أقلام حرة

انهيار المدنية السياسية

انور الموسويبعضهم يضربُ بعض وسحقتهم الماكنة...!

في وقتٍ سابق كان هناك حضور فعال ومتنامي في النشاط المدني، على مستوى الجمهور المتطلع إلى أدبيات الدولة المدنية، ومتعطش لمعرفة أهدافها، وبين بروز تشكيلات وشخصيات مدنية سياسية، ظهرت تحت مسمىً سياسي اسمهُ " التحالف المدني الديموقراطي" في إنتخابات عام ٢٠١٤ كان هذا التحالف يضم شخصيات متنوعة، وكلها "غير بارزة" علىٰ الواقع السياسي وغير معروفة، لكنها نامية نحو السياسة، وبعضها شخصيات معروفة في اتجاهها اليساري، وأغلبهم ناشطين في حقوق الإنسان والدفاع عن الحريات، نشط هذا التحالف بنظرية علمانية مدنية، أسس على ضوئها متبنياته واهدافه، كان الشارع في مرحلة تلك الحقبة الفائتة " لم يغسل يده تماماً " من الأحزاب الإسلامية، ولم تجري الماكنة بهذا الشكل على التجيش الإلكتروني وشراء الأقلام،  ولم يصل الشعب إلى أن يقتنع تماماً أن جهود البناء للدولة، ليس من المفترض أن تكون المرشحة " غير مرتدية للحجاب" كان علةٌ وعقدةٌ دينية تحوم حول أفكارهم كيف أنتخب " سافرة" او كيف أنتخب شخص يدعي "العلمانية او المدنية". على الرغم من ذلك قد حقق هذا التحالف في خضم الأزمة الطائفية التي كانت سائدة،  مايقارب التسعة  مقاعد او أقل حسب ما اتذكر، وحزبٌ اخر كان مشترك تمام الاشتراك بكل مغانم الدولة ويمتلك المال والجاه والسلطة حصل على نفس العدد على الرغم من تحالفه مع كتلة كبيرة في حينها.

كانت معركة انتخابية غير متكافئة بكل الواردات المعنوية واللوجستية فالتحالف المدني الديمقراطي في عام ٢٠١٤ حقق إنجاز منفرد ومبهر.

كان ذلك بفعل البرنامج المطروح وإرادة الشباب الذين قادو حملات التوعية والانسجام النسبي  للجماهير مع الطرح الموضوعي لفكرة الدولة المدنية.

مالذي حصل؟....

أول خطوة وضعها التحالف المدني داخل البرلمان تخلى جزئياً عن جماهيره، أعتكف بين الاروقة والمكاتب وبدأ يناقش الأمور "كتحالف" هامشياً في القضايا التي تخص نخبته او الوضع العام.

ثاني خطوة؛ بدأ التحالف بتشتيت حلفائه فكل نفرٍ وليس حزب ظن نفسه انه دولة لوحده، وبدأ يتعالى على الجماهير " الواعية جداً" ويكرس كل حزبٍ وجهة القرارات لنفسه فبرزت بوادر التفكك.

الخطوة الثالثة؛ قال لي أحدهم من القيادات البارزة " أن هذا تحالف ضم مجموعة من الأحزاب والشخصيات لخوض غمار انتخابي فحسب، وانتهى هذا الغمار الانتخابي، فليس هناك من داعٍ لاستمرار تحالف مرحلي بهذا الإطار خاصةً للشخصيات التي لم تنجح في الانتخابات.

الخطوة الرابعة؛ حاول البعض جاهداً  وبكل الإمكانيات أن يتحقق لم شمل لهذا التحالف ويستمر في منهجيته وأدبياته المدنية ويكون هناكَ مقراً رسمياً يحمل اسمه يضم كل الطاقات النخبوية التي عملت على إدامة تنامي هذا التحالف ويكون صوتاً ومؤسسةً شبه رسمية لكسب الطاقات والشباب والجماهير لكن شيئاً من هذا لم يحصل.

الخطوة الخامسة؛ استمر التحالف بالتراجع مهنياً داخل قبة البرلمان، وميدانياً مع جماهيره مما ولد له عزلة سياسية أكيدة أثرت على حجم الثقة التي مُنحت له من قبل أنصاره.

الخطوة السادسة؛ اثبت هذا التحالف قلة خبرته وعدم انسجامه، وتخبطه وعدم وضوح رؤية سياسية يمتلكها لا في إدارة البلد، ولا في إدارة الجماهير، فظل مراوحاً مشتتاً فيما بينه وانعكست غياباته والإسهام بالمطالبات المهمة،أو حتى كسب جماهيره فضلاً عن غيرهم، فبرز التشتت الواضح بين صفوفه وقياداته والاختلاف وتبادل التناقضات بينهم.

الخطوة السابعة؛ في الوقت الذي تحول معظم الشعب الى مدني يتتوق الى دولة مؤسسات وباقي التنظيرات المدنية في السنين التي لحقت، تبحث عن هذا التحالف أو قياداته أو حتى " اليافطة " لا تجد شيئاً من ذلك، بل حملت الانتخابات الأخيرة تكوين تحالف هش، باحث عن مكتسبات شخصية، فئوية، لدرجة أن البعض منهم أختلف على رقم تسلسله ضمن الترشيح الانتخابي.

وهناك مجمل ظروف اخرى خارجية وداخلية أدت إلى أضعاف او كشف ادعائات من كان يصدح بالمدنية ويتبختر بها إذ أوضحت كل المؤشرات أنهم غير واقعيين في إدعائهم، ضعيفي البنية السياسية، باحثين قدر المستطاع عن تغليف لقوالبهم الجاهزة المدعية للعلمانية بغلاف اي مصلحة أو مكتسب يمكن لهم أن يحققوه على المستوى الفئوي أو الشخصي.

فتشتت التحالف المدني، وانتكست القوى المدنية، وانهارت معنويات الجماهير، في الوقت الذي كانت الفرصة مدنية بإمتياز لقبول تلك التطلعات، لا الجماهير المدنية أعانت فكل واحد منهم  يدعي الاولية لنفسه، ولا القادة والمرشحين والفائزين التزموا بالمبدأ والفعل دون القول الإنشائي.

كان هناك قول في بداية ظهور ذلك التحالف؛ أنه يستهدف تشتيت الأصوات لا غير، والظاهر أنه لم يشتت الأصوات فحسب، بل شتت نفسه وأفشل مشروعه،وألتزم الذهول أمام اللعبة السياسية وما رأه من متغيرات تفوق حجم تفكيره وحجمه النوعي والفكري  ، بإضافة ان الكثيرين منهم  بحث عن امتيازاتهم الشخصية والنفعية، لكنه كان صامتاً حيال أي موقف من شأنه يقف بالضد من كردستان وحكم بارزاني،لم لا فالشريك الداعم كان من هناك..!.

 

انور الموسوي

 

في المثقف اليوم