أقلام حرة

الناخب وغضب العروس

أنا أتفق معك تماماً في تقييم ما وصلت إليه بلادك، فأنت كنت تأمل بحكم مثالي يجعل من بلادك وحياتك جنة جميلة، ومثلك يأمل الكثير في مختلف البلدان (1)، لكن إسمح لي أن أراجع معك حقك في كل هذا الغضب والإنتقام.

 

إنه حلم مشروع تماماً، بلاد القانون التي يحكمها شعبها بكرامة، لكن الجميع يعلم كم هو صعب هذا الحلم، لذلك كتب لي أحد هؤلاء الطيبين الحالمين من العراقيين، في عام الغزو الأمريكي نفسه متشائماً: " هل يمكنك ان تدلني على رجل محترم, قضى حياته في داخل العراق, ويعرف النظام كله, تفاعل مع الشعب العراقي, لديه القدرة على الحوار مع العراقيين واقناعهم؟ رجل عاش حياة العراقيين ومشاكلهم يوما بيوم, ووقف في الصف معهم ليستلم حصته من الطحين والخبز ورأى بعينه الام الاطفال العراقيين, عاش واحس بصراع النساء العراقيات. رجل يؤمن بنفسه وبأمته, وليس له مصالح ومطامح سياسية شخصية. شخص لا يفكر اطلاقا ان يسئ استعمال سلطته, وينظر الى الوطن كله ككل واحد ولا يفكر ابدا بالتمييز. هذا هو الشخص الذي نحتاجه. من المحزن اننا لا نملك هذا الشخص, ولا أظن اننا سنملك مثله يوما."

أجبت صاحبي: "معك حق، إننا قد لا نملك مثله، لكن ألا تطلب الكثير؟" هل فعلنا ما نستحق عليه الحصول على هذا الحاكم؟ 

وأنت يا صاحبي الناخب العراقي الغاضب، هل فعلت ما يتيح لك أن تطلب حاكماً جيداً وتغضب من ما وصل إليه الحال في العراق؟

أولاً، لنتفق أن "الديمقراطية" ليست بحد ذاتها نظام دولة بمعنى الكلمة، فهي لا تحدد الشكل الإقتصادي للحكم مثلاً، بل هي نظام يتيح للشعب أن يقرر في كل بضعة سنوات النظام الذي سيسير عليه والمنفذين لذلك النظام. وأهم من ذلك أن الديمقراطية لا تعمل بذاتها على الإطلاق، فهي لا تعني "نظاماً لإيجاد حكم مناسب للشعب" وإنما "إتاحة" الحكم للشعب. أي أنها أداة فقط يمكنك أن تستعملها أو أن لا تفعل. إنها كالمطرقة والمسامير وقطع الخشب، يمكنك أن تصنع منها سريراً ترتاح عليه، لكن عليك أن تصنع السرير منها أولاً فهل فعلت؟ الديمقراطية تتيح للشعب "فرصة"، قد تكون فرصة ممتازة وقد تكون ضيقة، حسب وضع البلاد، ويبقى على الشعب أن يستعمل تلك الفرصة ويستغلها ليضع بصمته الواضحة ويقرر كيف ستسير بلاده ومن يقودها. إنها تتيح له أن ينتخب بعد يفهم برامج الأحزاب ويتابع عملها ومصداقيتها وأمانة أو كذب القائمين عليها فيزيح ويضيف ويعدل ويغير حتى يحصل على الشكل الذي يقتنع به للحكم، وهذا كله في صراع قد يبلغ حد العنف بين الشعب وبين من لا يناسبه أن يحكم الشعب، فالحكم ثروة يتصارع عليها اللصوص والغرباء مثلما يتصارع عليها الشعب والجميع يراها من حقه!

لننظر كيف أدرت هذا الصراع يا عزيزي الناخب، وكيف صارعت من أجل حقك في حكومة جميلة لبلادك...

 

أنت غاضب وتريد  دولة قانون تحمي كرامة المواطن

أنت يا صاحبي أنت غاضب على حقك في  أن تعيش في دولة يشعر الإنسان فيها بالأمان من المجرمين ومن ظلم الدولة نفسها، فماذا فعلت من أجل تحقيق أمنيتك العظيمة تلك؟

أنت تعلم جيداً أن الكثيرين تم ويتم تعذيبهم في السجون مثلاً، وكان هناك فرص متعددة للإمساك بالحكومة متلبسة وبشكل لا يمكن إنكاره، فقد قدم الصدريون شكاوى محددة بالأسماء والتفاصيل، وكذلك قال منتظر الزيدي في مؤتمر صحفي علني أنه تعرض للتعذيب، فهل قمت بشيء، ليس من أجل هؤلاء، بل من أجل أمنيتك، فأجبرت الحكومة على التحقيق وإبراز المجرمين وتوجيه ضربة كبرى لهذه الممارسة المخيفة التي تقف دون تحقيق أمنيتك في دولة القانون؟

كذلك تعرضت أمنيتك للتحدي حين تم الكشف عن تهم خطيرة ضد سياسيين كبار في البلاد، مثل أياد علاوي،(2) ، ووجهت بعض التهم الصحافة ووجه بعضها الآخر رئيس الحكومة نفسه. لقد كانت تلك اللحظة مواجهة حياة أو موت بالنسبة لسلطة دولة القانون، فهل نصرتها في تلك اللحظة وأصررت على أن يتم كشف الحقائق ويحاسب المذنب مهما كان قوياً؟

الدايني والمطلك يؤكدان، ضمن شلة اكبر، ان ليس من حق البرلمان الذي انتخبه الشعب العراقي، إخراج منظمة مجاهدي خلق من البلاد، فهل استنكرت هذا الخطاب المهين لسلطة الشعب، سلطتك، على بلادك حتى في مواجهة منظمة متهمة بالإرهاب؟ قد لا تكون مؤيداً لإخراج مجاهدي خلق، لكن الدايني يقول لك أن ذلك ليس من حقك حتى لو أردت، فهل اعترضت على ذلك؟ الدايني كان يتحدث عن حق البرلمان عموماً, وليس هذا البرلمان بالذات، فهل اعترضت على أنك مجبر على إيواء منظمة أجنبية وأنه ليس من حقك كشعب أن تخرجها من البلاد حتى لو أراد الشعب ذلك؟

وبنفس الطريقة كان ظافر العاني يتحدث يوماً في أزمة رئيس البرلمان السابق الذي كان يرسل الأحذية من فمه ويديه إلى زملائه، وأفهمنا ظافر أنه لا يحق للبرلمان أن يغير رئيسه مهما كان هذا الرئيس وسخ اللسان وطويل اليد ومثيراً للقرف والخجل، فهل ساورك القلق على نظام الهيئة المشلولة التي يفترض أن الدفاع عن مصالحك ومستقبل أولادك سيوكل إليها، وهي لا تستطيع إلا أن تقبل رجلاً قميئاً لرئاستها؟ إننا نتألم لحال المرأة المسكينة التي تجبر على الزواج برجل لا تقتنع به، ونفهم أن حياتها ستكون جحيماً، ونحاول أن ننقذها اليس كذلك؟ فما الذي قمنا به لإنقاذ أهم مؤسسة ترعى مصالحنا من هذا الزواج القسري الذي لا يرى العاني فيه ضيراً؟ إن لم تستطع شيئاً ، فهل أقلقك ذلك على الأقل؟ هل اعتبرت هذا العاني وأمثاله أعداء لمصالحك؟ أم أنك نسيت الموضوع كله يا صديقي؟ ثم تصب جام غضبك على البرلمان عندما يتعرض لقضايا شديدة الضغط كالمعاهدات الوسخة، أو شديدة الإغراء بالمال أوالتماهي مع الحكومة بدلاً من محاسبتها!

 

تريد مستقلة حكومة تعتز بها...

لكن الكثير من السياسيين العراقيين والمؤسسات العراقية قدمت الاف الشكاوى ومازالت تقدم حتى اليوم، من تدخل امريكي في شؤون بلادك الخاصة فماذا فعلت من أجلها؟ ماذا قلت عندما دق عادل عبد المهدي قدمه معترضاً على قانون انتخابات المحافظات في البرلمان قبل عام، ومهدداً الوضع العراقي الهش، بالإنكسار، ولم يتراجع رغم ضغوط الأحزاب وغضبها، لكنه تراجع عن اعتراضه الشديد فور زيارة ديك تشيني له؟ متى يعترض عادل عبد المهدي ومتى يقبل؟ () وماذا عن المعاهدة البريطانية وزرع مستشاري حلف الأطلسي، المنظمة المشبوهة التي صارت إسرائيل جزء من قواتها رسمياً، في كل مركز هام في البلاد والذي تم قبل أسابيع في غفلة الإنشغال بقانون الإنتخاب؟

أراهن أنك وقفت غالباً، إن لم يكن دائماً، موقف المتفرج وأنت ترى ممثليك يضغطون وينحنون أمام إرادة الإحتلال، فلا دافعت عنهم عندما رفضوا ولا احتججت عليهم عندما رضخوا.

ماذا فعلت عندما مددت الحكومة بعد كل تلك الجرائم وكل ذلك الضجيج، عقود بلاك ووتر، باسمها الصريح أو بأسماء جديدة؟ ربما كانت الحكومة عميلة للإحتلال وربما كانت مرشوة من قبل بلاك ووتر وربما كانت ضعيفة لا تستطيع اتخاذ موقف، فهل عملت على البحث عن السبب وضرب العمالة أو مساعدة حكومتك إن كانت ضعيفة؟ هل فعلت شيئاً في هذه القضية التي تمس كل قيمتك الإنسانية؟ بالأمس تظاهر اليابانيون لإغتصاب جندي أمريكي لفتاة يابانية، واستمروا بالتظاهر حتى تمت الموافقة على محاكمته أمام محكمة يابانية، مدافعين عن كرامتهم ضد الهجوم الذي تعرضت له، وأنت يا صاحبي، ماذا فعلت في هذا وفي أمور أخرى مشابهة؟ إن كنت فعلت شيئاً فلست المقصود، وأنت تستحق الغضب على كرامتك، وإلا ....؟ أيحق لك بعد ذلك أن تطالب بكرامة ككرامة الياباني، وتغضب على حكومتك كما يغضب الياباني؟

 

أنت غاضب وتطالب بأن يأخذ المجرمون الكبار جزاءهم

ماذا فعلت حين هربت أميركا وزير الدفاع الشعلان والجبوري بعد إدانتهما بالسرقة، إلى خارج البلاد؟ ماذا فعلت عندما علمت بعلاقة عادل عبد المهدي بسرقة مصرف الزوية، دون أن تقوم الحكومة بأي إجراء ضده، ضعفاً أو تآمراً؟ أين غضبك من اختفاء فضيحة وزير التجارة؟

 

أنت غاضب على حقك في ثروة العراق، كفرد من أفراد هذا الشعب

فماذا فعلت عندما علمت بسرقة مليارات الدولارات العراقية من قبل سلطات الإحتلال؟ ماذا فعلت عندما استمر نهب النفط في الشمال والجنوب لفترة طويلة دون أن تفعل الحكومة شيئاً؟ ماذا فعلت عندما ضرب الأمريكان مصفى الشعيبة حسب وزير النفط نفسه؟ () ما الذي فعلته حين علمت أن الحكومة وقعت عقود قروض مع صندوق النقد الدولي، لا معنى لها سوى حرمانك حقك في أسعار مخفضة للنفط والخبز والكهرباء وبقية ثروات بلادك وحاجاتك الأساسية، ثم أعادت الحكومة القرض قبل موعده لأنها لم تكن بحاجة إليه أصلاً؟

ما الذي قمت به عندما ذهب عادل إلى مصر يطلب مليون عامل والبطالة مستشرية في بلدك؟ ماذا قلت عندما سمعت أنه يعد مصر بأن هؤلاء المليون سيحصلون على الأمن والسكن الكريم وتحويل جميع مقتنياتهم, وأنت صاحب الحق، لا أحد يعدك لا بسكن كريم ولا بالأمان، ولا بالعمل؟ ما كان رد فعلك عندما ذهب عادل يتملق لمليونير الأزهر بالتبرعات من جيبك؟

هل تساءلت وسألت حزبك أو حكومتك أو من تراه يمثلك في البرلمان، بأي حق يباع نفطك بتخفيض لدعم حكومة الأردن وانت بأشد ما تكون حاجة إلى كل فلس؟ ألم تتساءل كيف ندعم حكومة نحن مدينين لها بالمال وتطالبنا به، دون أن تحسب "مساعدتنا" هذه لسد ذلك الدين؟ ألم تشم من وراء ذلك رائحة عفنة؟ وإن كان للعرب من العراقيين سبب (ولو سخيف) لمثل هذه "الحماقة"، فلماذا يرضى الكرد بها؟ ما هو السبب في أن قادة كردستان لا يحتجون على تبذير نفط لهم فيه حصة، وإعطاءه لجهات لا تربطها بالعراق سوى صلة قومية ليسوا مجبرين على التضحية من أجلها، مثلما ليس العراقيون العرب مجبرون على التضحية من أجل أكراد تركيا أو أيران، فماذا فعلت أيها المواطن الكردي من أجل الدفاع عن أموالك؟ ربما نتفهم أن لصوص كردستان أشرس من أن تتمكن من منعهم من سرقتك، لكن ماذا عن لصوص العرب؟  لماذا وجهت كل هذا الحقد القومي ليشمل شرفاء بلدك من العرب، دون أن تحرك ساكناً أمام لصوص العرب وهم يسرقون نفطك؟

وهذا أشتي حرامي يسرق حقول نفطك في كردستان ليبيع حقل طقطق النفطي الضخم وحقل كرومر الغازي، بعد أن حولها إلى "بقع استكشافية" رخيصة للشركات الأجنبية، وليوقع عقوداً تقدر خسائر العراق فيها بمئات المليارات، ثم ليسجل حصة البلاد (العراق أو كردستان) باسمه شخصياً! لقد افتضحت كل هذه الحقائق، فما الذي أنتجته تلك الحقائق من إحتجاج في نفسك، وما الذي انتجه هذا الإحتجاج من حركة؟

ولماذا سكتت أيها العراقي العربي وابتلعت سرقة ساسة كردستان حين أصروا على اعتبار نسبة كردستان من الموازنة17% في حين ان جميع الإحصاءات تشير إلى حوالي 11%، ولم يكن هناك أية شرعية لتلك النسبة ولا تفسير لها سوى رشوة أياد علاوي حين وضعه الأمريكان على رأس حكومتك، من قبل قادة الكرد من اللصوص؟ لماذا رضيت بصمت عن الإبتزاز القبيح المهين الذي مارسه هؤلاء الساسة ليستمر نهب ثروتك سنة أخرى، وربما أخرى وأخرى....

هل من حقك بعد كل هذا وغيره كثير...أن تغضب على من يبذر ثروتك ويسرقها؟

 

أنت غاضب على حقك في ديمقراطية متطورة وسليمة

 فهل احتججت حين كان المالكي ينتهك الدستور في أخطر مواده ويمدد حالة الطوارئ بدون موافقة البرلمان؟ وهل أعلنت تأييدك وسعادتك حين قام التيار الصدري بحركة ديمقراطية متميزة بالسماح لناخبيه أن يحددوا مرشحيه؟ هل استغللت الفرص لكي تمتدح عندما يتوجب الإمتداح وتنتقد عندما يتوجب الإنتقاد، كلما كان ذلك يمثل دعماً للديمقراطية؟ أم أنك قررت مسبقاً من تمتدح ومن تذم ولتذهب الديمقراطية إلى الجحيم؟

هل تعرف من الذي صوت بمثل موقفك من القرارات ومن الذي صوت بالعكس في البرلمان؟ أم أنك تتسلى كالآخرين بين الحين والآخر بلعن البرلمان كله؟ فكيف تطالب بالديمقراطية يا صاحبي؟ كم من الديمقراطية يستحق مثل هذا في تقديرك؟

 

أنت غاضب على حقك في  إعلام نظيف من الأجندات المسبقة

وتشكو من مئات الأكاذيب التي كشفت، من تلك الآلاف التي مررتها الصحافة ولم تكشف، مررتها دون عقاب او رد فعل. هل قررت حتى مقاطعة وسائل الإعلام التي كذبت عليك؟ هل تتذكر من كذب عليك منها ومن صدق؟

الناشطون في الغرب أسسوا وسائل إعلامهم حين وجدوا أن الشركات والحكومة تكذب كثيراً وتتغاضى عما تريد وتؤكد ما تريد من الأخبار وتقدمها بطرق ملتوية تناسبها، ودعموا تلك المؤسسات البسيطة بأنفسهم، فهل دعمت تبرعاً أو بأية طريقة أخرى، إعلاماً اعتبرته يدافع عن الحقيقة؟ إذن لماذا تعتبر أن من حقك ان تحصل على إعلام ينقل الحقيقة المجردة لك؟

 

أنت غاضب على حقك في  الشفافية

 فهل أسمعت للناس احتجاجك على حجب النصوص الرسمية للمعاهدة مع الأمريكان؟ هل تساءلت كيف مرت؟ هل تعرف تفاصيل التحقيق مع البريطانيين الذين امسكا مع اسلحة تفجير انتحارية في البصرة؟ هل أنت مقتنع بقصة العصابة المكونة من 8 الاف شخص, والمتخصصة بقتل الكفاءات حسب بيان الحكومة، والتي لم ينشر أي شيء عن تفاصيلها وعن الجهة التي أسستها والتي دعمتها؟ إن كان المئات يعدمون والآلاف يقذف بهم في السجن دون أن تضطر الحكومة لتقديم قصة معقولة، ودون أن يسمع صوت احتجاج، فهل من حقك أن تغضب لفقدان الشفافية في بلادك؟ هل غضبت وثرت من محاولة تمرير التصويت السري في البرلمان، والذي يقضي على أي أثر للشفافية وعلى ما تبقى من الديمقراطية؟ كلا طبعاً لم تفعل، لذلك يتجرأ الوغد السامرائي بمحاولة تمرير ذلك من جديد!

 

أنت غاضب على حقك في  حياة خالية من الإرهاب

هل كلفت نفسك ولو بقراءة شيئ عن حياة نيغروبونتي؟ هل علمت أنه مؤسس الإرهاب الريكاني في أميركا الجنوبية والوسطى من خلال سفارته في السلفادور؟ إن فعلت، فهل غضبت وهل خشيت على بلادك من خبرة هذا الإرهابي وهل فعلت شيئاً ما لدرء ذلك الخطر الشديد؟ لقد منع بعض الشباب تعيين نيغروبونتي في بعض المناصب لأنهم اعتبروه خطر عليهم، فجاء إلى العراق حيث لا يعترض أحد، فهل من حق الشعب العراقي ان يغضب لإمتلاء بلاده بالإرهاب بعد ذلك دون غيرها؟ (3) (4) (5).

حين تم تعيين وزير الدفاع الحالي، أعلن بأنه سيعمل على القضاء على الإرهاب والشيوعية، فهل أثار هذا الخطاب قلقك؟ وإن كان قد فعل، فماذا فعلت بعد ذلك؟ ماذا تنتظر من بلاد يعين فيها مثل هذا الشخص وزيراً للدفاع دون أن يحتج أحد، ولا حتى أؤلئك الذين تعهد الوزير بالقضاء عليهم؟

لقد أشير باصبع الإتهام إلى الأمريكان في الكثير من حوادث الإرهاب فهل أقلقك أن لايتم التحقيق في اي حادث يشير الى متهمين امريكان؟ هل تساءلت كيف قتل اللواء مبدر الدليمي؟ وهل أقلتك التفاصيل الغريبة المتعلقة بجريمة قتل أطفال النعيرية؟ هل سألت حكومتك أو حزبك أو منظمتك الإنسانية عن تلك القضية وطلبت تحقيقاً؟ وهل طالبت بأن تفهم ماجرى في البصرة؟ هل يحق لك أن تتوقع أن تكون بلادك حصينة من الإرهاب، إن كان رد فعل الجميع فيها مشابه لرد فعلك؟

 

أنت غاضب على حقك في سياسيين صادقين

لكنك حين تكتشف كذب أحد السياسيين فلن يكون لذلك أثر، وسرعان ما تنسى وتعود لمتابعة ما يقول وربما تناقش آراءه كأن شيئاً لم يكن، ولا يزعجك أن وسائل الإعلام تبقى تتحدث عن "السياسيين" الذين يكشف تورطهم في فضائح، وكأنهم مازالوا سياسيين وليسوا محتالين، وحين يأتي يوم الإنتخاب، فلن يكون صدق هذا المرشح أو كذبه من العوامل المهمة في قرارك، وغالباً ستكون قد نسيت تماماً من الذي كذب ومن الذي صدق. فإن كنت رضيت بتطبيع الحياة مع الإحتيال، فهل من حقك بعد ذلك أن تنزعج من نزوله ظيفاً أزلياً في ربوع كرمك الذي لا يجده في مكان آخر؟ (6)

 

خاتمة

أنني لا أطالبك يا عزيزي القارئ، هنا في هذه اللحظة بعمل شيء، أردت في هذه المقالة أن أراجع معك حقك في كل هذا الغضب من السياسيين الذين تهددهم بالويل والثبور في الإنتخابات القادمة، في الوقت الذي لم تؤد فيه واجبك في عملية بناء ما يحقق أمانيك نفسها. أن الذين حصلوا على تلك الأماني لم يحصلوا عليها مجاناً. فحين أرادت روزا باركس الزنجية الأمريكية أن تحتج على التمييز العنصري، رفضت القيام من مقعدها في الباص لرجل ابيض عام 1955 ، فوقف السود معها وأضربوا عن استعمال الباصات لأكثر من سنة، وكانت تلك تضحية عظيمة الكلفة لهم، حتى رضخت الشركة، وانهزم النظام اللاإنساني، فخطت الديمقراطية خطوة إلى الأمام. يمكنني بالطبع أن أملأ كتاباً من مثل هذه الأمثلة، لكن مثال واحد قد يكفي بإقناعك بما تعرفه أصلاً من حقائق.

قد تقول "أنني لا أستطيع" "أنني لا أدري كيف يجب أن أفعل" ولعلك محق في هذا، لكن من "لا يستطيع" و "لا يدري" ليس من المنطقي أن ينتظر أن تتحقق أمانيه، وبالتأكيد سيكون غريباً أن يغضب من عدم تحققها!

إسمح لي أن أكون قاسياً أكثر، واقول لك: أنت يا صديقي الناخب العراقي، تتصرف كالعروس الشرقية: تتمنى وتتغاضى عن الحقائق وتحب بعمى وتكره بعمى، واخيراً، وبعد أن خيب العريس الحلم أملها في تعامله معها، ها هي تروح عن نفسها بالتوعد بالإنتقام لحظة الإنتخابات حين سيتقدم لطلب يدها لتقول أمام الناس والمأذون أو القس او القاضي: "لا"!  لقد وجدت نفسها عاجزة عن بناء أي شيء، فأرادت استعادة قيمتها بتحطيم كل شيء! إن هذه العروس تجد حولها كل "المشجعين" الذين يساعدوها في أن تقنع نفسها أنها "الناخب الكريم" و "المواطن الشريف" وأن الذنب فيما حدث يقع على هؤلاء "السياسيين الوسخين" و "المجرمين الذين لا يشبهون البشر" و الذي "أبتليت بهم" لصدفة سيئة من الدهر....وبعد ذلك يقدمون لها العريس البديل، اقبح العرسان وأكثرهم وحشية ودناءة، وحين لا ينجح التجميل في إخفاء القبح المندلق من عينيه، يهمسون للعروس، إنها يجب أن تقبل، على الأقل من أجل "الإنتقام" ممن خذلها!

عندما كان صاحبي يحلم بـ "رجل يؤمن بنفسه وبأمته, وليس له مصالح ومطامح سياسية شخصية" إنما كان يبحث دون أن يدري، عن حاكم يعفيه من مهمته كمواطن، في مراقبة الحاكم ومطامحه الشخصية، وعندما أراد "شخص لا يفكر اطلاقا ان يسئ استعمال سلطته" كان يبحث عما يعفيه من إنشاء المؤسسات التي تراقب استعمال السلطة, وعندما كان يريد منه أن "ينظر الى الوطن كله ككل واحد ولا يفكر ابدا بالتمييز" كان يبحث عمن يعفيه من وضع القوانين التي لاتسمح للحاكم بالتمييز، ويعفيه من الجهد الإجتماعي الذي يخلق الجو المعادي للتمييز...إننا نبحث عن "حاكم نثق به" لنسلمه أمورنا، والديمقراطية لا تعمل هكذا...فالعلاقة لا مفر من أن تبقى متوترة بين الشعب وبين حكومته المنتخبة ليضمن استمرار ولاءها له. احلامنا المتواضعة هذه، أحلام من يئس من الخلاص من الدكتاتورية، فصار كل أمله أن يجد دكتاتوراً طيباً "عادلاً"...لقد عشنا طويلاً في هذا القطيع، ولسوف يدوي صوته طويلاً بعد ذلك في رؤوسنا (نيتشة).

هل من طريقة للخروج من حالة "غضب العروس" الشرقية السلبية، التي تنتظر القدر ليجلب لها العريس على حصانه، ولا يمكن أن تأتيها سوى المزيد من الكوارث، إلى حركة الناشطين المدافعين عن حياتهم وما يحبون ومن يحبون، فحصلوا على حياة سعيدة أو معقولة في الأقل؟ لقد وعدتك يا قارئي أني لن أتكلم في هذا الموضوع هنا، وكل ما رجوته في هذه المقالة هو أن تراجع غضبك الشديد من السياسيين على ما وصل إليه حالك وحال البلاد، وهل أنت محق بذلك الغضب، أم أنك أسهمت في بناء هذا الحال كما أسهم السياسيون، كل بالتقصير في دوره الذي تنتظره منه الديمقراطية؟ وأن الحل ليس بانتقاء آخرين من أجل الإنتقام، وقبولهم حتى لو كانوا أكثر قبحاً وإجراماً، والقضاء بذلك على كل أمل. ما تريده الديمقراطية، "رجولة" من يرى بوضوح أن من حقه وواجبه الذي لا يحيد عنه، استلام أموره بيده، ولا ينتظر حقه من حاكم يأتيه على حصان أبيض، ثم يغضب حين لا يأتي هذا الفارس ابداً!

أليس هذا الغضب من الديمقراطية، شبيه بحال من ينظر إلى المطرقة والمسامير والخشب مزوراً، خائب الرجاء, ومتوعداً إياها بالإنتقام، لأنها لم تصنع له السرير الذي كان ينتظره منها؟

 

(#) رغم أني كتبت الموضوع خصيصاً للناخب العراقي، لكنه في تقديري، ينطبق كثيراً على أي ناخب عربي

(1) الرجل الذي أحلم به رئيساً لمصر! محمد عبد المجيد – مقالة جميلة معبرة، استقطعت الكثير منها في البدء ثم قررت الإكتفاء بالرابط

http://almothaqaf.com/new/index.php?option=com_content&view=article&id=8036:2009-11-30-04-01-16&catid=36:2009-05-21-01-46-14&Itemid=54

(2) دور علاوي في فقدان سيادة العراق على العمليات العسكرية ووجوده تحت الفصل السابع

http://al-nnas.com/ARTICLE/SKHalil/18alawi.htm

(3) عندما تقود الخيوط الى الإتجاه غير المناسب لتفسير الإرهاب

http://al-nnas.com/ARTICLE/SKHalil/1musil.htm

(4) لماذا كانت جريمة قتل مبدر الدليمي "شديدة الغرابة"؟

http://al-nnas.com/ARTICLE/SKHalil/1mbdr.htm

(5) كامل شياع لايريدكم أن تلعنوا "قوى الظلام"، هناك شيء آخر...

http://al-nnas.com/ARTICLE/SKHalil/1kml.htm

(6) الإتفاقية الأمريكية العراقية : وزير الخارجية وقضية لا تجد سوى الكذب للدفاع عنها

http://al-nnas.com/ARTICLE/SKHalil/29usa.htm

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1249 الاثنين 07/12/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم