أقلام حرة

قدمت استقالتي لرئيس الكتلة.. ديمقراطية الزعيم

mahdi alsafiبعد ان طرح احد زعماء الصدفة السياسية نظرية اقتصادية تخص فقراء الشعب العراقي، والتي طلب منهم ان يتذكروا فترة الحصار الاقتصادي (1990) كمعيار للقناعة الاجتماعية والمعيشية لاصحاب النصيب والحظ السيء في بلاد البترول (تحت نظرية السيد والعبد او المسؤول الواجب الترف والرفاهية له ولأهله، والرعية العوام فقراء بالولادة)، وذكر مبلغ المئة الف وامكانية العيش بثلاثين الف، وطلب منهم التخلص من رفاهية النستلة،

ورد عبر وسائل الاعلام العراقي اكثر من مرة خبر "ان وزراء بعض الكتل قدموا استقالتهم لرئيس الكتلة"،

مفارقة غريبة لاتحصل الا في المجتمعات المتخلفة، ذات البيئة القبيلة العشائرية الريفية، اي المجتمعات التي لم تأخذ من الحضارة والتجارب الانسانية اية مقومات طبيعة بعضها فطرية (لكنها غابت عن بعض المجتمعات بفعل الظروف والبيئات القاهرة المانعة للمعرفة والمدنية والتحضر)للتحرر والخلاص من ظلام الجهل وعبودية الرمز(يطاع هذا الرمز احيانا حتى وان كان شابا بعمر اولاد او احفاد البعض من اتباعهم)،

هذه ليست حالة فردية تخص مسؤول او مواطن عادي، انما الملاحظ ان الشعب العراقي قد تطبع بطبية الانكسار والاستسلام والتبعية للحاكم والمسؤول، فقد مرت بهذا البلد عقود من الازمات والكوارث والفساد، وحكمته انظمة دكتاتورية شمولية، استطاعت ان تبني حاجزا كبيرا بين الدولة والمواطن(دولة الشرطي ورجل الامن وحماية المسؤول)، مما ادى الى ترسيخ ثقافة التبعية للسيد(سواء كان مسؤولا او شيخ عشيرة او رئيس كتلة )، اي ان طبقات واسعة من هذا المجتمع لاتستطي العيش دون وجود سيد يقودها كيفما شاء، بعد ان يسلب منهم ارادتهم، ويصادر قرارهم واحيانا كرامتهم، بحيث استطاعت حكومة المنطقة الخضراء ان تتحكم بعشرات الالاف من الشباب العراقي، واستخدامهم كحمايات شخصية(بعضهم يؤدي وظائف منزلية وخدمية لاعلاقة لها بمهنته كحارس شخصي فقط)، لكن الانكى من ذلك ان تصل ادوات التحكم الاجتماعي والسياسي لمن هم في المرحلة والمكانة النخبوية العليا، اي ممن يتسلم منصب رفيع في الدولة(وزير او سفير او مدير عام او عضو مجلس نواب او مجلس محافظة)، وهذا الامر يعد ماكنة الخراب الديمقراطي في البلاد، تأكل النظام والقانون والدولة ومؤسساتها بالتدري، فتتركه خاويا كهيكل سليمان الذي يحفر اليهود كل يوم مدينة القدس وماحولها لايجاده دون جدوى،

هذه الالية نجحت وامسك بها بعض قادة الكتل بقوة(الذين انتجتهم ظروف مابعد 2003)، لان الاشخاص المرشحين لايملك اغلبهم مؤهلات الشخص المناسب في المكان المناسب، لهذا تتعمد الكتل السياسية جميعا (عدا اقليم كردستان الذي كان مضطرا ان يستعين بجزء من الكفاءات والخبرات المحلية لاعادة اعمار وبناء وتطوير الاقليم ) ان تقدم مرشحين لايمكنهم مقاومة او مناقشة او اعتراض رأي وقرار واوامر رئيس الكتلة (وقد ذكر الوزير صولاغ في احدى مقابلاته قبل تشكيل هذه الحكومة عن عضو في كتلتهم عندما اطلق تصريحا يخص تعيينه بأنه عضو.....عذرا لا استطيع ذكر العبارة... اي بمامعناه يريد العضو ان يبرز وقد عوقب لتصريحه على حد قوله..وهكذا لبقية الكتل)، هذه التصرفات التي تضر بسمعة وكرامة ومكانة المسؤول وكتلته "، مرة اخرى نقول ان تكرار ترديد عبارة قدمت استقالتي لرئيس الكتلة، وترجعنا بالفعل الى المربع الاول، مربع دكتاتورية الفرد،

فتكون دليلا واضحا على فشل وفساد النظام السياسي في العراق، ماذا يعني ان يقول الوزير اضع استقالتي امام رئيس كتلتي او حتى وان قال امام اعضاء كتلتي، ولايقدمها الى مجلس الوزراء او حتى مجلس النواب، هذا حنث بقسم العمل الوظيفي، لانه يفك ارتباط الوزير بحكومته، ويجعلها مرتهنة ومقيدة برأي ورغبة رئيس او قادة الكتلة، مما يجعل من مصداقية ونزاهة الانتخابات على المحك،

فهذا العضو او المسؤول لايشعر ان الشارع فوضه لتمثيله في البرلمان او الحكومة، بل جاء وفقا لرغبة رئيس الكتلة او قادتها (الذين بالتأكيد يعدون على عدد اصابع اليد الواحدة)، وتلك اساليب مخجلة ولايجوز طرحها وتداولها عبر وسائل الاعلام، لانها تعد دليلا واضحا على حالة الفوضى السياسية، التي لاينفع معها اي اصلاح الا الاجتثاث من القواعد.

غايتنا في مانود طرحه ان المجتمع العراقي عانى ولازال يعاني من ثقافة الاستبداد والتحكم والهيمنة الدينية والعشائرية والسياسية، ولاتوجد اية محاولات نخبوية مشتركة جادة لرفع مستوى الوعي لدى جميع شرائح هذا المجتمع،

بما فيهم شريحة المرهولين اللاهثين خلف المناصب الحكومية، اتمنى ان لايكون ماتناولته وسائل الاعلام عن هذه التصرفات المشينة صحيحة (تقديم استقالة لرئيس الكتلة وليس لرئيس الحكومة)، فكرامة كل انسان محترمة وعزيزة، ولايجوز ان يسكت الشارع عن هذه السطوات الباشوية والدينية الجديدة، الذين جعلوا من ثقافة صدام وعشيرته الاستبدادية وسيلة لتطويع وتركيع الشعب، عبر الضغط بقوة من اجل اصلاح النظام السياسي برمته، فتراجع رئيس الوزراء عن خطة حكومة التكنوقراط دليل على وجود قوى سياسية فاعلة لكنها فاسدة مهيمنة على العملية السياسية، لاتريد تغيير الواقع لان فيه ملفات فساد كبيرة يمكن ان تقلب الطاولة على الجميع ان اقترب احد منها، من هنا ندعوا ايضا المرجعية الدينية والعشائرية والثقافية ان تواجه تلك المحاولات بقوة لانقاذ البلاد من الانهيار(هم حذرين جدا من مجاهدي الحشد الشعبي، فهؤلاء الابطال لايخضعون لسلطتهم، ولايزاحموهم على منصب او سلطة او جاه...

 

مهدي الصافي

 

في المثقف اليوم