أقلام حرة

ارضاء المفسدين غاية لا تدرك

diaa alhasheemيؤكد علماء الاجتماع ان الانسان ابن بيئته، فالذي ينتمي الى بيئة صحراوية تجده يحن دائما لقيم البداوة، والذي ينشأ في وسط بيئة زراعية فهو نزاع الى الخضرة والماء وقيم الحياة البسيطة، واما من نشأ في بيئة او وسط مناخ تجاري فهو حبيس المادة، والمال يشكل هاجسه في الحياة. ويبدو الانسان حسب تلك الافكار، سجينا لمركب لم يختاره ولا يستطيع الخروج منه، وبالتالي فهو غير قادر على خلق بيئته المغايرة لما يجده في واقعه والتي لا يتعدى تأثيرها المعنوي حدود الاطر الشخصية.

وتؤثر البيئة في الانسان فتتكون تبعا لمؤثراتها أمزجة اساسية في شخصية كل واحد منا . وقد يحصل تغير في مزاج الانسان نتيجة لايمانه بقيم السماء فتتغير حياته تبعا لذلك، فتحصل ولادة جديدة لشخصية أخرى داخله . وهنا يختلف البشر بمعدلات كبيرة بعضهم عن بعض في نسب تلك الولادات ولربما لا تحصل عند الغالبية منهم . وتبعا لتلك المعرفة، قد لا نستغرب أن الكثيرين من الناس باتوا على نفس الحال في تشبثهم بما ورثوه من واقعهم وما هم عليه، غير قادرين على احداث نقلة نوعية في تغيير افكارهم او النهوض في مستوى اخلاقهم او التأثير في تحسين منهج غيرهم ممن يفتقد الارادة للتغيير .

والواقع العراقي يفرز الكثير من الشخصيات التي تمثل غالبيتها ذلك النوع من البشر ممن لا يتغير ولا يستطيع احداث اي تأثير في تغيير غيره من الناس، ولهذا فأننا نلاحظ أن المشاكل التي يعاني منها المجتمع تبقى حبيسة مفاهيم غير قادرة على تطوير فكرة التغيير، فهي لا تجد طريقا للحل وليس أمامها فرصة جدية تؤهلها البحث في اسباب استمرارها . هنالك احزاب تتمدد وفق مصالحها على حساب الانسان العراقي، يقودها جشع القائمين عليها للتمسك بزمام الامور مهما كانت النتائج وهدفها الوحيد هو المزيد من التحكم في مصائر الناس واستغلال ثروات البلد والتنعم بها ابشع استغلال، ضاربة عرض الحائط مصالح الشعب وغالبية فئاته التي دمرها العوز والتسلط والقهر والتجبر والفساد والتخلف والقمع والاستبداد والارهاب . ولهذا نرى ان الطبقة الحاكمة تنأى بنفسها جانبا اذا ما حاولت البحث عن اسباب الفشل او البحث عن حلول لذلك الفشل . دعى السيد حيدر العبادي قبل اشهر الى سياسة التقشف بعد ان جعل نوري المالكي وحكومته الفاسدة العراق مدينا بالمليارات وافرغ خزينته بالكامل، ولكن بقية الفاسدين لم يغيروا منهجهم وابوا الا المضي في النهب والاستحواذ غير آبهين بما آل عليه الحال من دمار وخراب. فرفضوا ان يبدأ التقشف منهم وشرع كل واحد منهم بتدبير فكرة ينهب من خلالها مزيدا من قوت الشعب المحروم اصلا. فمن رفع اجور الكهرباء الى فرض مزيدا من الضرائب تسابق وزراء النهب التنكيل بالمواطن، ولم يفكروا مثلا بالغاء سفارات للعراق في بلدان ليس للعراق فيها جالية او مصالح اقتصادية مثل الفلبين وافغانستان وموريتانيا وجورجيا واذربيجان وفيتنام وكازخستان ونيجيريا وارمينيا وصربيا وسلوفاكيا وكينيا وطاجيكستان والفاتيكان . ويعرف المواطن العراقي ان بقاء التمثيل الدبلوماسي في مثل تلك الدول وغيرها لم يكن من اجل خدمة العراق وشعبه ولكن من اجل مصالح فئة ضالة من احزاب الخراب والتخبط والفساد . ويأتي ذلك العدد الهائل من الهيئات غير المستقلة مثل هيئة النزاهة وهيئة الاستثمار التي لم تؤدي اي غرض يذكر سوى ان تكون ملاذا للفساد ومناصب لبعض اعضاء الاحزاب المتنفذة، ليكون مصدر لاهدار ثروات الشعب في سبيل خدمة المفسدين وتعطيل اجهزة الدولة القضائية والخدمية وسببا في تبذير المال العام .

اذا ارادت تلك الاحزاب ان تكون وطنية حقا فعليها اليوم ان تظهر للمواطن العراقي وقفتها الصحيحة بالتخلي عن تلك الهيئات والغاءها واعتماد قانون نقل الصلاحيات من المركز الى المحافظات ليتسنى لمجالس تلك المحافظات العمل بجدية من اجل رفع واقع الخدمات فيها وتحسين الظروف المعاشية لمواطنيها بايجاد فرص العمل لهم وانشاء المشاريع المعطلة بسبب فساد وتقصير المفسدين في المركز سواءا في السلطة التنفيذية او التشريعية .

 

ضياء الهاشم

 

في المثقف اليوم