أقلام حرة

مبروك لكم يا صدريين احترام تياركم لكم

عسيرة إلى هذه الدرجة لكي لا تقوم بها سوى جهة واحدة في العراق؟" وهل هي صعبة إلى هذه الدرجة لكي لا يفكر بها أحد إلا بعد خمسة سنوات؟ الم تكن مثل تلك المبادرات كفيلة ببعث الحيوية والصحة في الديمقراطية العراقية المحتضرة يأساً؟

 

بينما يسود الشقاق وعدم الثقة والتردد بين الناخب والمرشح، الأحزاب العراقية الأخرى فأن الصدريون دون غيرهم يتمتعون بانتخاب مرشحيهم للبرلمان، وكان الشيخ صلاح العبيدي مقنعاً حين قال "أن إجراء انتخابات لمرشحي التيار الصدري خطوة لأعادة الثقة بين المواطن والمسؤول".

 

الصدريون ينتخبون ويحترمون الدستور في كوتا النساء بنسبة 25%، معبرين عن حداثة جميلة تبعث على الأمل بالمزيد. لكن الصدريين لم يكونوا بحاجة إلى دستور يجبرهم على كوتا النساء، فنسبة نسائهم في المجلس تزيد على ما يطالب به الدستور بشكل كبير. وهل تحتاج نساء التيار الصدري إلى "كوتا" تؤمن لهن صعودهن إلى مقاعد البرلمان، وهن أكثر فعالية وتواجداً من غالبية رجاله؟ هل الدكتورة مها الدوري أو الدكتورة لقاء آل ياسين أوالسيدة غفران الساعدي بحاجة إلى كوتا لتحصل على ترشيحها للمجلس؟ هل ينسى العراقيون وقفتهن البطولية في البرلمان، مع بقية نواب التيار وآخرين، بوجه المعاهدة الأمريكية ودفاعاً عن رأي الأغلبية الساحقة من العراقيين، بينما كان الآخرين حائرين في البحث عن تسميات لها لخداع ناخبيهم؟  إنني أدعو نساء الصدريين إلى رفض الكوتا ودخول الإنتخابات بالمنافسة الشخصية وحدها! 

 

يكتب عماد الاخرس أن هذا تعبير عن الدعم الصادق للقائمة المفتوحة. وكتب احمد حبيب السماوي: "لا يمكن حينها لأحد أن يتجرأ بالقول بان التيار الصدري قد قدم أسماء بناء على معطيات الانتماء الحزبي ومعايير العلاقات الشخصية كما تفعل ذلك اغلب الأحزاب السياسية". وكتب جمال محمد تقي: "التيار الصدري ذهب ابعد مما هو متداول"، وأبو فاطمة العذاري يكتب أن الصدريين"أرسلوا رسالة قوية جدا – تلطم كافة الأحزاب الأخرى على وجهها – والرسالة تقول (ان السيد المقتدى وقيادات الخط الصدري يحترمون الجماهير) "

 

ويأتي هذا العرس الصدري في الوقت الذي تنشغل كتل أخرى كبيرة بعرقلة التحقيق مع وزرائها اللصوص، كما عبرت النائبة غفران الساعدي قائلة "كل وزير ينتمي لحزب يجد من يمثله في البرلمان ويعرقل استجوابه". وفي هذه الأيام، يذكر الناس إغتيال الدكتور صالح العكيلي قبل عام، والذي دفع دمه ثمناً لإصراره على الدفاع عن موقف الشعب الرافض للمعاهدة الأمريكية، في الوقت الذي يمرر رئيس البرلمان اتفاقية حماية مع بريطانيا، دون توفر النصاب القانوني في البرلمان، ويدعو إلى سرية التصويت لمنع رؤية الناس لما يجري في البرلمان، والتي قال رئيس الكتلة الصدرية إنهم سيعارضونها بشدة لأنها "خيانة للشعب، تماماً كما عارضنا ذلك في التصويت على الاتفاق الامني مع الولايات المتحدة لان المواطن من حقه ان يعرف مواقف واتجاهات الكتل التي صوت لها". لا يرى محمود عثمان في ذلك خيانة بل "نظام حديث متطور" و"يحرر النائب من الضغوط"!

 

إن تأييدنا وحماسنا ومباركتنا لمبادرة التيار الصدري الرائعة لا يعني أن ليس لدينا بعض الملاحظات عليها.

 فالشرط في أن يكون المرشح من "الوجهاء" ربما كان غير دقيق ويصعب تحديده، كما أنه قد يفهم على أنه يستثني العامة من الترشيح حتى لو كانت لهم الخبرة والأمانة اللازمة.

من ناحية أولى فأن عدم اشتراط أن يكون المرشح من الخط الصدري يمثل إشارة معنوية قوية رائعة للم الشمل العراقي في وقت هو في أمس الحاجة إليه. لكن من الناحية الثانية فيجب طرح التساؤل: كيف سيتمكن التيار الصدري من تنفيذ وعوده الإنتخابية إن كان بعض مرشحيه غير ملتزمين بذلك الخط وتلك الوعود؟

وبنفس الطريقة فأن السماح للناخبين من غير الصدريين بالإنتخاب هو أمر جميل، لكن من الناحية العملية قد يسبب إشكالات مستقبلاً. لذا ربما كان موقفاً إيجابياً اليوم وتتوجب مراجعته مستقبلاً.

 

كذلك يجب تجاوز الخجل العراقي المنتشر من ما يسمى "الغرض الإنتخابي" و"لأسباب دعائية إنتخابية" او "تعبوية". لذا نرى أنه ليس هناك مبرر لتأكيد  الشيخ صلاح العبيدي بأن "الانتخابات الداخلية التي يجريها التيار لاختيار مرشحيه ليس فيها اي دور تعبوي للتيار الصدري".

فالغرض الإنتخابي والتعبوي غرض شريف تماماً ما لم يكن يعتمد الخداع. ومن حق التيار أو الحزب، بل من واجبه أن يتخذ المواقف الشعبية التي تمثل ناخبيه لمختلف القضايا، وأن يبحث عنها، وأن يعلنها ويفخر بها، على النقيض من أؤلئك الذين يبحثون عن إرضاء جهات غير مشروعة مثل الإحتلال وغيره.

وهنا نذكر بأن مؤيدي المعاهدة الأمريكية كانوا يقولون أن من يعارضونها إنما يفعلون ذلك "لأسباب إنتخابية"، أي أن المعاهدة كانت تفتقد تماماً إلى الشعبية وكان تردد بعض الكتل في إعلانها قبولها خوفاً من خسارة مقاعدها. إن من يشيح وجهه عن "الأهداف الإنتخابية" إنما يعبر عن قلة احترامه لأصوات الناس الإنتخابية.

 

النجاح الكبير والإقبال الشعبي في انتخابات الصدريين نقيض الفشل الذريع المتوقع من خلال استقصاءات الرأي، في انتخابات الأحزاب الفاشلة، وهو الدليل القاطع على أن الشعب العراقي راغب وعاشق للديمقراطية عندما يرى أنها ديمقراطية فعلاً، وأن إحجامه عن التسجيل والإنتخاب ليس إلا أحتجاجاً على تشويه الديمقراطية بحصر خياراته وخيبة أمله.

 

أخيراً نقول إن القرار الذي اتخذه التيار الصدري يعيد الأمور إلى نصابها في النظام الديمقراطي العراقي، حيث يكون القرار للإنسان الإعتيادي, ولا يكون حزبه ونوابه وحكومته إلا صوت هذا الإنسان ومنفذي ما يرتأيه من سياسة ومنهج، وخطوة التيار مؤشر جميل لهذا الإتجاه السليم، ونرجو أن تتعلم الأحزاب الأخرى منها.

 

.....................

(1) في الحقيقة كتبت هذه المقالة قبل اكثر من شهرلصحيفة في العراق، لكن يبدو أن أمراً ما منعها من الوصول إليها، رغم تكرار إرسالها ثلاث مرات، وهي المرة الثالثة خلال السنوات الماضية التي تفشل فيها إتفاقاتي في التواصل مع صحف عراقية ورقية، لأن الإيميل في اللحظة الأخيرة لا يصل إليهم ولإسباب مازلت أجهلها!

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1236 الثلاثاء 24/11/2009)

 

 

في المثقف اليوم