أقلام حرة

السؤال المنهجي للنظر في الخطاب السياسي للإصـلاحية الأسلامية

علي رسول الربيعيبين أنفتاح الأفـق الفكري وأنسداد المسـار التاريخي

ظهرت الاصلاحية الإسلاميًة كتيار ديني – فكري - سياسي، طوال فترة إمتدت من اواسط القرن التاسع عشر الى ثلاثينيات القرن العشرين، بهدف التغلب على الإنحطاط الذي أصاب الحضارة الإسلامية، بتجديدها ونهضتها من خلال إقتباس أفكار من الحداثة الأوربية، كان أهم رواد هذا التيار أمثال: رفاعة الطهطاوي (1801 – م1873)، خير الدين التونسي ( 1810-1899م)، جمال الدين الأفغاني (1254 1838-1898م)، محمد عبده (1849- 1905 م)، محمد رشيد رضا ( 189- 1935 م)، عبد الرحمن الكواكبي(1848-1902م)، وعلي عبد الرزاق (1888-1966م)

مثلت الإصلاحية الإسلامية دورا رياديا بوصفها عبرت عن أول اتصال للعالم الاسلامي باوربا الحداثة. ويـُـعد خطابها تعبيرا عن اول حركة فكرية سياسية حاولت التوفيق بين الإسلام والحداثة. فقد ساهم الخطاب السياسي الإصلاحي في توسيع المجال الدلالي والمفهومي في الفكر السياسي الاسلامي، وزرع البذور الاولى لحركة التحديث السياسي في العالم الاسلامي، حيث وضع الأفكار التاسيسية الأولى التي تأثرت به معظم الحركات السياسية والاتجاهات الفكرية اللاحقة؛ ولازالت عموم الاسئلة والقضايا الكبرى التي أثارها خطاب الاصلاحية الإسلامية مطروحة على الفكر السياسي الاسلامي حتى اليوم. يعتبر خطاب الإصلاحيًة خطابا مؤسسا للوعي السياسي الاسلامي الحديث.

يُعتبر خطاب الإصلاحيًة الإسلامية أول من طرح مسالة الإصلاح السياسي الاسلامي التي لاتزال موضوع تفكير ومساءلة فيما يتعلق بسياقها التاريخي ومرجعياتها الفكرية، والعوائق التي تحول انجاز مشروع الإصلاح؛ بالإضافة الى أنه يكشف عن احد أشكال العلاقة بين الديني والسياسي في السياق الاسلامي عموما والفكر السياسي الاسلامي الحديث خصوصا و يفتح المجال للمقارنة عند الباحثين بين طريقة إستجابة الإصلاحية الإسلامية للحداثة وموقف الإصولية الاسلامية منها

تأتي راهنية دراسة خطاب الإصلاحية من تقديمه تــفســيرا لمسار الفكر السياسي الإسلامي الحديث والمعاصر، ولأسباب اخفاق الإصلاحية وصعود الأصولية الإسلامية، علاوة على الكشف عن الأسباب التي تخص السياق التاريخي للفكر الإسلامي التي أدت الى المصير الذي انتهت اليه الإصلاحية الأسلامية ؛ ويوضح أثر العوامل الخارجية - اي الإستعمار التي ساهمت في هذا المصير ايضا.

ان السؤال المنهجي ومن وراءه الرؤية – الهاجس هو، ماذا يعني ان نفكر في الإصلاحية اليوم؟ ما الذي يدعو على المستوى المعرفي والفكر السياسي لأن نعيد التفكير في الخطاب الإصلاحي بنية وسياقا تاريخيا؟ ما راهنية ان نعيد التفكير في الخطاب الإصلاحي وصلته بالتمدن أو الحداثة؟ هل يؤسس الخطاب الإصلاحي لمنهجية أو لأفق له مشروعيته المعرفية او الأيديولوجية للتفكير في الحداثة اليوم؟

إنه لمن المهم البحث عن السؤالين المنهجين كيف حدثت الحركة الصلاحية الإسلاميًة (السياق التاريخي)؟ ولماذا قامت، أي الشروط الفكرية التي استدعت ظهور هذه الحركة؟ ويميًز لنا العقلانية الإصلاحية بوصفها عقلانية تأويلية ووظيفية، وهي في الوقت نفسه ما يمكن وصفه ربما تجاوزا الاشتراك في "البنية العقلانية" مع السلفية التقليدية عن اوجه الأختلاف والتمايز بوصفها دعوة ايديولوجية مستقبلية نحو تجاوز حالة التاخر التاريخي، واعادة بناء الذات الأسلامية ومن هنا الاجابة عن السؤال ماذا كان يعني التفكير بطريقة اصلاحية عن الاصلاحيين؟

ويكشف السؤال المنهجي لدراسة الاصلاحية الأسلامية عن أحد أشكال العلاقة بين الديني / السياسي في الفكر السياسي الاسلامي الحديث، وتقدم تفسيرا لمسار الخطاب السياسي الاسلامي المعاصر (أي يفسر لنا القطيعة أم الاستمرارية في الخطاب السياسي الاسلامي بين الاصلاحية والاحيائية- الاصولية وحكم ولاية الفقيه المطلقة). كذلك تكشف لنا عن جدل علاقة الداخل والخارج التي ساهمت في (صعود أو هبوط، نجاح أو أخفاق) الخطاب السياسي للإصلاحية الاسلامية. ويبين الكيفية التي واجهت بها الاصلاحية الإسلاميًة تحديات الحداثة الغربية مقارنة بالكيف الذي يواجه به الخطاب الاحيائي – الاصولي) تلك التحديات لاحقا. واعطانا صورة عن ماهو المشترك مضمونيا والمختلف شكليا، بين الاصلاحيين ورجال التنظيمات وتكشف لنا أجابة السؤال، هل هناك اختلاف ام اشتراك في المنهجية في تلقي أو التأثر في الحداثة. وكيف يمكن الوصول الى مضمون محدد المعالم للإصلاح في الخطاب السياسي للإصلاحية الاسلامية ؟ أي كيف فهم كل من مفكري الإصلاحية مفهوم الإصلاح السياسي؟ وكيف قدم خطاب الإصلاحية مفهوم الإصلاح السياسي؟ وهل كان محاكاة لنموذج معين أم لا؟ هل ساعد أطلاع الاصلاحيون على أفكار الحداثة الغربية ( الفكر الليبرالي ) وماوصلت اليه من نتائج في حصر وتحديد الإشكالية الإصلاحية في مجالها السياسي الاسلامي؟ أم انها لم تخرج عن كونها محاكاة لأسباب التمدن التي كان الغرب قد قطع شوطا كبيرا فيها؟ وكيف أنها ساهمت في توسيع المجال الدلالي والمفهومي في الفكر السياسي الأسلامي.

ويسبق ذلك كله تقديم تعريف ما المقصود بالإصلاحية الأسلامية، ومن هم الإصلاحيون الأسلاميون، وما هو مفهوم الاصلاح وما هي مرجعياته عند الاصلاحية الاسلامية. ثم كيف يتحدد مفهوم الإصلاح السياسي لديهم، وهذا يتطلب موضعة الاصلاحية الاسلامية في السياق التاريخي الذي نشأة فيه. اي البحث في الأسباب التاريخية والسياسية التي أوجبت الى ظهورها، بوصفها لم تولد في فضاء مجرد بل هو نتيجة لديناميكية تاريخية حدثت في الفترة بين أواسط القرن التاسع عشر وحتى الربع الأول من القرن العشرين. وهذا بدوره يدفع للإجابة عن كيف أثرت الأوضاع التاريخية في صياغة أولويات ومفاهيم الخطاب الإصلاحي في سياق الكشف عن أسباب أولوية المشغل السياسي عند الإصلاحيين؟

واذا ما كان السؤال يحمل بعدا يتعلق بالمقارنة فأن مقارنة الإصلاحية الإسلامية بالدعوات الإصلاحية قبلها ويوضح بماذا كانت تختلف عن تلك الدعوات، وما الذي يميز خطابها عن الآخرين. وهذا ما يُظهر لنا مساحات الالتقاء وخطوط التمايز والأختلاف مع الاتجاه العلماني الليبرالي. ويتضح هذا أكثر من خلال الكشف بلورتها لمفاهيمها ومقولاتها الأساسية. وفي سياق المقارنة ايضا، هل يمكن القول انها تقدمت الى الاصلاح على قاعدة أن التنظيمات هي اساس العمران القائم على العدل والشريعة الاسلامية؟

وهذه الأسئلة المنهجية يمكن أن تنطبق على الحركات الفكرية/ السياسية الأخرى مثل الليبرالية والعلمانية .

 

الدّكتور عليّ رسول الرّبيعيّ

 

 

في المثقف اليوم