مقاربات فنية وحضارية

كاظم شمهود: رسوم المنمنمات زينة المخطوطات وجمالها

عندما انتهى عبد الله بن المقفع من ترجمة كليلة ودمنة من الفهلوية الفارسية الى العربية قام بتزويق الكتاب بالمنمنمات وقال انه اراد من ذلك ان تكون محطات لرحة القارئ وتسليته وعدم الملل. وكان ذلك في القرن الثاني الهجري (الثامن ميلادي) ويعتبر ذلك اول كتاب مزوق بالكائنات الحية في الاسلام يخترق المحرمات.؟. ويعتقد المحللون ان المزوق هو نفسه ابن المقفع او يحتمل ان يكون غيره. وكان ابن المقفع من اعظم ادباء عصره واذكاهم. لكن الحساد والمبغضين حرضوا الخليفة المنصور على قتله. وقيل ان المنصور امر بتنور وقطع اطرافه عضوا عضوا والقاها فيه وهو ينظر اليها، وكان عمر ابن المقفع 36 سنة (142 هجرية).3891 منمنمات

كما لابد لنا من ذكر رسام اخر ظهر في البصرة في القرن الثاني الهجري (الثامن ميلادي) اشتهر برسوم الشخصيات(البورتريتات) والحيوانات والفكاهه يدعى احمد الخراط البصري. ولكن مع الاسف ليس لدينا معلومات كثيرة عنه. كما هو الحال مع الواسطي الذي لا نملك عن حياته سوى انه من مينة واسط وانه زوق كتاب مقامات الحريري..و ربما يعود ذلك الى القصور في التدوين ونظرة الدين الى المصورين انهم مشركين ؟؟.

كما يذكر بعض المؤرخين بان اكثر المصورين في العصر الاسلامي الاول هم من بلاد فارس ومسيحيون من بلاد الشام من اصل رومي او عربي من الكنيسة الشرقية من النساطرة واليعاقبة. ويظهر عندهم الابداع والمهارة الحرفية العالية في التزويق والزخرفة ورسم الاشخاص. وقد ذكر الهمداني (280 -336 هجرية) (القرن العاشر م) عند حديثه عن الروم (وهم اهل صناعات وحكم وطب، وهم احذق الامة بالتصاوير ، يصور منهم الانسان حتى لا يغادر منه شيئا ، ثم لا يرضى بذلك حتى يصيره شابا وان شاء كهلا وان شاء شيخا..) وبهذه التواريخ يمكن ان نرى الفترة الزمنية التي سبقوا بها مدرسة بغداد ورسوم الواسطي بعدة قرون. وبالتحديد في بداية القرن الثالث عشر م.اي حوالي 1237.3892 منمنمات

كانت المخطوطات القديمة تزين بالرسوم التوضيحية سواء كانت دينية او تاريخية او ادبية ويطلق عليها اسم المنمنمات او النقش وكان يقوم بها رسامون ذو حس فني وجمالي وكان هدفهم توضيح النصوص والتعليق عليها. وكانت غالبية المنمنمات الاسلامية هي عبارة عن زينة وتوضيح للنصوص الادبية او التاريخية. ويقول المؤرخ المصري ابو صالح الالفي في كتابه - الفن الاسلامي -ان الفن الاسلامي هو فن زينة وجمال. 3893 منمنمات

في القرن الخامس عشر ظهرت الطباعة في اوربا فاستعيض برسوم المنمنمات بالرسوم الطباعية التوضيحية حيث كانت تطبع في الكتب عن قوالب خشبية او معدنية محفورة وكان الفنان ياخذ موضوعه من مادة المخطوط المطبوع حيث يكون هو المصدر الاساسي الذي يثير خيال الفنان والمجال الذي يعمل فيه. وكان الفنان يحرص كل الحرص على ان يكون امينا في التعبير عن المضمون والرسم بالدقة والصبر في تسجيل الملامح خاصة عندما يعالجون صور الاشخاص الفعليين. وكان اول المستفيدين من هذا الاكتشاف هو الكنيسة ، حيث طبعت الاف النسخ من الانجيل المزوق والمزخرف ونشرتها في اوربا. ثم بدأت بعد ذلك تطبع الكتب التاريخية والادبية.

و برز في هذا المجال عدد كبير من الرسامين المسلمين امثال الواسطي وابن الرزاز الجزري وبهزاد وغيرهم. وظهر في هذا الوقت ايضا في اوربا جيمابوية وجيتو الايطاليين. وكانت بعض رسوم المنمنمات نفذت بعفوية ومجملة وكانها تشبه رسوم الاطفال. ونشاهد ذلك واضحا في بعض رسوم الواسطي وغيره.. واليوم ظهرت مدرسة بالفن تنحو نحو رسوم الاطفال من ناحية الشخبطة والاختزال والتلقائية. ويقول بول كلي عن رسوم احد اطفاله انها اكثر صدقا وجمالية من اعمالي...3894 منمنمات

و خلال القرن التاسع عشر اصبح هناك اهتماما كبيرا بمسائل التاريخ وتمثيل الاحداث الانسانية في اثار الفن واقبل الفنانون الاوربيون يرسمون الموضوعات التاريخية بكل انواعها مثل الفنان جاك لويس دافيد 1748حيث يعتبر زعيم المدرسة الكلاسيكية الجديدة. وكانت مواضيعهم تركزت على البطولات التاريخية والاحداث الوطنية. وكان من الطبيعي ان يسير فن التصوير في ذلك التيار الفكري وان ينفعل به. ولهذا كانت موضة التصوير التاريخي اكثر انتشارا في المجتمع بنزعة توضيحية تتمثل في ادق التفاصيل التاريخية.. وهذا الاتجاه يؤدي احيانا الى فقدان الصفة الفنية ويصبح بمثابة تقريري.

وهناك فرق بين الرسوم التوضيحية والصور الفنية. فعندما تتدفق مشاعر الفنان الذاتية ويضفيها على العمل الفني ، فانه قد ذهب في خياله الى ابعد من توضيح واقعة حدثت ما في التاريخ.. وكان الفنان الاسباني غويا 1746 في اول الامر يسجل مواضيع تاريخية ورسوم شخصية تمثل الطبقة الارستقراطية. ولكن عندما تعرضت بلاده للغزو الفرنسي عام 1808. كان قد تغير موقفه وفنه. وقد اكتشف مضمونا جديدا لآثاره الفنية حيث انظم الى جماعة تقدمية سرية تسمى – جماعة الندوة – كاتت تعمل للاطاحة بالنظام الملكي والكنيسة. فكانت حفرياته – النزوات – خير دليل على موقفه الثوري والوطني. وتوج ذلك بعمله الكبير- 3 دي مايو – التي تمثل مواطنين يعدمون من قبل الجنود الفرنسيين. وتعتبر هذه اللوح من اعظم ما انتجه الفنان من الاثار في التصوير الاسباني.

***

د. كاظم شمهود

في المثقف اليوم