أقلام حرة

لطفي شفيق سعيد: مارسليز.. ثورة 58 -58 عاما

latif shafiqفي الرابع عشر من تموز عام 1958 استيقظ العراق على ثورة شعبية قل مثيلتها منذ النشأة الأولى على أرض وادي الرافدين وبقيادة جيشه الباسل وقائده ابن الشعب البار الشهيد عبد الكريم قاسم وصحبه الأبرار ومع تضامن جماهير الشعب العراقي وبمؤازرة قواه الوطنية المتمثلة بجبهة الاتحاد الوطني.

وبهذه المناسبة وبعد أن مر على انبثاقها 58 عاما أكتب ما اسعفتني ذاكرتي ذاكرة ملازم ثان آنذاك، وقبل أن أتطرق لها استعرض وبصورة مختصرة  بعض ما يتعلق بهذا التاريخ أي الرابع عشر من تموز، ففي حضارة العراق القديمة وخلال العهد البابلي ذكر المنجمون (عندما يكون البدر في السماء ليلة الرابع عشر من تموز سينهزم الغزاة وتتحرر أوروك).

كما وأن الثورة الفرنسية التي اندلعت عام  1789 أنشد خلالها الثوار الفرنسيون عند زحفهم من مارسيليا إلى العاصمة باريس نشيد المارسليز والذي ألفه الملازم الفرنسي (جوزيف روجيه دي ليل) خصيصا للمارشال البفاري (نيكولاس لوكنير) وكان الجنود يرددون هذا النشيد عندما اقتحموا قصر (التويلري) وفي عام 1795 تم إعلانه كنشيد وطني وفي 14 تموز عام 1915 نقل رماد مؤلفه إلى مجمع (الأنفاليد) تكريما له، وفي عام 1944 عمم هذا النشيد من قبل وزارة التعليم الوطني لترديده في المدارس احتفاء بتحرير فرنسا وذكرى شهدائها، وفي عام 1958 اكد دستور فرنسا مجددا باعتبار نشيد المارسليز هو النشيد الوطني إضافة لعلم الثورة الحالي.

واقتطف هنا فقرات من ذلك النشيد الوطني لفرنسا:

                    أنهضوا يا أبناء الوطن

                     فقد دقت ساعة المجد

                    بعد أن رفعت في وجهنا

                    رايات الاستبداد المدمعة

                إلى السلاح إلى السلاح يا شجعان

                       كل القلوب مصممة

                      على النصر أو الموت

                         شكلوا صفوقكم

                        فلنزحف  فلنزحف

                     لنسقي سهولنا بدم الانجاس

              وليتشبع تراب أرضنا من دمائهم القذرة

                    أذا سقط أبطالنا الشباب

                  ستحمل لنا الأرض شبابا آخرين

       وفي هذه المناسبة الخالدة وفي صبيحة الثورة من عام 1958

اهتزت مشاعري لأكتب مقطوعة شعرية اسميتها (مارسليز) ومنها على ما أتذكر ما يلي:

                   الله والأفق المنور والمارسليز

                         وطلائع الأحرار

                            والتاج ينهار

                       بغداد نيرونها الملعون

                            يسحقه الثوار

                      وتزحف الحشود والجنود

                            لتفتح السجون

                            تموز في بغداد

                            يرسم للأشرار

                           الموت والجنون

      ذلك ويوم كنا والعمر شرخ الشباب ولم اتعد الرابعة والعشرين من العمر واليوم وبعد أن تجاوز العمر الثمانين أقف والألم يملأ النفس وكم على الماضي التليد بقلبي حسرات إذ مما يؤسف له أن عراقنا الحبيب وشعبه النبيل يمر بهذه المآسي والفواجع نتيجة هيمنة قوى الشر الغاشمة وأذناب الاستعمار من الحكام الجهلة الفاسدين الخاضعين لإرادة الأجنبي الذي ساهم وعمل من أجل وأد أعظم ثورة شهدها العراق الحديث وهددت مصالحه ومطامع الشركات المستغلة لقوت الشعب حيث سارعت بالقضاء عليها وقتل قائدها نصير الشعب والفقراء الشهيد عبد الكريم قاسم وجميع من آمن وساند ثورة الرابع عشر من تموز الخالدة والتي ستبقى منارا يهتدي فيها المظلومين على مدى أجيال متعاقبة ولن يتمكن الحاقدون من إطفاء شعلتها بأساليبهم الخبيثة والحاقدة بإخفاء معالمها، فالخزي والعار لكل من لا يعي مكانتها وليخجلوا من عملتهم هذه في الوقت الذي تحتفل به دولة أجنبية وهي فرنسا بعيد ثورتها الذي يصادف في نفس هذا التاريخ وهو الرابع عشر من تموز من كل عام حيث يردد أبناء مدارسهم نشيد المارسليز رافعين علم فرنسا الحالي وهو علم ثورتهم فشتان بين تلك الأمم التي تفتخر وتحتفل بعيدها الوطني الحقيقي وبين عناصر لازالت تصر على طمس معالم ثورة الرابع عشر من تموز الخالدة وعدم اعتبار يوم الرابع عشر من تموز عيدا وطنيا واعتماد علمها العراقي الأصيل وشعارها الوهاج بدلا من تواريخ بائسة وعلما وشعارا لا يمتان للعراق بصلة ولا يمثلان تاريخه المجيد .

   وفي الختام أقول:

                     يا أعزتي والزمان عجيب!!

                      والعمر ماض إلى غياب

                        تتداعى الأيام سراعا

                      كمجرى الماء في انسياب

                      وغدونا إلى الأقدار قسرا

                  مثل شاة ذبيحة بمدية القصاب

 

لطفي شفيق سعيد - كالكري - كندا

  

في المثقف اليوم