أقلام حرة

مؤشرات مؤامرة انقلاب أمريكية بعد الإنتخابات العراقية

ويبدو منظماً بشكل خاص، واتوقع أنكم استلمتم مثل هذه الإيميلات.

 

أود العودة للحظة إلى التاريخ القريب، إلى حملات مماثلة قامت بها المخابرات الأمريكية لتأمين أنتخاب الناس للحكومة المناسبة لها، مثل ما حدث أواخر 1948 في إيطاليا....

"حملة شاملة لكتابة الرسائل من أمريكيين من أصل إيطالي إلى أقربائهم وأصدقائهم في إيطاليا. وبدأت الحملة برسائل إعتيادية يكتبها الأصدقاء فعلاً، ثم توسعت لتصبح عبارة عن رسائل جاهزة بأغلفة ذات طوابع بريد جاهزة، ولا تحتاج سوى التوقيع وكتابة العنوان. ورافق الرسائل حملات مماثلة للبرقيات والبوسترات. وتم ارسال نصف مليون صورة طبعتها منظمة "المساعدة من أجل الديمقراطية" تبين الفضاعات التي ستعاني منها إيطاليا إن هي انتخبت (الدكتاتورية). ووصل إلى ما مجموعه عشرة ملايين رسالة، وزعت بواسطة البريد والصحف والكنائس والإذاعات" (وليام بلوم: "قتل الأمل" ص 29).

 

تسونامي رسائل من اجل قبول البعثيين وتهويل الطائفية من إجل إنعاشها

 

الشعب الذي يعيش وضعاً متوتراً جداً ومحتجاً جداً على وضع الحكومة، صار جاهز لتلقي كل الرسائل والأخبار والإدعاءات المضادة لها برحابة صدر بل وبفرح وبدون أي فحص لمصداقيتها، وبدون أية مراجعة لدقتها. حتى حين يتم الكشف عن الكذب.

والفضل الأساسي في ذلك طبعاً يعود إلى الحكومة الفاسدة، لكن هناك "أصحاب فضل" آخرين في هذا.

 

الحكومة لا تسيطر على مقدراتها على الإطلاق. لقد نجح ضغط علاوي وشلة المطلك والجيش الأمريكي في إدخال عناصر أمنية كثيفة، لا تتمتع بثقة الحكومة، إلى الأمن والجيش والشرطة (من الذين وضعوا أنفسهم ممثلين عن السنة، ومن بقايا البعث الأمني، ومن "الصحوات" وغيرها). وهكذا اضطرت الحكومة إلى خسارة السيطرة على الأمن رغم تحمل مسؤوليته!

وبنفس الطريقة نجح الأمريكان في حماية جميع اللصوص الكبار، وإنقاذهم من القانون، حتى من بين أيدي الشرطة العراقية بالقوة المسلحة وتسفيرهم الى الخارج. وفي بعض الحالات مثلما حدث لوزير الدفاع السابق، لص المليار، أعلنت سلطات الإقليم الكردي على لسان مسعود البرزاني، عن ترحيبه الحار باللص.

وهكذا فقدت الحكومة القدرة على التعامل مع الفساد الذي ينخرها نخراً، رغم أنه من الواضح أن الحكومة أو بعضها، كان يحاول جاهداً أن يفعل شيئاً، بدليل كشف الأمور والقاء القبض على المتهمين ومحاولة تقديمهم للمحاكمة.

 

إضافة إلى ذلك أساءت الحكومة إلى نفسها وتمت الإساءة إليها من قبل إعلام يستند إلى "حقائق"، بعضها سليم، وبعضها تم تهويله وبعضها الآخر تم خلقه على أرض الواقع من قبل تلك العناصر المشبوهة، بل وبعضها الآخر لم يكن له أي وجود أصلاً.

ومن القصص التي اشتهرت، قصة سجن الجادرية، وتشير كل الدلائل إلى أنها قصة تمت المبالغة بها كثيراً (1) وأنها قدمت بشكل مفتعل، فقد كان الأمريكان يعلمون بالسجن وقادرين على تغيير الواقع فيه او حتى غلقه لو أرادوا، لكنهم اختاروا أن يجعلوا منه فضيحة للحكومة قبل الإنتخابات مباشرة.

لقد تصرفت الحكومة ببلاهة وبأنانية وبطائفية لا شك فيها، فوضعت نفسها في الفخ الذي أريد لها أن تقع فيه، ولن آسف على سقوطها، لكن ما يهمني هو فرز الحقائق عن بعضها، وإلا فهي لن تسقط إلا نحو حكومة أسوأ منها. الحكومة عاجزة عن التصرف تماماً، والسبب الرئيسي هو أنها كانت، ومازالت، تستبعد (على الأقل بشكل رسمي) أن يكون الأمريكان هم من ينظم الإرهاب ويديره في البلاد. وبالتالي فلا توجد مطالب جدية بالشفافية حول المعتقلين في السجون الأمريكية، كما أن الأمريكان كانوا قادرين دائماً على إطلاق سراح عملائهم متى ما سقط هؤلاء في يد الشرطة العراقية، وقد لا يكون كشف سجن الجادرية إلا من أجل ذلك.

 

وإذا كان لسجن الجادرية بعض المصداقية التي تم تكبيرها، فهناك أكاذيب مفبركة تماماً، مثل قصة الإختراق العسكري الأمريكي في الثالثة صباحاً لملجأ الحنان لشديدي العوق والذي أطلق عليه إعلامياً صفة "ملجأ أيتام" (للإيحاء بأن السلطة حولت أطفال أصحاء إلى أشباح معوقة) وأنهم وجدوا وبعضهم مقيد إلى الأسرّة وتم تشويه صورة العاملين في المركز وبلا أي مبرر وتصويرهم مع النزلاء من الأطفال، ثم نشر صورهم بشكل مخيف الكثافة في الإنترنت، بل ذهب الكتاب الأقرب إلى الأمريكان إلى تشبيه تلك الصور بصور سجن أبو غريب، كما فعل عبد الخالق حسين، وطالبت جمعية الحقوقيين العراقيين في لندن بتدخل عسكري سريع!! (2)

 

الحملات الإعلامية الموجهة ضد الحكومة لا علاقة لها بالأدلة والبراهين والعقل بل تتوجه مباشرة إلى العواطف الهائجة أصلاً. ومن أسهل الطرق لمهاجمة الحكومة، مهاجمة طائفيتها، وتصويرها بأنها شيء مهول لأن من الضروري أن نرى أنفسنا متذابحين لولا وجود القوات الأمريكية لفك اشتباكنا عن بعضنا. وقد تم تصوير الدافع وراء كل جريمة أو تحقيق حكومي، بأنه ذو دوافع طائفية، حتى حين لا يعرف منفذيه كما هو الأمر على الأغلب، وحتى حين لا يكون ضحاياه من طائفة واحدة!

 

ويسهم الإيميل وتساهل الناس في تمريره الواحد للآخر في تلك الحملات مجاناً، خاصة إن كان الإيميل مدعماً بالصور الجميلة أو أبيات الشعر، ساخرة أو جادة.

وصلني من أحد الأصدقاء قصيدة (تقلد قصيدة لنزار قباني) تهاجم الطائفية، وكانت القصيدة نفسها أشد ما  تكون من الطائفية!

 

القصيدة التي كتبها "يوسف صلاح" سيئة المعاني في تقديري، بقدر ما هي جيدة التركيب، وتصف حال "بغداد الرشيد" هكذا:

ملكٌ صرتُ عليكمْ، وغدَتْ بغدادُ تدعى (المالكية). لم يعد هارونُ يختالُ أمامي...فلقد قطَّعتُ هارونَ إلى مليون قطعة..وزرعتُ الأرض في بغدادَ من حولي كلابا فارسية،.... ولكم اشتاق أن اقتل منكم كل من يحمل دينا ًأو عقالا ً..أو هوية ..ليس باسمي ..إنما باسم كبير المرجعية. فانا المعتدلُ ..الحاكمُ باسم العلوية ..وأنا المنتخبُ المختارُ للفوز ِ بصوت الأغلبية.....ليس ذنبي أنكم حين ولدتمْ لم تكونوا (جعفرية)..!! ليس ذنبي أن أمي أرضعتني دون تدبيري ..صفاتٍ صفوية....لم أكن اقصدُ أن أزعجكمْ حين صرختُ ...(يالثارات العروش الفاطمية) لم يكنْ أمري ولكنْ كان أمر المرجعية.. كلكم عندي سواءٌ ولكلٍ في ثنايا الحقد في نفسي ملفٌ وقضية.......ليس ذنبي أنني حين أراكمْ اذكر (الضلع) فتصحو فكرة الثأر لديَّ، ليس ذنبي أن  أهلي أورثوني حب إيران ..وكره القادسية.

ومن الواضح أن القصيدة تدغدغ مشاعر الإحتجاج الطائفية، المحقة منها والموهومة، وتركز على التدمير الفارسي المزعوم للعرب، وتحقر مسألة "الفوز بالأغلبية"، وتلقي بكل الجرائم على "المرجعية" التي، رغم كثرة اعتراضنا على مبدئها اللاديمقراطي، إلا أنها لعبت دائماً دوراً هاماً في إخماد الهياج الطائفي، ولعل هذا ما أزعج يوسف صلاح حقيقة.

لقد أجبت بمرح، صديقي الذي أرسلها، مؤكداً أن "تصفيط الكلام بشكل قواف" لا يزيد من صحة المعنى، فقلت:

يا عزيزي يا صديقي، لك مني ذي الوصية: لا ترسل الأشياء دفعاً، دون صبر أو روية، دون فحص للمعاني والدلالات الخفية، فترى بين السطور نفحات عنصرية، لا أراح الله كاتبها ولا أجزاه العطية. لايريد الخير فينا بل أتانا بالبلية. إنها والله يا (....) لسطور طائفية!

 

 حملة منظمة مجاهدي خلق للضغط على الحكومة وابتزازها

 

نجحت "خلق" من خلال حملة إعلامية هائلة بكل المقاييس، في إجبار الحكومة على إطلاق سراح معتقليها، حتى بدون قناعة الحكومة. أن تجربة "مجاهدي خلق" في تخليص أفرادهم من سلطة الحكومة تجربة هامة تقول: "من أراد أن يطلق سراح جماعته في العراق (أو غيره) فعليه أن يوفر الضغط اللازم على الحكومة"! إلا أن الضغط الإعلامي ليس متوفر للجميع.

 

لقد كتبت في الماضي مقالة بعنوان "أشرف - معسكر لجوء مؤقت أم دولة مستقلة داخل الدولة؟" (3) أبين فيها الدرجة المخيفة التي صار لهذه المنظمة من سطوة في العراق المحتل بتعقيداته، بحيث أصبح التخلص منها، ولو بشكل سلمي وإلى مكان آمن لأعضائها المتهمين بغالبيتهم بارتكاب جرائم اغتيال ضد الشعب العراقي.

فقد وصل الحال بعلاقة المنظمة مع الحكومة العراقية، وبعكس كل ما هو معروف في تاريخ مثل هذه الحالات، إلى وضع ابتزاز تام من المنظمة للحكومة! فالمعروف في مثل هذه الحالات أن الحكومة تتحمل الكثير من الخسائر الأمنية والسياسية والدبلوماسية مقابل إيواء تلك منظمات سياسية، دع عنك العسكرية، معادية لدولة جارة لها. ومعلوم أنه في الغالب تكون العلاقة إبتزازية من قبل الحكومة لتلك المنظمة التي يرتهن وجودها وحياة أفرادها برضا تلك الحكومة عنها. لقد كان الأمر كذلك حين دخلت "مجاهدي خلق" الى العراق أيام صدام حسين، وحاربت معه ضد بلادهم وضد شعبه، ولم يكن ذلك غريباً جداً. لكن الحكومة العراقية التي تعيش تحت رحمة الإحتلال، هي التي تقع تحت ابتزاز المنظمة اليوم.

فلم تتردد هذه المنظمة بنشر أسماء 31 الف حكومي ادعت أنهم عملاء لإيران، وهو ما يعكس الحماية التي تشعر بها المنظمة (من قبل الأمريكان بلا شك، فلا يوجد غيرهم) مقابل الحكومة الضعيفة. والحقيقة أن المنظمة مازالت تحت ابتزاز صاحب السلطة الحقيقية في البلاد، الإدارة الأمريكية، والتي حرصت على إبقاء المنظمة تحت سيف تهمة الإرهاب، بالرغم من دعمها لها، وبالرغم من مطالبة الكونغرس للإدارة برفع تلك الصفة عنها. فتهمة الإرهاب ورقة ضغط هامة لدى الإدارة لتهديد المنظمة وابتزازها لإجبارها على إطاعتها حتى في الأعمال القذرة التي قد لا ترغب المنظمة بالإستمرار فيها. (4)

 

مؤخراً اقامت المنظمة أو من يساندها في الخارج، بحملة إنترنت وإيميل بكثافة لايقدر عليها سوى الأمريكان والإسرائيليين، ضد الحكومة العراقية، متهمة إياها بالعمالة لإيران ومطالبة بإسقاطها في بادرة عجيبة من عجائب التاريخ، ان تطالب منظمة أجنبية بإسقاط حكومة بلد ما هي في ضيافته.

وفي بعض تلك الإيميلات التي تقمصت إسم جهة عربية، تم إرهاب والتحريض على قتل قائد شرطة ديالى عبد الحسين داموك الشمري والمقدم لطيف عبد الأمير العزاوي وأسموهما بـ "الخونة" و "المجرمين" وتم نشر صورتيهما مع صور للقتلى الإيرانيين في الإشتباك الذي جرى بين الشرطة وافراد المنظمة في "أشرف"، وهو إرهاب لمنتسبي قوات الأمن الحكومية لا توجد حكومة تحترم نفسها تسمح به داخل أراضيها. 

وقد استطاعت المنظمة إثارة المشاكل بين بغداد وديالى (5) ودعت إلى دخول قوات أجنبية لحمايتها، فطالبت رجوي "بعودة القوات الأمريكية" (6) أي أن على العراق أن يبقى تحت الإحتلال من أجل توفير حماية أمريكية للمنظمة!، وصورت المنظمة الأمر وكأن  8500 حقوقي، و2000 نائب في البرلمانات الأمريكية والأوربية يؤيدون نهجها، حسب بياناتها الملتبسة. وكذلك تبلغ الوقاحة مداها عندما يطالب  رئيس بلدية كونئو الإيطالية "بتدخل الخارجية الإيطالية لإنهاء وجود القوات العراقية في أشرف!!" (7) ويتبين بوضوح من بيان المنظمة نفسها (ألذي يقول أن المنظمة أبدت "مرونة عالية" في التفاوض"!) أن الحكومة العراقية صبرت في التفاوض معها لمدة عام كامل قبل أن تقرر اختراق المعسكر، وهو أمر لا علم لي بتكراره في التاريخ، فمتى منعت منظمة أجنبية قوات حكومية من دخول "أرضها" لمدة عام من التفاوض؟

ولو راجعنا بيانات الحكومة، فهناك 55 شخص من الألاف المتواجدة في المعسكر، مطلوبين للإنتربول، وأن الباقين مخيرين بين العودة إلى بلادهم التي أصدرت عفواً عنهم، او اختيار دولة ثانية. إلا أن هذه الخيارات لم تعجب المنظمة، ومازالت المنظمة تجلس على صدر تلك الحكومة بعد انقضاء نصف عام على المهلة التي قدمت لها! (8) ووصلت حملة المنظمة من القوة إلى تنظيم مؤتمرات في "مدينتها" لإعلان التضامن معها وجمع حولها بعض السياسيين مثل صالح المطلك ومحمد الدايني (الحوار) الذي يصرح بنفاق لا حدود له بأن «هذه المنظمة تساهم في استقرار العراق»!! (وهو تصريح لا يخلو من الحماقة، فهو يعني ضمناً أن المنظمة تتدخل في الشؤون العراقية، لتسهم في استقرار العراق كما يراه هو والمنظمة!) . ويرى الدايني أن ليس للحكومة أو البرلمان السيادة اللازمة لإخراج مجاهدي خلق (!)، ويقول أن العشائر ترحب بوجودها!! وهو يرى أن لها حصانة دولية لأنها موجودة من 20 سنة!! وهي نفس الحجج التي يدعيها اليوم من يريد إعادة البعث باعتباره حزباً حكم البلاد عشرات السنين، دون الإشارة فيما إذا كان ذلك الحكم شرعياً أم مغتصباً، وعلى هذا الأساس يبدو أنه يمكن مناقشة إعادة العراقيين إلى ذلك السجن باعتبار أنهم قضوا فيه 40 سنة!!

أن ما يثير القلق في قصة منظمة مجاهدي خلق ليس بالذات الحقائق الصادمة، لكن وبشكل اكبر، قوة الضغط الإعلامية الهائلة لحملتها، وقدرتها على تمرير رسائل سياسية لم تجرؤ منظمة في التاريخ على تمريرها ضد الحكومة التي تحكم بلد ضيافتها. هذه القوة تذكر تماماً بالسيل الإعلامي الهائل الذي دعم تظاهرات إيران بعد الإنتخابات التي أسفرت عن خسارة المفضلين أمريكياً من تجار بازار الجوز والسجاد.

هذه التطورات تؤكد أن امتلاك حد أدنى من السلاح الإعلامي، أمر أساسي للسيادة الوطنية لكل بلد، تماماً كالسلاح النووي اليوم.

 

لأول مرة في التاريخ: بيان المرجعية يغزو صندوق إيميلي!

منذ بضعة أيام تهطل على صندوق بريدي الإلكتروني وحتى اليوم إيميلات لا حصر لها من أناس ليس لهم أسم ولا أدري من أين حصلوا على إيميلي، تحتوي على "بيان" برقم 72، نسب إلى "الصرخي الحسني"، ولا أعلم أيضاَ لماذا كل هؤلاء مهتمون بإيصال هذا البيان، إلي، وهو بيان لاتفهم منه شيئاً محدداً! البيان يقول، وبلغة ملتوية مرتبكة، وبعد أن يترك وراءه طريق تراجع واضح، إلى أنه يجب "الحذر الحذر الحذر.....!!" وتفهم منه أنه يحرض الناس على الوقوف بوجه "الحيف والضيم والظلم..." ووجوب الوقوف بوجه "الطائفية" لكي لا ترجع بشكل مهلك من جديد...الخ.

ومن المثير للإنتباه أن هذا البيان لا يشير إطلاقاً إلى موقف من الإحتلال أو البعث القادم او الصداميين....كل مخاوفه ورعبه من "عودة الطائفية...الرهيبة"!! و "الحذر الحذر الحذر!!" دون أن يقول لنا كيف ولماذا ستعود هذه "الطائفية الرهيبة ثانية!!"

هذا البيان الفارغ من المحتوى، وصل صندوق بريدي الإلكتروني في اليوم الأول حين بدأت كتابة هذه المقالة، وللفترة منذ الثامنة والنصف مساء وحتى الثانية بعد منتصف الليل وصل 21 مرة! وعاد ليبدأ ثانية في المساء التالي في وقت مقارب فتكرر وصول نسخه 20 مرة! وهو مستمر حتى الآن، ولا أعلم كم وصل عدد نسخه، ولكن كثافته بدأت في الهبوط.

متى كانت مرجعية النجف ترسل بياناتها بهذه الكثافة؟ ولماذا لم يصلني منها شيء من قبل؟ ولماذا لم يصلني من أي شخص أعرفه؟ كيف يمكن التأكد من أن المرجعية هي من أرسله فعلاً؟

من الواضح أن الهدف من الإيميل ليس حماية الناس من الطائفية، فللمرجعية طرقها الأخرى التي تصل بها إلى الحكومة العراقية غير صراع الإيميلات، بل الهدف منه إثارة التوتر والتحفز، وليست لغته العجيبة أو كثافة نشره إلا مؤشرات مؤامرة خطرة تحاك.

 

المؤامرة على البرلمان...أهم الحصون الشعبية، رغم خرابه

كثرما هوجم البرلمان والبرلمانيين، وغالباً عن حق، لكن بعض الهجمات لم تكن تخل من المبالغات المقلقة.

ومن المبالغات المتطرفة التي نوقشت كثيراً مؤخراً قضية إقرار البرلمان حصول أفراده على جوازات سفر دبلوماسية. وتم تصوير الأمر وكأنه جريمة كبرى وأنه مؤشر لرغبة هؤلاء بالهرب، الخ. والحقيقة أن الكثير من الدول تعطي مسؤوليها جوازاً دبلوماسياً إضافة إلى الجواز الإعتيادي. وهذا الجواز لا يساعد على الهرب، ولا يعني أن صاحبه لايحتاج إلى فيزة، بل أحياناً يحتاج هذا إلى فيزة حتى لدى الدول التي لا تطلب الفيزة على الجواز الإعتيادي! كذلك فأن حصول أفراد عائلة صاحب الجواز الدبلوماسي، على جواز دبلوماسي، أمر طبيعي في كل العالم، وحملهم للجواز الدبلوماسي لا يعني أنهم أصبحوا دبلوماسيين.

فلم كل تلك الضجة؟ وما القصد منها؟ ألا يريد البعض تعكير المياه، وحرق الأخضر باليابس ومساواة اللصوص في البرلمان بمن يقف بوجههم؟ وأقول: نعم هناك من يقف بوجههم، ولولا ذلك ما تم صد قانون النفط وقانون التصويت السري وغيرها من المؤامرات، ولما أحتاجت أميركا إلى قتل البرلمانيين من أجل تمرير المعاهدة!

 

أنظروا إلى هذا الخبر الذي انتشر بشكل غير اعتيادي على الإنترنت هذه الأيام، ويبدو وكأنه صمم خصيصاً للإستفادة من "فضيحة" جوازات البرلمانيين تلك، والخبر مكتوب بلغة بالغة التحقير، ليس للبرلمان العراقي فقط، وإنما لكل ما هو عراقي.

يدور الخبر المزعوم حول إمرأة تحمل جواز سفر دبلوماسي عراقي إسمها "جعاز معيطرية " (لاحظ الإسم القبيح)، وهذه المرأة العجيبة لاتتكلم لا الإنكليزية ولا الكردية ولا تفهم حتى العربية إلا بصعوبة! ويشير الخبر الذي نشره من ادعى أن اسمه " د.صاحب الحليم" في الكثير من المواقع العراقية ووصلني من عدة أصدقاء، إلى انه نقل من "صحيفة بريطانية" ما. ويكفي لإثارة الشكوك، النظر إلى اللغة التي يتعامل بها الخبر مع ما هو عراقي من تحقير، حتى اختيار إسم المرأة وتعليقه عليه، ومن تقديس لكل ما هو بريطاني، إبتداءاً من الشرطي الإنكليزي "الرائع" في المطار، مروراً بالذوق الموسيقي للجاز، ومقارنته بالإسم القبيح "جعاز" وانتهاءاً بحكمة تم إلصاقها في نهاية المقال بلا مناسبة، ونسبها إلى "الإنساني" تشرشل، والذي هو ليس سوى مجرم حرب وضيع الأخلاق لمن قرأ التاريخ!

إن اللغة الوضيعة التي كتب المقال بها، لا تكشف المستوى الأخلاقي للكاتب (ذو الإسم المزيف؟) فقط، وإنما تكشف مستواه العقلي أيضاً، فتتحول لغته إلى مديح وقور حينما يأتي ذكر شيء بريطاني ويتحول إلى ما يشبه إعلان دعاية، فيقول:

" إستغرب هذا الضابط البريطاني ، حيث أختير من مجموعة من الموظفين الأكفاء الذين لهم خبرة في الوجوه البشرية التي تزور بريطانيا (36) مليون سائح سنويا من مختلف أنحاء العالم و من كل الجنسيات و اللغات و الألوان"

لكنه حين يصل إلى ما هو عراقي تفضحه رغبته الشديدة في التحقير حتى يخرج الموضوع عن سيطرته، فيبدأ في الوصف كمشاهد للحادث وليس كناقل لخبر نشر في "إحدى الصحف البريطانية" كما ادعى في بداية المقال، ثم نسى على ما يبدو، فإذا به ينطلق:

" سيدة يظهر على منظرها انها اما ضائعة فكانت تلتفت يمنة و يسرة ، او عاملة في منجم للفحم الحجري( مع احترامي لكل العاملات و العاملات الكرماء) و المطار مملوء بالكاميرات الخفية و الظاهرة التي تراقب الواصلين و المغادرين او تائهة في سوق ، او زائغة البصر في كرنفال صاخب !! او متسولة عسى ان تحصل على مساعدة مادية تساعدها على تخطي عاديات الزمن الصعب.."

طبعاً لم يذكر الخبر الذي نشرته مواقع كثيرة مثل صوت العراق (9) وغيرها، إسم تلك "الصحيفة البريطانية" ولا أصدق بوجود مثل تلك الصحيفة، وليس عندي شك أن الخبر مختلق تماماً، فيستحيل أن تنشر صحيفة بريطانية لهجة مثل هذه، مهما كانت صحيفة وضيعة، لأن عليها أن تتظاهر ببعض الأدب والترفع، مهما كانت حقيقتها، فمن أين أتى "د. صاحب الحليم" بهذه التفاصيل الوصفية إذن؟

الهدف من هذه القصة المختلقة هو المزيد من التحقير للحكومة العراقية والبرلمان وكل النظام السياسي، بل ولكل ماهو عراقي، فيكون العراقي مطبوخاً جيداً وجاهزاً لتقبل المؤامرة القادمة.

 

خاتمة وتحذير

 

إن كان الإيطاليون قد تعرضوا إلى 10 ملايين رسالة تشويه حقائق، فأن الإيميل والفضائيات توفر إمكانية إرسال مئات الملايين من الرسائل لتشويه الحقيقة أمام العراقيين وجعلهم يندفعون نحو الخطأ. إنهم يريدون أن يصل الضغط العاطفي في المواطن إلى مرحلة تفقده القدرة على الرؤية، فيريد تفريغ هذا الضغط من خلال الغضب والرغبة الشديدة بالإنتقام بأي ثمن، وتحطيم أي شيء.

 

إن مجيئ هذه الحملات في هذا الوقت الحرج جداً، أمر يستدعي أشد الإنتباه، فهي تؤشر أن هناك من يعمل باجتهاد على تهيئة الجو النفسي والسياسي لقبول تغيير خطير. فالعراق سيقرر بعد شهرين تقريباً الحكومة الحاسمة، ليس بالنسبة له فقط، وإنما بالنسبة لعلاقته بالإحتلال، فخلال ولاية هذه الحكومة سوف يتم تنفيذ – أو عدم تنفيذ – سحب القوات الأمريكية حسب المعاهدة. ومثلما ننتظر من الشعب، الحرص على الحصول على الحكومة المناسبة لبناء بلده في هذه المرحلة الحاسمة، لابد أن نتوقع من ممثلي الإحتلال أن يقوموا بكل ما في وسعهم للحصول على الحكومة المناسبة له.

الحكومة المناسبة بالنسبة للإحتلال هي بلا شك حكومة تتكون من أشد الناس وضاعة ممن يجدهم الإحتلال في أية بلاد. وخير من يمثل ذلك ما لملمه الإحتلال على أنه يمثل حزب البعث، ممن مازالت له الدوافع المريضة لتلك السنوات، ومن تمكن الإحتلال من ابتزازه منهم بواسطة الوثائق التي يمتلكونها عنهم، أو في السجون المجهولة، كما حاولت البرهنة في مقالة سابقة (أميركا تريد إعادة البعث؟ من يقول هذا الكلام؟) (10)

هذه المجموعة من أمثال صالح المطلك والدايني والدليمي وأياد علاوي، من الذين أثبتوا المرة تلو المرة أنهم "بايعين ومخلصين" ولن يمانعوا في اتباع أية سياسة يأمرهم الإحتلال بها، وبشكل أكبر كثيراً مما قدمه المالكي لهم في سنواته الماضية العجاف. وفي تقديري أن الهدف العام هو تثبيت قواعد القوات الأمريكية، وإدخال إسرائيل رسمياً في العراق كله وليس في كردستان فقط، والحصول على النفط، والإستمرار بالمشاريع المشبوهة (وزيادتها) في إرساله للأردن مدعوماً بلا سبب، وتطوير تلك المشاريع لإيصاله إلى إسرائيل، وتشكيل حكومة إرهابية أمنية تتولى إدارة شكل ديمقراطي مع إبقاء امكانية أغتيال أي محاولة للشعب للحصول على حكومة تمثله.

 

والسيناريوهات المحتملة كثيرة، أهمها تزوير الإنتخابات، أو القيام بانقلاب عسكري، أو إشاعة الإضطرابات في الإنتخابات أو بعدها تماماً كما حدث في طهران، مع فارق خطير هو أن القوات التي تدعم الإضطرابات هي التي تحكم البلاد، وهي التي تسيطر على الإعلام. وحينها تتدخل تلك القوات (الأمريكية) باعتبارها حامية للديمقراطية في الإتفاقية الدنيئة التي تم توقيعها، وفرض حكومة "مؤقتة"، ربما يكون علاوي رئيسها (أو أي بايع ومخلص مثل عادل عبد المهدي أو رفاقه)، ليقوم ببعض المذابح اللازمة لـ "الإستقرار" كما تعرفه الولايات المتحدة في مختلف انحاء العالم.

 

لذلك أرى أن على الأحزاب والتيارات المختلفة أن تتحسب وتقرر بالضبط ما ستفعله وما ستتخذه من إجراءات في حالة:

ثبوت حدوث تزوير كبير في الإنتخابات، إجراءات أمريكية لنقل صناديق الأصوات أو الإحتفاظ بالنتائج سرية لفترة طويلة كما حدث في الماضي، حدوث انقلاب عسكري، إغتيال المالكي...أو أي شيء من هذا القبيل.

أن الأحزاب والتيارات كافة مطالبة بتحديد خطواتها والإتفاق فيما بينها لتنسيق العمل في حالة حدوث مثل تلك الأعمال، مسبقاً وأن تتأكد من سلامة اتصالاتها وقدرتها على الوصول إلى جذورها الشعبية في الأزمة وتنظيمهم بما يكفل إعادة النظام المنتخب.

مازال ليس مستبعداً قيام القوات الأمريكية أو من تكلفه بالأمر، باغتيال المالكي وإلقاء التهمة على الصدريين باعتبار أنه قد قام بقصف مدنهم وانهم هددوه بالموت ورفعوا التوابيت التي تحمل صوره. وليس مستحيلاً الحصول على "إعترافات" صدرية بالمؤامرة، فلدى الأمريكان الآلاف من الصدريين في المعتقلات، ومن الصعب أن يصمد الجميع أمام التعذيب كما فعلوا حتى الآن.

 

وفي حساب الأمور يجب أن يحتسب أن قوات البيشمركة ستقف تماماً مع مع الجانب الذي سيسانده الأمريكان سراً ، ولا يستبعد أن يتظاهرون بالوقوف ضده علناً، كما يحدث الآن مع الإنقلاب الذي قامت به مجموعة دربتها القوات الأمريكية في الهندوراس. كذلك سيتم تسليح "مجاهدي خلق" ليدفعوا ثمن حمايتهم لحاميهم من جديد، كما أن القوات العراقية ستنكشف عن كل الإختراقات الأمنية الأمريكية التي صنعها هؤلاء أثناء "تدريب" تلك القوات، وستحمل "الصحوات" و "القاعدة" السلاح مع جانب الأمريكان. ولن يتأخر وزير الدفاع "بينوشيت العراق" عن أداء مهمته التي أقسم عليها حين تولى المنصب في "القضاء على الإرهاب والشيوعية"، خاصة وأن الضباط العراقيين المخلصين من امثال "مبدر الدليمي" قد تم التخلص منهم مسبقاً. (11)

 

كذلك سيمتلك الإحتلال معلومات دقيقة عن أماكن وجود وتحرك كل قطعة عسكرية عراقية، ليس من خلال الجو والفضاء فقط، ولكن أيضاً من خلال أجهزة الإتصال والتلفون النقال التي يستعملها الجيش، وربما داخل السيارات العسكرية التي تم بيعها له.

 

أن احتمال مثل تلك السيناريوهات خطير حتى وإن كان احتمال وقوعه قليل جداً لخطورة نتائجه، فلو كان هناك احتمال 1% أن يحدث مثل ذلك لتوجب أن تتخذ جميع الإحتياطات الممكنة لدرء خطره. إن اتخاذ الإحتياطات اللازمة يمكن أن يردع المتآمرين المحتملين حتى من القيام بالمحاولة، فلكي ينجح الأمريكان فيها، يجب أن تتم بدون ضجيج دولي كبير، وأن لا تستغرق وقتاً طويلاً. إننا نتمنى أن لا يحدث شيء من هذا على الإطلاق، لكن مجرد كونه احتمال موجود وله منطق معقول، هو دلالة على الوضع الشديد الخطورة الذي وضع العراق فيه نتيجة بقاء القوات الأمريكية من خلال المعاهدة، والتي تقدم للقوات الأمريكية أيضاً إمكانية تحقيق طموحها للبقاء إلى زمن طويل، إن هي حصلت على الحكومة المناسبة بطريقة ما.

 

إن الديمقراطية التي رآها العراق، ديمقراطية بائسة بكل معنى الكلمة، لكن الديمقراطية قادرة على شفاء نفسها من الأمراض إن هي منحت الفرصة وتمت إدامتها لبضعة دورات انتخابية يراجع فيها الشعب خياراته وينتقي ما يبرهن سلامته وجودته، ويكتشف الغث من السمين. لذا لا يصح أن يتجه المرء بسبب الإحتجاج على سوء الديمقراطية إلى القضاء عليها بخيار دكتاتوري أو بالتساهل معه.

ومثلما يتوجب على الأحزاب الحذر، يتوجب على المواطن أيضاً، فهو معبأ تماماً بالإحتجاج المحق والرغبة بالإنتقام، ويسعى لتفريغ ثورته بأسرع وقت ممكن، لكن الثمن قد يكون غالياً جداً لا يدرك حجمه، ولن يدرك إلا متأخراً، أنه تم سوقه إلى هذا الفعل الذي لا يحطم فيه إلا نفسه!

 

 

(1) http://www.doroob.com/?p=3839

(2) http://www.alnoor.se/article.asp?id=7152

(3) http://www.alnoor.se/article.asp?id=55625

(4) http://www.aljazeera.net/NR/exeres/A39BE6A5-6BC4-4C9D-B0E2-6BC2080648F7.htm

(5) http://www.mojahedin.org/pagesAr/detailsNews.aspx?newsid=7074

(6) http://www.iraqhurr.org/content/article/1800561.html

(7) http://www.mojahedin.org/pagesAr/detailsNews.aspx?newsid=7098

(8) http://www.ahewar.org/news/s.news.asp?ns=&t=&nid=328272

(9) http://www.sotaliraq.com/articlesiraq.php?id=52417

(10) http://www.yanabeealiraq.com/articles/saeb-khalil250809.htm

(11) http://www.yanabeealiraq.com/politic_folder/saab-kalil310108.htm

 30-11-2009

 

في المثقف اليوم