أقلام حرة

كيف نتذكر انطون سعاد بعد سبعين عاماً

عباس علي مرادليست رسالتي أن أتيكم بشيء غير حقيقي. رسالتي هي أنتم. وإيمانكم وعملكم يثبتان إن إيماني بكم كان في محله (سعادة)

هذه رسالة من آمن ان التحرير يبدأ بالانسان والاستثمار به، لان العقول المستعَمرة والمرهونة لا يمكن ان تبني أوطاناً.

لماذا نستذكر سعادة ومسيرته ، ولماذا يجب ان نعود الى فكره وعقيدته وننهل منهما وما عسانا نقول في من استشرف ما يحدث  ويثبت صوابية رؤيته؟

ادرك سعادة مُبَكِّراً ان الامة السورية تملك حساً بالوحدة، واراد ان يجنب ابناء أمته الفوضى والتمزق، فحذر من أسلوب زعماء  الطوائف،المذاهب القبائل والجهات (بشقيه الاجتماعي والسياسي) ومن خلفهم القوى الاستعمارية التي تتواطئ معهم وتستعملهم لتعزيز مصالحها من خلال خلق الاوهام في نفوس اتباعهم، لبسط وفرض سلطانهم السياسي الاجتماعي من خلال الاستثمار بالجهل، الذي نكب بلادنا بالويلات والحروب المذهبية والطائفية والقبلية والجهوية. ومثلاً ما زالوا يقولون عيش مشترك بدون بيع وشراء وتأجير وتزاور بين المواطنين في القرية الواحدة وبئس هكذا عيش!

اوليس سعاده من قال: في الوحدة الاجتماعية تزول الحزبيات الدينية وآثارها السيئة وتضمحل الأحقاد وتحل المحبة والتسامح القوميان محلها ويُفسح المجال للتعاو ن الاقتصادي والشعور القومي الموحد وتنتفي مسهلات دخول الإرادات الأجنبية في شؤون أمتنا الداخلية.

وأيضاً لقد أدرك سعادة ، ان مشروع إقامة الكيان الصهيوني في فلسطين ليس من أجل تحقيق الاسطورة اليهودية على أرض الميعاد، بل هو مشروع استعماري يبغي السيطرة على مقدرات الامة وتفرقة أبناءها، ومع تقدم الايام بدأت تتضح الحقائق التي تدل على التخطيط المنظم للقضاء على كل ما يحافظ به المواطن في العالم العربي وسوريا الطبيعية على هويته وثقافته ووحدته حتى الاقتلاع من الارض، أي ان الصراع صراع وجود وليس صراع حدود. فيقول «المسألة الفلسطينية ليست مسألة إسلام ويهود، بل مسألة قومية من الطراز الأول» (الأعمال الكاملة، جزء 15: 145).

تمرد سعادة على الواقع السائد وادوات إنتاجه وبحث عن أدوات جديدة، اراد من خلالها تأسيس معرفة مغايرة كلياً تحرره أولاً، وتحرر أمته ثانياً، نتج ذلك عن الوعي الضدي بأن ما هو قائم وموجود لم يعد كافياً، لا بل أصبح عائقاً أمام تقدم الامة السورية وحلم أبنائها بسبب القيود الكثيرة وتمزق الهوية.

«إننا الآن أمام الأفعى ذات المئة رأس، لأن الأخطار التي تهدد كياننا وعمراننا من الشمال والجنوب والغرب والشرق كثيرة وعظيمة» (الأعمال الكاملة، ج 1: 400، عام 1933)

لذلك باشر سعادة وضع الاسس لمواجهة هذا المشروع المتكامل من خلال كتاباته وتوجيهاته وصولا الى تشكيل الحزب السوري الفومي الاجتماعي، الذي يعتبر الرد الاهم على هذا المشروع الذي ينافسنا على ارضنا وثقافتنا ووجودنا  حيث يقول: في الحزب السوري القومي الاجتماعي فقط نجد وحدة الشعب ولا يمكن أن ينشأ فيه مشكلة من هذا النوع من أجل مركز في السماء لم ينتدب الله أحدًا على الأرض ليقوم بالحشر والحساب نيابة عنه.

1948 في عين زحلتا الشوف  30 ايلول-) .. (سعاده)

كان سعادة على دراية تامة ووعي خالص، انه مهما كانت كلفة خيار المواجهة والتصدي أقل كلفة من خيار الخنوع والخضوع والاستسلام والتنازل، والشواهد على ذلك كثيرة، فعلى سيبل المثال لا الحصر فلسطين وما سمي بمسيرة السلام اين اصبحت ما عُرف بمسيرة السلام ومبادرة السلام العربية؟ التي تدرجت من الأرض مقابل السلام وحل الدولتين، الى السلام مقابل السلام، الى الوقت مقابل السلام، وغيرها من الشعارات التي رفعتها منظومة النظام الرسمي العربي والعدو الصهيوني،  وها نحن اليوم  امام ما سمي صفقة القرن صفقة الاستسلام والاذلال مقابل السلام والحفاظ على العروش وأي سلام مع عدو لا يعرف الا الاخذ. لانهم لا يريدون ان يعرفوا ان فيكم قوه لو فعلت لغيرت وجه التاريخ.

 

 وهذا ما يظهر بصورة متسارعة من السر الى العلن في المؤتمرات التطبيعية مع العدو واستبداله بإعداء مفترضين، خدمة لحكام دول الخليج وعروشهم الوهمية، او الاداة الاستعمارية التي رهنت نفسها وامكانياتها لخدمة المشروع الاستعماري بكل سيئاته، وبهذا الخصوص يقول سعادة :  إن حقيقة الأمم ليست رغائب عند بعض الناس، بل هي قواعد صحيحة عليهم أن يكتشفوها.

إن المنطقة المسماة الشرق الاوسط في أدبيات الاستعمار او الاستحمار كما سماه أحد الفلاسفة الجزائريين، والتي نجترها بوعي او بدون وعي، ومن ضمنها سوريا الطبيعية تغلي على مرجل الازمات والمؤامرات التي ترسمها وتنفذها  قوى الاستعمار الغربية الاميركية والصهيونية، من اليمن الى ليبيا والسودان وصولا الى سوريا وفي قلبها فلسطين، حيث الحديث عن فلسطين الجديدة والفلسطيني الجديد، وما ادراك ما فلسطين الجديدة والفلسطيني الجديد، متناسين ان المقاومة والقوى الوطنية التي هزمت العدو ودحرته من لبنان، وصمود الدولة والجيش العربي السوري والقوى والشعب الفلسطيني الحي سيعملون على إفشال هذه الصفقة واسقاطها رغم ان وراء الصفقة تحالف كبير وخطر لانه هناك اقتناع ان الصفقة ليست قدرا لا راد له، وهي مرحلة من مراحل الصراع الطويل والذي ما زال مستمرا تحت تسميات وصفقات، ولكن الشعب الفلسطيني والقوى الحليفة لم تُهزم ولن ترفع راية الاستسلام، وما نراها في مسيرات العودة ما هي الا تعبير عن التصدي حتى باللحم الحي للمشروع من هذا الجيل الشجاع الذي لا يهاب الشهادة هذا الجيل العصي على الكسر والهزيمة وقد كان سعادة نموذجا وسباقا بالتضحية لانه راى  إن الحياة كلها وقفة عز فقط...

 عليه ندرك لماذا اغتيل سعادة وكان التخلص منه بهذه السرعة من قبل الطغمة الحاكمة في لبنان والشام ومن كان خلفهم من القوى الاستعمارية.

سبعون عاما مضت على الاغتيال وما زال صوتك مدوياً

ختاماً، لا بدّ لنا من أن نردّد في هذه المناسبة المجيدة مأثورة سعاده: «سواء فهمونا أم أساؤوا، فهمنا فإننا نعمل للحياة ولن نتخلى عنها.

وهذه هي صفقة الكرامة والاباء والعنفوان والتضحية، ولتكن لهم صفقاتهم وقرونهم، وليبقى لهم ايضاً نموذج الفلكلور اللبناني الاصيل المتمثل بالحروب الطائفية المتجددة بين الحين والاخر وصفقات البيع ففلسطين بخمسون مليار دولار على مدى عشرة أعوام وهي ديون مع الفوائد بينما قدموا لترامب في أقل من 30 ساعة 450 مليار دولار.

 

عباس علي مراد

 

في المثقف اليوم