أقلام حرة

الإضرابات في الأردن ووضع اليد على الجراح

بكر السباتينمنذ يوم الأربعاء الماضي وإضراب الأردن الكبير الذي دعت إليه النقابات المهنية في الأردن، يتصاعد يومياً، لا بل أن شعاراته آخذة في الاتساع لتتجاوز عناوينها تلك الأهداف التي حركت الشارع الأردني وتحديداً المطالبة بسحب قانون تعديل ضريبة الدخل المجحف بحق المواطنين والذي بحسب تبريرات الحكومة جاء بضغوطات من قبل صندوق النقد الدولي حتى يسمح للأردن بالاقتراض، فهذا القانون الضريبي المعدل سيرفد خزينة الدولة بحوالي 700 مليون دأ فيما سيعزز من مدخلات خطط التنمية الشاملة والمستدامة، هذا بالإضافة إلى أنه سيعزز من ثقة المقرضين بالأردن من خلال قدرة الأخير على تحسين موقفه المالي ليتمكن بالتالي من خدمة الدين العام بكفاءة. ولكن كما يبدو تجري الرياح بما لا تشتهي السفن؛ فأمام تعنت حكومة الملقي التي أعلنت بأنها سترفع أسعار المحروقات في خطوة تصعيدية إبان الاحتجاجات التي غاصت بها الشوارع الرئيسة في معظم مدن المملكة؛ تطورت المطالب الشعبية باتجاه إسقاط حكومة الملقي، فسارع الملك إلى إنقاذ الموقف بإقالة الحكومة منعاً لتأزم الموقف وانفجار الشارع المنفتح على أصعب الاحتمالات؛ إلا أن الشارع الأردني ركز اهتمامه على رفع سقف مطالبه في خطوات تصعيدية سلمية، وتجلى ذلك من خلال الهتافات الجماهيرية اليومية للمحتشدين أمام مبنى رئاسة الوزراء في الدوار الرابع بجبل عمان، وخاصة المطالبة اللحوحة بالإصلاحات الجذرية التي من خلالها تنظف البلاد، ويكافح الفساد وتستعاد الأموال المنهوبة لو وجدت بشكل جدي، فيما ذهب مثقفون عبر منصات التواصل الاجتماعي إلى أكثر من ذلك بالمطالبة بحكومة إنقاذ وطني .. ويبدو أن إقالة الوزير اعتبرها الأردنيون خطوة مشجعة لكنها ليست الحل المنشود، لذلك ظل موعد الإضراب على حاله يوم غد الأربعاء حتى يسحب القانون الضريبي المعدل والمتسبب بالأزمة، وبعدها يمكن التفاهم على المطالب المستجدة الأخرى.

وكانت منصات التواصل الاجتماعي قد اشتعلت منذ إقالة الملقي بتعليقات الأردنيين التي جاءت منسجمة مع توجهات النقابات المهنية بضرورة تنفيذ الإضراب القادم في موعده قبل طرح القانون عل مجلس النواب، وقد تلخصت ردود أفعال الشارع الأردني الذي استقبل خبر الاستقالة بفرحة عارمة، في أنه ليس المطلوب فقط تغيير رئيس الوزراء في زمن تعاقبت عليه الحكومات التي مررت في عهودها كل القرارات التطبيعية المرفوضة بينما الحال المتردي ظل على ما هو عليه دون ظهور أي بادرة إصلاح يمكن القياس عليها، وكان من المفروض بعد كل تغيير حكومي أن يعاد ترتيب البيت الأردني على قاعدة الإصلاح ومحاربة الفساد وعدم الرضوخ لأية ضغوطات خارجية لحساب أجندة هنا وهناك وخاصة صفقة القرن المرفوضة رسمياً وجماهيرياً! ولكن النهج السياسي الأردني ظل في مساره التقليدي حتى ضربت جذوره في العمق وتبدت ملامح الدولة العميقة أمام عيون الأردنيين الذين رغم ضمور بطونهم من شدة الفقر وضيق الحال، إلا أن هاماتهم ظلت عالية وصوتهم مجلجل وإرادتهم قوية.. من هنا جاء إصرار الشعب الأردني الجامح كالخيل نحو فتح كل الملفات المشبوهة واتخاذ ما يلزم بشأنها، وأهمها سحب القانون المعدل لضريبة الدخل، وخفض أسعار المواد الحيوية، وتعيين حكومة إنقاذ وطني يشارك الشعب في اختيارها لوضع استراتيجية أمان طارئة تأخذ بعين الاعتبار مصالح الوطن العليا دون المساس بحقوق المواطن الأردني، يكون من شأنها إخراج الأردن من مربع الضغوطات الإقليمية، وذلك بالحفاظ على استقلالية قراره والتحرر من قيود التبعية للمحاور التي تدور خارج مصالح الأردن وقد تؤدي به إلى كوارث غير محمودة العواقب، وبالتالي عدم تقديم تنازلات لصالح كارثة صفقة القرن التي ستنهي القضية الفلسطينية إقليمياً على حساب الأردن من خلال الوطن البديل.. صحيح أن الأردن يقظ إزاء تلك التحديات ولكن الشعب بات لا يثق بكل ما يطرح عليه كما نبه إلى ذلك الإضراب الأخير والذي وضع اليد على الجراح.. فهل من مستمع حكيم يدرك الخبايا بعيداً عن لعبة تبديل الوجوه القيادية فيما يظل الوضع المزري على حاله!

 

بقلم بكر السباتين

 

 

في المثقف اليوم