أقلام حرة

8 شباط الجريمة والعقاب!!

latif shafiqالجريمة والعقاب عنوان رواية للكاتب الروسي (دوستويفسكي) أحدى قمم الأعمال الإنسانية التي تظهر الخير والشر والجريمة والأهواء والمنفعة. وكيف يحمل الإنسان في باطنه قوة تنفيذ الجريمة ودوافعها وبواعثها الكامنة في اللاوعي في وقت يفترض فيه أن النفس البشرية تحمل أسمى المثل والقيم العالية .

ومن ذلك فإن جريمة 8 شباط 1963 هي واحدة من أبشع الجرائم العالمية التي ارتكبت بحق شعب بأكمله وتمت معاقبته من قبل منفذيها بسبب توقه للتحرر والخلاص من نير الاستعمار والاستبداد والاستفادة من خيراته الكبيرة وذلك بعد أن حقق اكبر انجاز خلال وجوده على أرضه وهو قيام جمهورية ديمقراطية انبثقت من صفوف الشعب العراقي وبقيادة فصائله الوطنية المسلحة.

لقد مضى على تنفيذ تلك الجريمة 53 عاما وكان الهدف منها معاقبة الشعب العراقي الذي انطلق من أجل تحرير وطنه من هيمنة الاستعمار والخلاص من نير الاستبداد والظلم المتسلط عليه من أنظمة رجعية تخضع لما يملي عليها المستعمر من أهداف, لقد تصاعدت وتيرة ذلك العقاب خلال العقود الستة التي تلت تنفيذ الجريمة

وشارفت مؤخرا على افتضاح أمرها وبشكل لم يشهده شعب العراق سابقا, وإن مما يؤسف له أن الأجيال التي أعقبت تلك الجريمة لم تدرك مقدار الضرر الذي أحاق بالعراق من دمار شامل وإن البعض منهم وتحت تأثير الأفكار الغيبية التي غذت عقولهم ترجع سبب ذلك إلى القضاء والقدر, ولكن حقيقة ما جرى هو نتاج جهل الغالبية العظمى من الشعب العراقي وعدم اهتمامه بمصلحته العليا والانخراط في دوامة الأفكار البعيدة كل البعد عن واقع الحال.  

إن أفظع ما أفرزته تلك الجريمة وما تخللها من عقاب هو تمكنها من تنفيذ مخططها الواسع والذي رسمته منذ عدة قرون من أجل السيطرة على البلدان التي تتمتع بموارد هائلة وخزين كبير من النفط فعملت ومنذ اكتشافه للسيطرة عليه بشتى السبل والوسائل ومنها إثارة الحروب واحتلال أراضي تك البلدان وأهم ما في ذلك هو تحريك دماها وعملائها المكشوفين والمتسترين ليلعبوا أدوارهم الإجرامية لتمرير تلك المؤامرة الخبيثة وعلى حساب منافع المستعمر وخيانة الوطن وإبقاء الشعب العراقي تحت نير التسلط والاستبداد والفقر والجهل والمرض والفوضى العارمة والتي استحدثت لها تسمية ملمعة وماكرة وهي الفوضى الخلاقة !المتمثلة بمزج السم بالعسل وكنتيجة لذلك أن يكون أبناء هذا الوطن بلا هوية ودون انتساب لوطنه وأهله ويقع في متاهات لا يدرك خلالها هول المصيبة والمنفذين الحقيقيين الذين فسحوا المجال للزمر الخائنة لإسقاط النظام الجمهوري التحرري ولم يقتصر ذلك على القضاء على قادته وحكومته الوطنية بل تعدى ذلك للقضاء على خيرة أبناء الوطن الخيريين من علماء ومثقفين وقادة عسكريين وأعداد كبيرة من المراتب المدربة تدريبا راقيا بين قتيل وسجين ومشرد لا يمكن تعويضهم على مر الزمن.

إن ما جرى في العراق في الثامن من شباط عام 1963 هو مثال واضح ودليل دامغ عن كيفية تنفيذ الاستعمار مخططاته التي احتفظ فيها في أدراج دوائره السرية لعدة سنوات والتي كانت مهيأة لإخراجها في الوقت المناسب الذي يتطلب قمع جموح الشعوب والحكومات التي تحاول الخروج عن سطوتها , ومنها ما قامت فيه حكومة الرابع عشر من تموز عام 1958 بقيادة الزعيم الوطني الخالد الشهيد عبد الكريم قاسم من خطوات جريئة من أجل التخلص من سيطرة الدول الأجنبية ومنع استغلال موارده النفطية من قبل الشركات المستفيدة وذلك بإصدار قانون رقم 80 لسنة 1961 والذي تشكلت بموجبه شركة النفط الوطنية العراقية وحرمت الشركات الأجنبية من استغلال واستثمار تلك الثروة وجعلها ملكا للشعب لبناء وتقدم الوطن وأعماره لكي يعيش حياة تليق فيه ولأجياله القادمة.

لقد تم تنفيذ جريمة 8 شباط بأيادي عراقية ظالمة وبمساندة ومساعدة دوائر استخبارات أجنبية وعربية على حد سواء, وإضافة لذلك فهناك عوامل أخرى ساعدت على تمرير تلك المؤامرة وإنجاحها وهي الظروف الموضوعية التي كان العالم يمر فيها خلال تلك الحقبة والمتمثلة بصراعات وحروب موضعية هنا وهناك وحرب باردة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي والتنافس بينهما للحصول على مناطق نفوذ, هذا من جهة ومن جهة أخرى ما أفرزه التطاحن بين فئات الشعب المتمثلة بأحزابه المختلفة من قومية وعلمانية ودينية وموقفها من السلطة الحاكمة ومنهم من كان يدعمها بشكل لا يرقى إلى الشعور بحجم المؤامرة التي ترسم خارج الحدود ولا يصل ذلك التأييد إلى الدفاع والتضحية بل يندرج تحت مفهوم الحصول على مكاسب محددة , والقسم الآخر كان يبتغي وبشكل واضح إسقاط السلطة والحصول على منافع وامتيازات خاصة غير آبه بما يجري في الخفاء من أجل إرجاع الوطن إلى حظيرة المستغل وما ينتج عنه انهيار كامل ودمار شامل للوطن يستغله الأجنبي للدخول من أوسع الأبواب وضمن مخطط رهيب يستمر تنفيذه لآخر قطرة من نفط ودماء العراقيين على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم.

وبهذه المناسبة الأليمة التي ألمت بالعراق وشعبه العريق وما نتج عنها من سقوط ألاف التضحيات بين قتل وتهجير وتفكيك بنية المجتمع وزرع بذور الفتنة والشقاق وزجه في حروب طاحنة وعدمية وتنصيب حكومات خانعة وخاضعة لإرادة الأجنبي المستغل ساهمت في إذلال الشعب ونهب أمواله وموارده بشتى السبل والوسائل الدنيئة وبطرق غير مشروعة.

فأدعو كل المخلصين من مثقفين وأدباء وشعراء وقوى سياسية وطنية أن يعو حجم الكارثة ولا تنصب جهودهم على النواح والبكاء على ما فات وما جرى بل أن ترتفع أصواتهم عالية وواضحة وصريحة لتشخيص الداء وتحديد نوع الدواء وهو إنقاذ ما يمكن إنقاذه وفضح ما يقوم فيه العملاء القدماء والجدد من أعمال تصب في استمرار المؤامرة الكبرى التي يمر فيها العراق في الظرف الراهن وكشف كل مخططاتهم الخبيثة وزيف كل المدعين بالوطنية من بقايا الأنظمة الفاسدة وإن الأمر يتطلب أيضا إن يعي كل من له ضمير وطني حي أسباب جريمة الثامن من شباط عام 1963 وما تركته من أثار بادية للعيان لحد الآن والمطالبة بتقديم من ارتكب وساهم وساعد في تنفيذها وتمريرها عن قصد وبسبق إصرار, ومنع من يحاول أن يتبوأ أعلى المناصب ويتصدر العملية السياسية الحالية بأقنعة ووجوه مزيفة وقد ساهم ويساهم بقتل وتشريد الملايين من أبناء الشعب المظلوم على مدى ستة عقود من الزمن ,إن دماء الشهداء وأهات اليتامى والأرامل والمحرومين تستصرخ ضمائر جميع الوطنين المخلصين لتربة وطنهم أن يرفعوا أصواتهم عالية مطالبين بإنهاء هذه الجريمة ووأدها والعودة بالوطن إلى ماضيه السعيد ينعم شعبه بخيراته وموارده الهائلة تملأ الفرحة نفوسهم وتعلو الابتسامة وجوههم وهم يرفلون في ظل حكم وطني خال من الاستبداد والخوف والحروب ولا يتم ذلك ألا بعد القضاء على كل العناصر الفاسدة والمجرمة والمرتبطة مصالحها بالأجنبي المستغل ومحاسبتها على كل ما سببته من دمار وخراب لينالوا جزاءهم العادل لما اقترفته أيديهم من جرائم بحق الشعب العراقي العظيم.

 

لطفي شفيق سعيد

الثامن من شباط 2016

في المثقف اليوم