أقلام حرة

طبيعة الحلم الإنساني في المجتمع المادي

يبدأ الحُلم الإنساني مِن حيث انتهى المعنى اللغوي للوجود. وهذه المُعادلة تكشف الترابط المصيري بين الحُلم وماهية الوجود، وتُبيِّن العلاقة الحتمية بين مسار الإنسان ومصيره. والإنسانُ في رحلة بحثه عن ذاته، سيكتشف أن الحُلم هو الوجه الحقيقي للحياة، وما عداه عبارة عن أقنعة زائلة وكوابيس وهمية. وفي هذه الرحلة المُدهشة، سوفَ تتساقط الأقنعةُ، وتزول الأعراض المُؤقَّتة، ليظل الجوهر الحقيقي، والمعدن النفيس، الذي لا يَطرأ عليه الصدأ ولا الصدى. ويجب على الإنسان أن يكون صوتًا لا صدى، ويبتعد عن المعارك الجانبية في الحياة، لأن الهامش لا يصنع مجدًا، ولا يَقُود إلى نصر. والتعويلُ إنما يكون على المركز وإصابة الهدف .

2

إن الحقيقة كالدواء المُر، لا بُد من شُربه، مهما كان مَذاقه، لأن فيه النفع والفائدة . ومهما كانت الحقيقة صعبة وجارحة وصادمة، لا بُد من تقبُّلها واعتناقها، لأنها هي الواقع الملموس، المُؤثِّر على حياة الإنسان . والخيارُ الآخر هو الوهم القاتل، ومهما كان لذيذًا وناعمًا، فعاقبته وخيمة، ونتيجته مُدمِّرة . والإنسانُ قد يَخدع الآخرين، وهذه مُصيبة . لكن المصيبة الأكبر أن يَخدع نَفْسَه .

3

عندما يُهاجر الإنسانُ من مادية اللغة إلى رُوح اللغة، سيُدرِك أن الألفاظ والمعاني لَيست وسيلة لتوصيل الأفكار فَحَسْب، بل هي أيضًا منظومة رمزية، وطاقة معرفية، وبُنية مشاعرية، وهذه هي الأضلاع الثلاثة في مثلت الوجود الإنساني . وهذا الوجودُ ليس محصورًا في الزمان والمكان، وإنما هو عابر للتاريخ والجُغرافيا . وإذا بنى الإنسانُ حياته في قلب اللغة، امتلكَ معنى الخلود، لأن الكلام باقٍ، بسبب مصدره الروحي، أمَّا الجسد فمصيره إلى التراب والتَّحَلُّل والذوبان في عناصر الأرض . وكُل شيء يَعود إلى أصْله ومصدره، كما يعود الطفلُ إلى حِضن أُمِّه .

4

إذا لم يمتلك الإنسانُ صوته الخاص، سيصبح صدى للآخرين، وعندئذ سيكتب تاريخَ الآخرين لا تاريخه الشخصي . وهذا يعني أنه قضى حياته خادمًا لا سَيِّدًا، ونَسِيَ أن يعيش حياته في ضجيج مصالح الآخرين، ولم يَقْدِر على اكتشاف وجهه في زحمة الأقنعة، ولم يستطع إيجاد بصمته الخاصة في ظِل الصراعات على احتكار المجتمع والسيطرة عليه . والمجتمعُ الإنساني تحوَّلَ إلى غابة، مِمَّا كرَّس مبدأ الصدام، وعزَّز مفهوم الصراع . وبالتالي، ظهر نَوعان من الصراع: الصراع في الإنسان، والصراع على الإنسان . وهذا يعني أن الإنسان يخوض حربًا معنوية على جبهتين: الجبهة الداخلية، حيث يتصارع مع أهوائه ورغباته وأحلامه وأفكاره وهواجسه، ويُحاول التغلُّب عليها، وتطويعها، وتحويلها من خيالات هُلامية إلى أحداث واقعية . والجبهة الخارجية، حيث يتصارع مع العقل الجمعي المُسيَّس الذي يُحاول السيطرة على الإنسان، والهيمنة على حياته جُملةً وتفصيلًا، والتحكُّم بمساره ومصيره، من أجل تحويل الإنسان إلى شيء استهلاكي وعنصر ضِمن القطيع، الذي يُساق إلى الذبح _ وقت الحاجة _ بلا اعتراض ولا شكوى .

 

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

 

في المثقف اليوم