أقلام حرة

نظرة على فلسفة أمريكا اللاتينية

رحيم الساعديبقلم: البروفسور خوان ريفيرا بالومينو*

ترجمة د. رحيم الشياع الساعدي

كتب راؤول فورنيت بيتانكورت في كتابه "دراسات الفلسفة الأمريكية اللاتينية" (والمشكلة ستكون هنا، تمييز النتيجة الراديكالية التي تساهم الفلسفة بتنفيذها تاريخيا، وحتى اليوم فان الفلاسفة اخذوا دور المسؤولية لتفسير العالم، فمثلا حول كارل ماركس أطروحة فيورباخ نقد تاريخية الفلسفة الغربية الى صورة متعددة الابعاد الأيكولوجية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتكنولوجية)

نقد تاريخي للفلسفة الغربية

من كان يعاني من المشاكل البيئية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتكنولوجية متعددة الأبعاد؟، ان امريكا اللاتينية كانت تعاني، ويصبح من الضروري إيجاد نوع جديد من مفاهيم الفلسفة التي تعمل على تحويل الواقع المعيب والسلبي، والتحليل النقدي السابق وتفسير المشاكل الرئيسية مثل الاستعمار، التبعية، الاستقلال، والحرية الكاملة، والاستقلال الذاتي أو تقرير المصير في القرارات الاجتماعية والسياسية انما ياتي لتحقيق التحول الهيكلي والتاريخي لجميع مشاكلنا الداخلية والخارجية، ولتحريرنا وتشكيل منظومة سياسية واقتصادية موحدة ومشروع تنميه قوية متعددة الابعاد لتحويلها.

ومن الضروري كسر أواصر التبعية والهيمنة والاستعمار الجديد الذي يعاني من إمبريالية قائمة أساسا على الأمريكية التي برزت مع العولمة والاستعمار الجديد الرأسمالي من قطع الليبرالية الحديثة وهي تهيمن على جميع العالم تقريبا بما في ذلك أمريكا اللاتينية التي تكسر علاقات الهيمنة الاستعمارية لبناء مشروع تاريخي مشترك مع جميع البلدان المشتركة معها وتحقيق حقها في تقرير المصير الحقيقي وتنميتها المتكاملة الهدف والذاتية للناس الذين يسكنون هذه القارة الفرعية.

ان النظرية والتطبيق هي علاقة تبادليه وجدليه تفترض الضرورة التاريخية الحتمية لتأسيس فلسفه جديده لأمريكا اللاتينية ويجب ان تكرس نفسها للتفسير النقدي للمشكلات المتعددة الابعاد ولإيجاد الحلول المتكاملة عن طريق التحول التاريخي.

لقد قاد هذا الوضع المعيب إلى ظهور الحركة الفلسفية والاجتماعية - العلمية التي تسمى "المركزية الأوروبية" ونسعى لتحرير أنفسنا من الهيمنة الثقافية والفلسفية الأمريكية الأوروبية وكذلك من العلوم الاجتماعية.

وأول استنكار فلسفي قام به الفيلسوف البيروفي أوغستو سالازار بوندي في كتابه "هناك فلسفة في أمريكا اللاتينية" (1967) حيث يستنكر كيف تميزت الفلسفة بكونها مقلدة وليست أصلية ولا تستقبل واقع المجتمع الثقافية والسياسية لبلدان أمريكا اللاتينية. وكل هذا ليكون ثقافة وفلسفة تعتمد عليها وتسيطر عليها منذ الفتح والهيمنة الإسبانية والإنجليزية والأمريكية، مما أدى إلى حوار وجدل مع الفيلسوف المكسيكي ليوبولدو زيا.

ويجب الإشارة أيضًا إلى ان التيار العلمي الاجتماعي لأمريكا اللاتينية يضم كلا من Lander و Aníbal Quijano وأعضاء آخرين.

لذلك، تُفرض المهمة التاريخية بناء وتأسيس نوع جديد من فلسفة إنهاء الاستعمار والمفترض ان يخدم التحول الهيكلي والتاريخي لجميع البلدان والأفراد الذين ينتمون إلى بلدان أمريكا اللاتينية.

وسيكون من الضروري تنظيم دستور للمراكز والمؤسسات الفلسفية لبناء طريقة فلسفية مشتركة وتعاونية تخدم التحول في أمريكا اللاتينية.

ولبناء هذه الفلسفة الجديدة لأمريكا اللاتينية وتأسيسها، سيكون من الضروري مراعاة مساهمات المعرفة القديمة والحالية لثقافات (الكيشوا والأيمارا والأزتيكا والمايا وناهوالت) وكذلك المعرفة الحالية لمجتمعات الأنديز والأمازون.

أيضًا، نظرًا لحجم المهمة التاريخية، من الضروري والمهم أن تكون هناك علاقة وثيقة ومشاركة بين الثقافة والفلسفة الشرقية ( يبدو ان الكاتب تنبه الى ضرورة اشراك الفلسفة الشرقية وفق ما تحدثنا به خلال مراسلاتنا مع بعضنا البعض – المترجم -)

سوف استمر مع مشاكل عالمية وعقلانية مركزية أوروبا التي سيتم تحليلها وانتقادها. وسأبدأ هذه النقطة بإجراء تحليل نقدي لمفاهيم أو الفئات الجامعة العقلانية

كما قلنا إن مشكلة عدم وجود فلسفة في أمريكا اللاتينية ترجع، أولاً، إلى إلغاء ودور تفكيك التفكير الغربي أو تفلسف البيئة الاجتماعية - الثقافية التاريخية من بداية الفلسفة اليونانية، المدرسة في العصور الوسطى، من الحديث والمعاصر الذي ولدته التيارات المختلفة، والمدارس في كل فترة تاريخية. لذلك، فإن عالميتها المزعومة تجريدية وشكلية وهي ثقافية أحادية لعدم مراعاتها السياق التاريخي والثقافي وعدم مراعاة تنوع الثقافات الموجودة في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي والثقافة الشرقية. ان الفلسفة الغربية تفرض نفسها بطريقة سائدة على ثقافات البلدان التي احتلتها أسبانيا وهيمنت عليها.

في ذلك الوقت، كان المثقفون أو المهنيون في أمريكا اللاتينية وبيرو يكررون افكارهم، ويقلدون كل العقائد العقائدية للمدرسة الدينية بمكونها الديني، وقد منع التفكير بطريقة مختلفة من قبل محاكم التفتيش المقدسة. كما تم تدمير ثقافات الكيشوا والأيمارا والمايا وناهوالت وتم حظر معرفتهم عن الأجداد فيما يتعلق بالطبيعة حتى الصحة.

في وقت لاحق تم فرض الفكر الليبرالي للفلاسفة الإنجليز والفرنسيين مع توماس هوبز، هيوم، بيركلي، وروسو و مونتسكيو. ونشرت هذه الليبرالية الأوروبية واعتمدت من قبل فلاسفة وسياسيي أمريكا اللاتينية الذين سعوا إلى الاستقلال عن نير الإسبانية والإنجليزية و الولايات المتحدة.

وفيما بعد ووفقًا لأوغستو سالازار بوندي (1967)، يتم فرض موقف كونت وسبنسر ثم كل من الروحانية، البرجسونية، المذهب الطبيعي، الماركسية الأرثوذكسية (ولكن ليس لمؤسسيها ماركس وإنجلز ) ايضا الظواهر، المثالية والتاريخية، الوجودية. نظرية المعرفة في دائرة فيينا و بوبر وغيرهم .

وهي التيارات التي سيتم قبولها دون تردد، وتقليدها وتدريسها في الجامعات من قبل المعلمين والمدرسين الفكريين في جميع أنحاء الجمهورية المزعومة. تجدر الإشارة إلى أن خوسيه كارلوس مارياتيغي كان الوحيد الذي استوعب الماركسية مع الواقع الوطني البيروفي، كما فعل إميليو تشوي وفلوريس غاليندو وآخرون.

لقد كانت عواقب الاستعمار والنيوكولينالية المهيمنة هي:

- بروز عدم الأصالة

- التقليد

- عدم استيعاب الفلسفة التاريخية للواقع الاجتماعي والثقافي القائم على المعرفة الأسرية والمجتمعية لثقافة الكيشوا في الأنديز والأمازون، أيمارا، أزتيك، ناهوالت ومايا.

نحن ملتزمون اليوم بمواصلة العمل بعمليات الإنقاذ هذه وتنظيمها من إبداعاتهم الكونية إلى معرفتهم بالطبيعة والأراضي والبيئة والمجتمع المجتمعي، إلخ. لكننا ندرس أيضا استعادة المعرفة الشعبية ويجب الإشارة إلى أن الفيلسوف الفرنسي ميشيل أونفري والبرتغالية سوزا سانتوس عملا في ذات الخط والتوجه

ان الفئة الأخرى من مركزية أوروبا هي فئة العقلانية الذرائعية العالمية، المجردة، الشكلية، غير التقليدية، وأحادية الثقافة بالطبع، وفلاسفة مركزية أوروبا فقط هم من لديهم القدرة على التفكير بطريقة عقلانية أو أو التفكير بعقلانية لأنهم يعتقدون أنهم الادمغة العليا وإدراكهم أكثر تطوراً من المثقفين والمهنيين ومجتمع وشعوب أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي الذين لا يستطيعون الوصول، اذ ليس لديهم الفكر الملموس، الإدراكي، بل الأسطوري البدائي، ان ما حدث وما زال يحدث هو أن الأوروبيين والأميركيين من خلال آليات الهيمنة التي فرضوها استبدوا بوسائلهم القسرية وفلسفتهم وفئاتهم على أنها تفوق.

لقد جادل ليفي شتراوس، بعد دراسة المجتمعات الأمازونية البرازيلية، في كتابه "El Pensamiento Salvaje" (1962) بأن الفرق بين فرد مجتمع السكان الأصليين الذي يُعرف باسم قليل الاهمية والمجتمع المتحضر في الغرب وما تعلق به من مستوى التطور المعرفي واللغة انما يرجع إلى نوع وشكل تأثير العوامل الاجتماعية والثقافية، وهي ايضا بيانات علم النفس الإنساني لجيروم برونر وجرينسفيلد وليف فيجوتسكي التي تشير الى أن العملية الإدراكية بدأت بالثقافة الاجتماعية

لذلك، لا يمكن للمرء أن يمارس الفلسفة بطريقة عقلانية دون مراعاة السياق الاجتماعي والثقافي والأسوأ عندما يتم فرضها بالقوة، من خلال الهيمنة على العلاقات الاستعمارية السابقة والاستعمار الجديد الحالي الذي فرض بطريقة استبدادية على جميع النماذج الاجتماعية والسياسية، الثقافية والفلسفية و يكفي أن نتذكر أن الشكل الأخير هو النيوليبرالية .

ان من الضروري بالنسبة لعلماء الاجتماع في أمريكا اللاتينية تقديم واستخدام مفهوم العرق لفهم موقفهم، وقد اعتبرت الدول والثقافات والمثقفون في الغالب أن المنتج الأمريكي اللاتيني بفعل وجود الهيمنة الاستعمارية يعتبر أقل شأنا لأنهم ينتمون إلى عرق أدنى، ويجب أن يكون أبناؤه متحضرون، وأن يتعلموا الثقافة والعلوم الغربية و تعلم التفكير، لمعرفة الأسلوب العقلاني.

 

................................

1- *الكاتب البروفسور خوان ريفيرا بالومينو هو صديق واستاذ بيروفي عزيز ولنا مراسلات علمية معه، ومقاله هذا هو جزء من بحث سيشارك به في مؤتمر قسم الفلسفة في كلية اداب المستنصرية المقبل ان شاء الله .

2- ما ورد يمثل وجهة نظر الكاتب، وايراد المقال هو لتسليط بعض الضوء على فلسفة أمريكا الجنوبية

( المترجم )

 

في المثقف اليوم