أقلام حرة

جعلوها قبلة..

diaa alhasheemفي كتابهِ (الهيمنة أم البقاء)، عرضَ العالم والسياسي نعوم تشومسكي كيف وصلت أمريكا إلى حقيقة السيطرة على العالم وماهيَ تلك الإستراتيجية التي أعتمدتها في سعيها الدؤوب للهيمنة على العالم وأخضاعه تماما لإرادتها عبر تسيَدها بسياسة امبريالية عدوانية هدفها تحقيق السيطرة التامة على العالم وبكل وسيلة، ومهما بلغت التكاليف، ووصلت الأمور إلى الأحادية وتعطيل الأتفاقيات بين الدول أو تجميد حتى مباديء حقوق الإنسان وصولا إلى الإستئناس بإرهاب الدولة وجعله واقع حال . لكن تشومسكي لم يدر في خلده أن أمريكا بفعلتها تلك تسببت في خلق نظائر لها من بين تلك الدول التي تعتبر دول تابعة لها حسب الإصطلاح السياسي، وكانت تسعى طوال سنين عديدة إلى تبني ذات الإستراتيجية الأمريكية في سبيل الوصول إلى نفس الأهداف وبقدر أو آخر تحقيق بعض الغايات في الوصول بسلوكها العدواني وتتمكن من جعل دورها أكبرمن واقعها، وتلعب لربما أدوارا اكبر من حجمها، إلى مايشبه لعب دورالدولة المهيمنة .

خذ مثلا دولة قطر التي كان وإلى وقت ليس بالبعيد مندوب روسيا الدائم في مجلس الأمن يوبخ مندوبها ويحذره من التطاول على الدول العظمى، تتدخل في الشؤون الداخلية لكثير من دول المنطقة  وتلعب ادوارا مشبوهة في دعم الجماعات المتطرفة وخصوصا جماعة الإخوان المسلمين والتنظيم الارهابي داعش وتمده بالمعونات المادية والمعنوية عبر تسخير وسائل الاعلام القطرية واتاحة المجال لمؤيديه بعدم الحد من نشاطاتهم على التراب القطري أو محاربته سواءا في الداخل أو الخارج، بل زيادة على ذلك تقيم قنوات اتصال بتلك الجماعات الإرهابية وتتفاوض معها في حالة استثنائية قل نظيرها وتزودهم بأحدث عربات الدفع الرباعي التي ينفذ التنظيم الأرهابي عملياته الإنتحارية بواسطتها في العراق ليقتل الاطفال والشيوخ في شوارع المدن العراقية أو افراد القوات المسلحة العراقية التي تحاول استعادة التراب العراقي من قبضة التنظيم الارهابي . ولعبت دولة قطر دور المحامي عن تلك الجماعات الإرهابية ووقفت موقفا معاديا للجهات او الدول التي تحاربها وهو ما جرى مع العراق وسوريا ولبنان ومصر وليبيا واليمن، حيث وإلى وقت قريب كانت دولة قطر تمثل الدولة الخارقة لكل المواثيق والعهود والقوانين الدولية ضاربة بعرض الحائط جميع اعتبارات تمثلها منظومة حقوق الإنسان ومباديء القانون الدولي القائم على أساس احترام الدول لبعضها في عدم التدخل في الشؤون الداخلية والمساهمة في ارساء دعائم واسس السلام وعدم تعريض حدود اي دولة لاي اعتداء او انتهاك في سيادتها الوطنية او ضرب مصالحها القومية .

والمتابع بموضوعية لمجريات الاحداث الأخيرة ومواقف دول الخليج ومصر وليبيا والأردن اتجاه قطر بسبب سياستها تلك يلاحظ أن قطر بقت تتشبث بمواقفها السياسية رغم انهيار علاقاتها القوية بجيرانها في دول مجلس التعاون الخليجي أو الأردن ومصر، ورغم أن لها علاقات اقتصادية مع تلك الدول وتعاون ثقافي وتبادل تجاري يصل للمليارات من الدولارات. وأن دول أخرى تبنت مواقف حيادية ازاء موقف قطر وأخرى حرصت على ان تلعب دور الوسيط في خلق اجواء من التصالح بين قطر وتلك الدول التي بدأت تنفذ فعليا مقاطعة اقتصادية وسياسية ودبلوماسية ضدها. لكن السياسة القطرية بدت تمارس هيمنة الرأي المخالف لسياسات تلك الدول وتصفها بالعدوانية لتتذرع بحجج تبقي الأزمة مشتعلة وتصعد من موقفها أكثر حينما لم تسعى إلى اتخاذ اجراءات سياسية معتدلة لتتبرأ من رعايتها لتلك الجماعات الارهابية أو تقوم بإتخاذ قرارات تحد من اجواء التوتر مع تلك الدول، للحد الذي لم تبادر في القيام بزيارة واحدة إلى تلك الدول ذات العلاقة، بل أن العكس هو الذي حدث وتوالت الزيارات على قطر لاستجداء موقف منها في حملة منسقة تبعث تساؤلا عن سر قوة تلك الدولة الصغيرة وسط مظاهر الحرب ضدها .

 

ضياء الهاشم

 

في المثقف اليوم