أقلام حرة

المركّب في شعرية تقديس الجسد

ahmad alshekhawiفي الآونة الأخيرة، أهداني ــ مشكورا ـــ زميلي الشاعر المبدع عبد الرحمن الماجدي، أجدد إصداراته، مجموعة"باه" الشعرية عن دار مخطوطات للنشر/ لاهاي، مرفقة بمجموعة " حروب أبجدية" وكتيب ماتع جدا يحوي بين دفّتيه ترجمة أخاذة لقصائد كتبها مجموعة من الأطفال مابين سن السادسة والثانية عشرة، والموسومة بــ " ليس كل الأحلام قصائد"، لست أخال المناسبة هنا سانحة للخوض في تفاصيلهما ولا النبش في ماهيتهما .

بيد أن مقاربتنا ستنصب على آخر وليس أخير ما جادت وتجود به قريحة صاحبنا وقد آثر أن يشقّ لنفسه مسارا إبداعيا خاصا حافلا بعناصر الدهشة والمفاجآت وزاخرا بميكانيزمات استنطاق تضاريس الجسد الأنثوي بشكل أعمّ، في سعي من شاعرنا حثيت إلى قلب موازين المعادلة الجنسية بغرض التأصيل لمفاهيم إيروسية أكثر نضجا وحداثة وملائمة، وتشكيل وعي يتناغم مع المقدس في صناعة ثقافة جنسية يطال مفعولها الروح كمعني أزلي بحمى وفوضى هذا الاحتفاء.

ترصّع خريطة الديوان أربعة عشرة نصا فضلا عن "سراويل يوسف" والتي كنت قد استفضت في تأويل حيثياتها في إحدى موادي النقدية الفارطة.

يحتل الصدارة " تفاح أشقر" متولّدا عنه اصطداما مخمليا بالذائقة وموفّ مكونات الصورة حقها وزيادة .يكفي أن نشير هنا إلى علاقة حواء بفاكهة محرمة اسمها تفاح .

بحيث لا يترك شاعرنا نواة من أنوثة محظوظة انتقاها بعناية لتكون قبلة كل هذا الغزل الجريء المؤمن حد الجنون بحرية التعبير،لكن ضمن حدود معينة تلتمس عفتها في مراعاة الاشتغال الحرفي على كل ما من شأنه ضمان تمرير الخطاب غير منقوص أو مشوه،دون خدش للحياء أو افتضاض استشكال ديني يذكر اللهم ما جنته يد التفسيرات المغلوطة أو الحاقدة.

إذ لا أروع من أن تعرب شمولية ثوب العشيقة عن تداخل رائحة التفاح وإيحاءات الذاكرة والقناع الليلي وآليات تؤنسن أحيانا، مسخّرة لغرض مضاجعة تتسم بالقوة والاكتمال صعودا بالمشهد انتهاء إلى ما يؤهله ليغتدي قصيدة جميلة تثمل القلوب قبل الأعين.

ثم " الحكمة المعثور عليها في رقاد ماجن" ولازمة تتكرر لتفيد أن المرايا الذاتية فقط، أصدق ما يقود إلى معاودة الخطيئة الناجمة عنها حكمة مختلفة ومغايرة،كون الشعور بالزمن يتوقف على مدى تحكمنا بنشاط ذاكرة نسيّد ما تستعرضه علينا في حالات الفراغ والعري الأنيق سيما إذا توالى جميلا مستعذبا ومستطابا.

ثم " بيت الطاعة" و " مقامنا الشهي" و"آية الأنثى" و" حصان عربي" و" هرة مدللة " و " سكان الليل" و" سرير واحد" و" خادم اللذات" ذي الحمولة الشعرية المعارضة تماما للتكوينات الفقهية المزيفة المتزمتة والمتقوقعة على اجتهادات وضعية تقمع الجسد وتفسح مليا لفوبيا الكبت والعقد العاطفية المميتة .

مرورا برائعة" مياه عذبة " المحيلة على المانوية كطاقة ذروة في الإعجاز ومنحة ثمينة ضامنة للإشباع الوجداني والجسدي على حد سواء، والمفجّرة لظاهرة استمرار النوع البشري والحيلولة دون انقراضه عموما.

وقبل الختام" نداء صدوق" للتدليل على أن الجوهري في العلاقة أن تقوم على تيمة الصدق ولا شيء سواه . صدقنا مع ذواتنا ابتداء . أي العريين مجلبة للعار الذي لا تغسله سوى لغة الدم؟ عري الكواليس التي نفرغ فيها كبتنا وغبننا المرتهن بتعاليم حفنة من سماسرة الدين والمعتقد، وجاهليتنا الأولى واسترخاصنا للأنثى وتغنينا بفحولة زائفة؟ أم يا ترى عري الكلمة؟ كلا وربي،فالكلمة ما خلقت لتجهض أو تقنّع أو تستتر، كونها و بكل ببساطة وجدت لتعري وتستفزّ وتفضح .

هذا وليس من العبثية أو العفوية في شيء أن يذيل شاعرنا ديوانه المائز هذا والماتع، بهايكو" عري أنيق" وكأنه يستقطب المتلقي إلى تجريب كأس معسولة من عصارة متتالية القصائد المنصرمة . وكأنه يريد له الذوبان كليا في عوالم الومضة المعلومة إذ تفتح شتى جوارحنا على طقوس إيروسية باذخة موغلة في الاحتفاء بجسد الأنثى نقطة نقطة من أخمص القدمين وحتى قنّة الرأس .

*لقاء

أنتِ بحرٌ،

أنا الأرضُ،

اغمريني.

*فيض

فاضتْ غلمتكِ،

امتلأ نشوةً

أخدود ظهركِ.

 

*قبلة

أقبّل شفتيكِ

يرتعشُ فرجكِ،

طمعاً بالمزيد.

*خيانة

الشامة ُ

حارسُكِ الخؤون

تدلّ شفتيّ على نبيذ فمك.

*عري أنيق

لا تفكري بمزاج ثيابكِ

تغار مما تحتها،

عريُكِ الأنيقُ.

*الحب أعمى

(1)

الحبّ ُ أعمى .'

يقود شفتيّ

إلى تويج فمكِ.

(2)

الحبّ ُ أعمى.'

يقود صولجاني

إلى بابِ قصرك.

(3)

الحبّ ُ أعمى.'

أمطرَنا بمائه

عاريَين.

(4)

الحبّ ُ أعمى.'

فتحتُ عينيَّ بعينيكِ،

كنتُ وحدي.'

 

*لقاء

الكرزُ الكرز.'

اقترب لساني.'

نعظتْ حلمتاكِ.'

*شهيق

شهيقُ السريرِ

يضاجعُ الأرضَ

تحتَنا.

*قصة حب

الفراشة ُ الخضراءُ

على بطنكِ الأبيضِ

رسمَها الثلجُ.

 

*عطر

شممتُ نحركِ

وصَلَ القلبَ

غـُصينُ الياسمين.

*عشق

راهبةٌ،

تعشقُ النهدين،

حمّالة ُ الصدرِ.

*عري

ثقيلة ُ الملابس،

أعاننا على خلعِها

بحرُ السّرير.

*عناق

ملابسُنا

تتعانقُ

على شاطئ السرير.

 

*شبق

حمامتي البيضاءُ،

تلقط ُ، ولا تشبعُ

من شعيري.'

 

*رقص

صولجاني السعيدُ

يرقصُ بين يديكِ،

سيذوق ُ عسلكِ.

*غلمة

عانتـُكِ الزغباءُ

يصهلُ فوقَ مَرجِها

حصاني المغتلمُ.

 

*نشوة

لسانكِ يلحسُ،

شفتاكِ تمتصّانِ،

نشوةَ أصابعي.

*دفء

فمكِ الصموتُ

دفّأَ لساني

في عتمةٍ ماطرة.

*طفولة

وحدُهما

يعيدانني طفلا ً

نهداكِ النادران.

*ازدهار

آخرُ العُري

قيامة ُ الرِّدفين

يزدهرانِ بوضوحهما.

 

ومما تجدر الإشارة إليه، أننا إنما أسدلنا ستار المقاربة على أجواء البوح الأخيرة من الديوان للتأكيد على أن عالمية النص الثري باتجاهاته الفنية والمعرفية والمغرقة هنا في إقحام قصدي وواع لتقنيات مركّبة وإن شابها أحيانا بعض التعقيد، هي عالمية يغذيها الوازع الإنساني والبصيرة المتقدة والدربة والمراس والتجريبية والانفتاح على تجارب كثيرة لا تلغي الذات أو تستنسخها أو تجترّها وتصهرها في الآخر بقدر ما تكرّس للخصوصية والبصمة والتميز في تجربة استثنائية تضع الإشكالية الجنسانية على محك حقيقي ومنطقي مفض إلى الحلول.

 

أحمد الشيخاوي/شاعر وناقد مغربي

في المثقف اليوم