البعث بعد استلام صدام للسلطة: الحزب الذي انتهى إلى عصابة

لنبدأ بالبعث، واقصد هنا، البعث العراقي، الذي وصل إلى ما وصل إليه خلال حكم صدام حسين، ولا أتحدث عن بعث آخر، لا في في مكان آخر، ولا في زمان آخر، فكل هذه "البعوث" لايجمعها شيء تقريباً سوى الإسم.

البعث الذي تبقى في العراق بعد استلام صدام للسلطة، ليس حزباً بأي شكل من الأشكال. إنه عصابة مافيا، كان همها الوحيد إدامة الرعب في داخل الشعب لحماية رئيس العصابة، ويشمل هذا الرعبـ، أفراد العصابة نفسها، بل وقبل غيرهم. فقد قام "آل كابوني" بذبح الحزب لتغييره، ونشر الرعب في صفوفه بتسجيل المذبحة التي قام بها وتوزيع أفلامها على المنظمات الحزبية. هكذا تحول حزب كبير قديم، في تموز 1980، إلى عصابة ترتجف رعباً، وتثير الرعب من حولها. عصابة تديم رعباً داخلياً وخارجياً، يؤمن استمرار النظام الرهيب.

هذا ما وصل إليه "البعث" وهو ما نتحدث عنه. لذلك، يجب على من يفكر بالبعث كبديل، أن يحسب هذا "البعث", وليس بعث السبعينات، الذي رغم أنه لم يكن شيئاً يحسد عليه، لكنه كان حزباً تقليدياً، وبذلك يختلف كثيراً عن العصابة التي وصلتنا اليوم تحت نفس الإسم.. ربما لم يكن الحزبيون الكبار خاصة، يدركون كم الألم الذي تسببوا به للناس، وكم الحقد والكراهية التي زرعوها في نفوسهم، لكن العراقيين الذين ذاقوا المر والهوان تحت حكم هذه العصابة، يعرفون عم يتحدثون، وقد حان للحزبيين أن يدركوا حجم الضرر والدور المدمر الذي لعبوه، فقد أتيح للجميع الفرصة لرؤية أفلام التعذيب والإعدام، ورؤية ضحاياهم وآهالي ضحاياهم وما مر بهم، لمن لم ير منهم ذلك بعينه.

 

القيمة النظرية لبعث صدام: البعث الصدامي لم يكن شوفينياً، كان أتفه من ذلك

من الشائع اليوم أن حزب البعث حزب قومي شوفيني، لكني أرى أن الوصف الأنسب له هو أنه كان عصابة لصوص وقتلة، ولا يصح وصفها بأية صفة أخرى، ولا حتى الشوفينية. لا استند في ذلك فقط على حقيقة أن ضحايا البعث الصدامي شمل الجميع بلا استثناء، فقد يرد على هذه الحجة بصدق، بأن ضحاياه الأكثر كان بين الكرد والشيعة. ما أستند إليه هو ما أعرفه كأي عراقي كان يعيش في البلاد في ذلك الوقت.

فالشوفيني يفترض أنه "مجنون بقوميته" يسعى إلى رفعتها ولو على حساب القوميات الأخرى وبدون اهتمام بأخلاقية الأساليب. لكن من رأى منكم بعثياً عراقياً يتحدث عن العرب والقومية وضرورة رفعة العرب وأنهم أفضل من غيرهم من الشعوب، وأنه يجب التضحية من أجلهم؟ لقد تبخر هذا الخطاب (والذي لم يكن قوياً في يوم من الأيام منذ كوارث الستينات التي ادرك فيها الجميع حقيقة الأمر) منذ السبعينات، وكان جميع البعثيين الذين اعرفهم يقرون بأن الحزب لم يعد يهتم سوى بمقياس الولاء لصدام حسين. ولنذكر أيضاً أن صدام نفسه هو من قاد المؤامرة على المحاولة الأخيرة للوحدة مع سوريا، حين جاء الأسد إلى بغداد، فاتهموه بأنه سلم حقيبة بها 4000 دينار (!) إلى متآمرين...الخ. فهل يمكن لمن يفعل مثل ذلك أن يكون له أي شعور قومي، ليكون له شعور شوفيني؟

هل يعرف من كان منكم في العراق، أية تيارات شباب شديدة الحماس للقومية العربية في ذلك الزمن؟ أنا لم أر شخصاً واحداً بهذه الصفاة، وليس موجة أو تياراً، فما هو هذا النظام الشوفيني الذي لم يكلف نفسه بتنظيم البعض نحو شوفينيته؟ صحيح أن الأحزاب الفاشية تتعامل مع العصابات وتتحول إلى عصابات في كثير من الحالات، لكن قادتها لم يفشلوا يوماً في الحصول على نسبة ليست ضئيلة من التأييد الشعبي، فهل حصل البعث، خاصة وقت صدام، على أية شعبية؟ أما كان بحاجة دائمة إلى الضغط والتهديد من أجل إخراج الناس في أية تظاهرة؟ أما كان صدام ينقل لوريات من المتظاهرين من رجال الأمن المتنكرين إلى أية مدينة يزورها؟ هل كان يستطيع أن يبيع أي كتاب من مطبوعاته، أو مطبوعات متخلفيه، إلا بفرضه فرضاً على الدوائر الحكومية والمدارس؟ فأين الروح الشوفينية التي بثها هذا الحزب؟ ربما أجبر الشوفينيون الأوروبيون في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي، بعض شعوبهم على إظهار التأييد لهم، لكن لا علم لي بشوفينية لم تستطع أن تقنع أي جزء من شعوبها بهدفها القومي. ولا يفسر ذلك في العراق سوى أن بعث العراق لم يكن يهتم بأي هدف قومي على الإطلاق.

أين الإحتقار الشوفيني الذي يفترض أن البعث أسسه بين الشعب العربي في العراق ضد الكرد؟ أنا لم أعرف عربياً يكره الكرد في ذلك الزمن، فقد كانت الحرب على الكرد حكومية بحتة ليس لها أي تأييد أو تفهم شعبي في العراق (وهو عكس ما كان الأمر في تركيا مثلاً). إن مثل هذا "الحقد" قد بدأ وتولد فقط بعد 2003، ويعود الفضل فيه إلى مسعود البرزاني وشلة من الكتاب الكرد، والتمتع بإهانتهم لمواطنيهم العرب بلا حدود، قولاً وفعلاً، وسرقة حقوقهم بلا خجل، وتأييد مستعمريهم ومحتقريهم وتبجيلهم علناً. هذا ما جعل البعض يحن إلى زمن صدام، وليس "تربية صدام" كما يحلو لقادة الكرد أن يؤكدوه.

هل كان السؤال في العراق فيما إذا كان الشخص مخلصاً ومحباً للعرب ومقدساً للعروبة، أم كان السؤال عن ولائه لصدام حسين؟ هل هناك أية أدبيات تقول بأن العرب أفضل من غيرهم من الشعوب، أبعد من النكات المتبادلة بشكل متناظر بين العرب والكرد؟ لقد كانت اقصى المحاولات تهدف إلى القول بأن العرب ليسوا أقل من غيرهم وأن لهم تاريخ مجيد، وحتى هذه كانت تقابل بالإهمال والسخرية غالباً، فالناس تعرف حال العرب، وتعرف هزيمة حزيران 67، ولم تكن هناك أية نهظة رداً على تلك الهزيمة بل لم تكن هناك أية محاولة للقيام بمثل تلك النهظة. ليس ذلك غريباً، خاصة في عهد صدام حسين، فالإعتزاز بالقومية كان يتناقض مع ضرورة إحساس المواطن العراقي بأنه حشرة، ولا يجب أن يرفع عينه ويعتبر نفسه إنسان له حقوق أمام السلطة.

ربما كانت مشاعر صدام حسين مختلطة، لكن كل شيء يشير إلى أنه حتى عندما كان يقوم بأشد أعماله "شوفينية"، إنما كان يعمل لنفسه، ولنفسه فقط. فتهجير الكرد وحرق قراهم كان بالدرجة الأولى لأنهم كانوا (ولهم الشرف في ذلك) يقاومون هذا النظام، ولو أنهم كانوا أكثر إخلاصاً لصدام من العرب، فلا أحد يشك بأنه كان سيقدمهم على العرب، وينطبق هذا الأمر على موضوع الشيعة والسنة. وبالفعل فقد كسب "أحباب صدام" من الكرد والشيعة ما لم يكسبه الكثيرين من العرب السنة.

ليست كل خطة تهجير، شوفينية الأساس بالضرورة. كتب جومسكي بأن السلطات الأمريكية كانت قد فكرت بعد الحرب العالمية الثانية في نقل نسبة من سكان إيطاليا إلى بلدان بعيدة، ليس حقداً على الإيطاليين، وإنما لمصلحة للأمريكان، هي تقليل نسبة الشيوعيين الكبيرة جداً في البلاد (!) وكذلك كان دافع صدام ورفاقه في العراق – المصلحة الخاصة، أو على الأقل كان هذا دافعه الرئيسي إن لم يكن الوحيد.

لم يكن الصداميون شوفينين لأنهم كانوا عديمي الإحساس بالوطن والشعب، فحتى الشوفينية لها صفة إجتماعية ووطنية، بمعنى أن الشوفينيين يعملون من أجل قوميتهم بالطريقة التي يتصورونها صحيحة وهم مستعدون للتضحية بالكثير من أجل ذلك، ربما بأنفسهم أيضاً، لكن البعثيين كانوا في زمن صدام خاصة، مجرد لصوص..ليس لديهم أي تصور عن مستقبل شعبهم حتى ولا مستقبل خاطئ، ولا يهمه مثل هذا التصور..البعثيين الذين كانوا يمتلكون مثل هذا التصور، تركوا البعث تدريجياً، ومن بقي منهم فإنه كان يتحدث بصوت منخفض ويعتبر البعث الذي ما زال ينتمي إليه أشد اعدائه الذين يخشاهم.

كذلك فأن الأعداد الكبيرة من المنتمين للحزب مضللة تماماً, والقول بأنها دليل على تعاطف هذه الأعداد مع الحزب لا يختلف عن القول بأن السجناء يحبون السجن بدليل عدد السجناء الكبير. حين قامت الإنتفاضة، تمكنت من السيطرة على 14 محافظة من محافظات العراق الـ 18، وهو مؤشر حاسم على موقف الناس من البعث. وبنفس الطريقة فأن الحديث عن 40 عاماً من التربية البعثية للشعب، حديث مضلل أيضاً، فالسجين لا يزداد حباً لسجنه إن ازدادت سنوات سجنه، رغم أنه قد يتعلم الإستسلام. فالسؤال إذن هل أن تشبيه سلطة البعث على العراق بالسجن صحيحة أم لا؟ من يختلف معي في هذا يحق له أن يرفض هذا الإستنتاج.

كتب لي أحد الأصدقاء في حوار "أن عدد اعضاء حزب البعث في العراق عندما قام بانقلاب شباط الانكلو- امريكي لم يكن يتجاوز بضعة مئات, و كانوا اقل عددا في انقلاب 1967." وفي هذا مؤشر كبير على مدى الإنتشار الحقيقي لفكر البعث، بدون ضغط السلطة.

 

إعطاء التافهين قيمة أكبر من حجمهم كثيراً

بنفس الطريقة التي تبين أن ما بقي من بعث صدام ليسوا شوفينيين، لأنهم أكثر أنانية من الشوفينيين، يمكننا أن نبرهم أنهم ليسوا مسؤولين عن التفجيرات الإرهابية، وخاصة الإنتحارية منها. فمن عاش طيلة حياته على أن يكون جباناً ولصاً، لن يجد أي دافع في الحياة لكي يضحي بنفسه أو يخاطر بها. لا من أجل مبادئ ولا من أجل تحرير ولا من أجل وطن ولا من أجل شعب...ولا من أجل أي شيء. هذا لا يعني أنه لا يمكن أن يقوم البعثيون بأعمال قتل، بشرط أن يكون أميناً، ويكون لديهم هدف واضح، أو يكونوا مرغمين على القيام به. أما أن يقوم بعثي بعمل انتحاري، وهو على علم به، فهو خيال جامح ومنطق شديد الإعوجاج. الأمر يختلف تماماً عن الحالة الفلسطينية، فهناك تتوفر الإرادة للتضحية ويتوفر الهدف الأسمى ويتوفر الضغط ولا تتوفر البدائل الأفضل للوصول إلى الهدف. وفي تقديري أنه لا وجود للإنتحاريين في العراق ولا التفجيرات الإنتحارية، بل هناك ملغومين لايعلمون ما يحملون، وتفجيرات ملغومة، فقط لا غير. لكن هذا موضوع آخر يحتاج لمقالة منفصلة.

 

بعد إعدام صدام سرت الحكاية التالية، ورغم أن ليس لدي ما يؤكدها، لكنها تشرح بشكل ممتاز حقيقة البعثيين وموقفهم:

دخل رجل على مجلس فاتحة لصدام أقامه البعثيين في الصينية في بيجي، ولم يقرا الفاتحة فلما وجد الوجوه تنظر اليه قال لهم: ماذا تريدون؟ الفاتحة؟. ألا تعرفون ان من عادات العرب ان لايقرأوا الفاتحة ولا يقيمون مجلس عزاء ولا حتى ارتداء العكال حتى يتم الإنتقام من قتلة اي شيخ من شيوخهم ...هاهم قتلة صدام (الأمريكان) امامكم ...وقاعدتهم في الصينية! وتحداهم ان كانوا رجالاً أن يذهبوا للإنتقام له...الخ. 35 سنة بالروح بالدم نفديك يا صدام ولم يحاول احد من تلك الملايين ان يخلصه من سجنه ولم تخرج دفاعاً عنه ولا حتى مظاهرة. قارن مع المنظمات المسلحة التي هاجمت سجون ابو غريب وبادوش لإطلاق سراح رفاقهم فشلوا في ابو غريب بعد تكبد خسائر كبيرة ونجحوا في الثانية في اطلاق سراح اكثر من مئة سجين كانوا متهمين بالمقاومة.

يقال ان المبالغ التي وزعها صدام على ثقاته كأمانة لكي تستعمل في المقاومة لم تتم اعادتها الى اي من جناحي الحزب المعروفين، محمد يونس وعزت الدوري. مثل هذه الأخبار تنسجم تماماً مع ما نعرفه عن الحزب, وليس الإستعداد المفاجئ للتضحية والموت من أجل شيء ما، مهما كان هذا الشيء. أن من يعرف العراق لا يفترض أن يصدق مثل ذلك.

قيل أيضاً  أن قطع العزاء بإعدام صدام حسين في صلاح الدين، وضعت قرب نقاط الجيش والشرطة لحمايتها من الناس الذين كانوا يريدون تمزيقها لشدة كرههم له حتى في مدينته! هذا أيضاً ينسجم مع ما يعرفه العراقيون عن صدام وشعبيته! وهو ينسجم أيضاً مع حقيقة احتفال العراقيين بسقوط الحكم في جميع المدن العراقية بلا استثناء، قبل أن يكشر الأمريكان عن أنيابهم.

من الخرافات الأخرى التي ينتظر من العراقيين أن يصدقونها الأخبار التي ترد عن عزة الدوري وتشكيله جبهة مسلحة من خمسين فصيلاً للمقاومة. ولاحظ  مصطفى محمد غريب أن شرطهم للحديث مع الإحتلال هو "إقرار الإحتلال بالرحيل النهائي عن العراق" وليس الرحيل الفعلي. وفي واقع الأمر، فأن الأمريكان قد أقروا "رسمياً" بأنهم راحلون "بشكل نهائي"، ولا معنى لمثل هذا التصريح إذن، فهم مستعدين للتحدث معهم الآن، وقد تحدثوا بالفعل في تركيا.

لكن المسألة الخرافية في هذه القصة أن "عزت الدوري" هذا شخص كان العراقيين يتندرون على غبائه وجبنه، فكيف انتقل إلى مرحلة البطولة؟ وحتى إن تصورنا أن معجزة حولت الجبان إلى بطل قد تحدث، فعزت الدوري معروف بغبائه الشديد، فكيف يستطيع شخص غبي أن يقود فصائل مقاومة، حيث لا يكون الولاء إلا للقوي الحقيقي؟ كيف نتصور قائداً من كان يصل به التملق تشبيه صدام بالنبي والله الذي يفترض أن عزت يؤمن به بشكل شديد، وكيف نصدق أن من يقول لسيده في خليط عجيب من التملق والحماقة: "يا سيدي، خطؤك خير من صحيحك"، أن يقود فصائل مسلحة، لا أن يصبح مضحكة لها؟

قال محادثي أن الدوري (ويونس) يمتلكان الفكر الشوفيني...لكن الدوري كان لايستطيع أن يضع كلمتين فوق بعضهما، لا حديثاً ولا كتابةً، فكيف يكون له "فكر" من أي كان حتى لو كان شوفيني؟ "المفكرين" الشوفينيين كانوا دائماً ذوي كاريزما ضرورية لتسحر مستمعيهم فلا يعون السخف في كلامهم، من موسوليني إلى هتلر، فأية كاريزما للدوري وقد كان هدف التندر والسخرية من قبل الناس حتى عندما كان في اعلى سلطته؟

 يتساءل  مصطفى محمد غريب (1) أيضاً عن عزت: "هل هي كذبة تضاف إلى ما يتمتعون به من كذب وضحك على ذقون الناس؟ ما أشار له الحي الميت عزة الدوري بأنهم " على مشارف الحسم النهائي والنصر المؤزر المبين " وكأنهم على أعتاب بغداد بينما الحقيقة انه مازال مختبئاً إذا كان حياً ولا يجرؤ أن تظهر له صورة حديثة حتى لو في مكان مظلم أو فيديو قصير، فكيف هو النصر المؤزر!!" بل "هل هو موجود أو غير موجود؟".

هذه هي حقيقة ما تبقى من هذه العصابة، فمن الذي يسعى إلى تهويل بقايا البعث وتصويرهم مرة كخطر، ومرة كأمل للتحرير والخلاص من الفساد والإرهاب؟ وهل أن تفاهة ما تبقى من البعث تعني أنه لا يمثل خطراً؟ ليس صحيحاً، فهناك من لديه القدرة على تحويل التافهين إلى دكتاتوريات أمنية خطيرة، بل أن لديهم مدارس متخصصة، يدخل إليها التافهون، ليخرجوا بعد بضعة سنوات، وحوشاً كفؤة متخصصة بالإرهاب والإنقلابات وتحطيم آمال الشعوب. التافهون ليسوا خطرين على مستوى البلاد، إلا إذا توفر لهم من ينظم وحشيتهم ويعلمهم الكفاءة! إنهم لم يصلوا إلى الحكم في العراق مرتين إلا بهذه الطريقة، فهل لجماعتنا في العراق اليوم من يقدم لهم تلك الخدمات؟

سأترك هذه الأسئلة لك، يا قارئي العزيز...

 

صائب خليل

17 تشرين الثاني 2009

 

............................

(1) http://albadeal.com/modules.php?name=News&file=article&sid=11950

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1231 الثلاثاء 17/11/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم