أقلام حرة

مصير العلوم الأرضية في العالم الآخر.. قراءة في مستقبل علم النفس

raheem alsaidiالعلم ليس حالة نسبية بشكل عام، لكن نسبيته يمكن ان نتحدث عنها عندما ترتبط بمادة أو حالة متغير كما هو حال دراستنا لكل ما هو ارضي أو ينتمي الى الطبيعة الحالية وهي من نعيش في كنفها والتي لم نجد سواها، لكي نقيس عليها القوانين .

وإذا صرفنا النظر عن علم معين هو علم النفس الذي نعرف قوانينه وأسسه بحكم مئات القرون من البحث والتعديل والتبديل والتجارب والقياسات التي تمت في بيئة الأرض منذ بداية الخليقة ومرورا بتبعية ذلك العلم في ظل الفلسفة الى يومنا هذا ومحاولة هذا العلم الانشطار الى علوم أخرى مختلفة وإعادة تركيب نفسه مع علوم أخرى، أقول إذا صرفنا النظر فإننا هنا لا نتحدث عن هذا العلم إلا من خلال المقارنة مع ما سيئول إليه من مصير ونتائج في بيئة أخرى في العالم الآخر، وإذا كنت أدعو الى ضرورة فتح النقاب للحديث عن علوم العالم الآخر،وقد بدأت الحديث عن علم الاجتماع في العالم الآخر في مقال سابق أو سيسيولوجيا الله كما أسميتها، فاني أرجح أيضا ان يكون هناك علم باسم علم العالم الآخر، وقصدت به من الناحية العملية الطبيعية العلمية .

وفي حدود الحديث عن مستقبل علم النفس في العالم الآخر، فانه حديث عن مصير الغرائز، وطبيعة تبديل الغايات والنوايا والأحاسيس والمشاعر، فإذا كان علم النفس الأرضي هو دراسة سلوك الإنسان بالملاحظة والتجربة فلا أظن بأننا أمام دراسات لسلوك الإنسان في العالم الآخر فحسب، بل أيضا أمام علوم لفهم حقيقة العلوم الأرضية وطبيعة تطورها وأسسها، وأمام فهم الكم الكبير من الحقائق الثابتة هناك والمقارنة بينها وبين أنصاف حقائق العالم الأرضي أو كليات تلك الحقائق .

فالعلم هناك في العالم الآخر لا يشكل تكليفا صعبا أو واجبا يعد على خلاف ما وعدنا به من راحة وسعادة ولا تكليف، بل هو نوع من اللذة المتعلقة بالاكتشاف والفهم والتحليل .والإجابة بمفاهيم الكيف ولماذا والتي سوف يتساءل عنها الإنسان في عالمه الجديد (سيما العلماء الأرضيين المبهورين بمحاولة سبر أغوار الأشياء ومعرفتها) . وهناك .. سيبدو الأمر بمثابة نكسة معرفية ووجودية وفكرية ونفسية لكل اللذين كانوا على خلاف وقطيعة وجودية مع وجود الله في العالم الأرضي .

فمن الناحية النفسية سوف يطلع هؤلاء الرافضين على عوالم مختلفة تمثل الحقائق التي أصروا على خنقها أو عدم قبولها، وسوف يكون هذا الأمر بمثابة تحليل المرض النفسي الذي رحل معهم فترى الندم على بعضهم والتزمت على الآخر .

إن الحديث عن مستقبل علم النفس فيما وراء الحياة الحالية يعني إعادة هيكلة محركات الفعل الإنساني (منزوع الغرائز أو مقيدها) فتلك المحركات التي تمثل البيئة والوراثة هنا أو من كليهما سوف يتوقف فيها الجانب الوراثي إلا ذلك الذي يرتبط بالصورة الايجابية، بمعنى ان عملية التكاثر الإنساني سوف تتوقف إلا ان البيئة باقية وتبعية الفعل الوراثي باقية، فنحن عبارة عن مشاعر وغرائز وأحاسيس مرحلة من عالمها الأرضي الى العالم الآخر بالإضافة الى مفاهيم كل من الصدق والوفاء والندم والحب والكره والخوف والرحمة ...الخ .

والصالح من هذه سوف يبقى في العالم المختلف الطبيعة، ليمارس فهو محض سعادة هناك وهو عماد نظام العالم الجديد فإذا أجيز لي التعبير هو، اليوتوبيا النهائية أو المطلقة أو خاتمة اليوتوبيات أو المدينة المثال أو العالم المثال والذي يعبر عن اللامكان كما أشار مور،فيمكننا القول بان ذلك العالم هو اللاضغينة أو اللاكره (مع ضرورة ترجمته وفق المصطلح اليوناني لينحت مصطلحا آخرا) ربما بالاشتراك مع اللفظ القرآني (ونزعنا ما في قلوبهم من غل أخوان على سرر متقابلين) وقد تقصد الآية بعض الأفراد .

إن من أساسيات علم النفس في العالم الآخر انه:

1- يؤطر لقواعد وأسس العيش المشترك هناك .

2- إن السلوك هو كل مستقل، فلا تجزي نفس عن نفس شيئا .

3- هناك فعل أنساني فردي لقول شخصية قرآنية في القران (كان لي صديق)(أو كل نفس بما كسبت رهين)...الخ وفي الجانب الآخر الجماعي يقول القران ... قالت اليهود ليست النصارى على شيء، والعكس أيضا ما قاله النصارى .

4- إن الفعل الإنساني موثق بتسجيلات وشهادات من نفس الذات الإنسانية الواحدة، وما يترتب على ذلك من اثر نفسي .كما انه فعل متعقل وواعي بدلالة الندم والإحساس بضعف الحجة التي ترد على الفرد المسائل في العالم الآخر .وأيضا الإشفاق الذي يصيب المجرمين، وفوبيا ان يتذكر كتابهم كل صغيرة وكبيرة اقترفوها في العالم الأرضي، فالخوف كغريزة ستكون موجودة وكذلك الفرح وهن من أمهات إدارة السلوك الإنساني .

5- وجود واستمرار محركات الفعل الإنساني وهي البيئة وبعض من الجانب الوراثي .مع التذكير بان الإنسان هو ليس المخلوق الوحيد الموجود في العالم الآخر ن فبعض أصناف المخلوقات هو قضية تحتاج الى فهم تكوينها النفسي وفهم قواعد سلوكها أو طبيعة غرائزها .

إن علم النفس في العالم الآخر قد لا يحتاج الى علم النفس التجريبي أو النمو أو سواه ولكنه يحتاج بالتأكيد علم نفس الشخصية والاجتماعي، لان الشخصية سوف تبقى المحور المهم في تشكيل نواة ذلك العالم الجديد .هذا مع اضمحلال

6- استمرار وجود الجانب السلبي من المشاعر الإنسانية في بيئة الجانب الآخر من العالم العلوي (من المعاقبين) والقران يرد مفاهيم مثل (الظن، الذل، القترة، اللوم، العتب، الغبرة،الإسفار، الخوف، الخشوع، الرجفة،العذاب، الحسرة، الرعب، التمني) مع ألفاظ الرعب النفسي مثل المجرمين، السرابيل، القطران، النار، زرقة الأبدان، ألفاظ السكارى،شهادة الأعضاء، شهادة الأصدقاء، تبري الأم من الابن الرضيع ....الخ . ولا معنى لإيراد هذه المفاهيم حول أهل الخطيئة ان لم يكن لهم الادراك أو الإحساس .فالإدراك هنا مفردة قد تختلف عن العقل، الذي هو ميزان يلزم به الإنسان عن فتح حسابه وسجله .

7- أتصور ان هناك مدارس سوف تبرز في العالم الآخر وفق متغيرات المعرفة الجديدة، والفهم التام لأسس النفس الإنسانية وانكشاف واكتمال هنات العلوم الأخرى .أقول ذلك حتى لو افترضنا ان العلوم (جميع العلوم) سوف تكون متكاملة الى درجة الكمال، فان ذلك سيعني ان لهذه العلوم قواعد وسوف يطلع عليها أهل الاختصاص (كل باختصاصه) من النفس والفلسفة والاجتماع والاقتصاد والعلوم التطبيقية والفكرية الأخرى .

8- من الأسس المهمة ان الإنسان سوف يمارس فعل مشاعره وسلوكياته الايجابية فهو يطبق الرحمة والمحبة الكاملة (منزوعة الأثر الأرضي وهو الحسد= الأنانية = الغيرة =الصراع) والنمو النفسي والتواضع والوفاء والأمل ...الخ . فلا استخدام لمفاهيم نفسية مثل (المراهقة – الغضب – الخوف – الكذب – العدوان – الجنوح – المشكلة الجنسية – الأحاسيس المتعالية ولا الفصام أو الاضطراب أو العصاب أو التخلف العقلي .... فهي مفاهيم قد توجد في الجانب الآخر من بيئة العالم الآخر .

هذه بعجالة إشارات الى جانب مختلف من تفكيرنا، ويمكننا الإدلاء بدلونا في هذا الجانب وتقديم الجديد والمختلف .

 

د. رحيم الساعدي

 

 

في المثقف اليوم