أقلام حرة

الخطاب السياسي ودلالته

حسن الحضريفي عهد رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- كانت إذا أسلمت قبيلة؛ تقدَّم شاعرها وخطيبها ليفخرا بمحاسنها ويعدِّدا أمجادها، وكان رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقدِّم شاعر الإسلام وخطيبه، فكانا ينتصران في كل مناظرة تجري بين المسلمين وبين أيَّة قبيلة من الوفود، حتى قال زعيم وفد بني تميم يصف النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "إن محمدًا لَمُؤَتًّى له"؛ أي: موفَّق بأسباب الغلبة؛ فكانوا يعدُّون حُسن الكلمة من أسباب النصر؛ وحُسن الكلمة لا يقتصر على رونقها وجودتها فقط؛ بل يضاف إلى ذلك صِدقها وسِدادها، فهي كرمية الرمح لا بد أن توجَّه في الوقت المناسب إلى المكان المناسب وبالطريقة المناسبة.

وهذا يكشف لنا أهمية الكلمة في عالم السياسة؛ فهي أداة التعبير، والله تعالى يقول في معرض الحرب والنزاع بين المسلمين وبين غيرهم: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين) [النحل: 125]، ويقول أيضًا في معرض بناء المسلمين لدولتهم: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [العنكبوت: 46].

والواقع الحياتي يكشف لنا العلاقة الوثيقة بين الخطاب السياسي وبين شخصية القيادة السياسية ومدى قوتها أو ضعفها، بل يكشف أيضًا مدى جدارتها بالقيادة من عدمها؛ فالقائد الجدير بالقيادة هو الملِمُّ بعواملها، القادر على جمع أسباب نجاحها والتعامل مع آلياتها بطريقة صحيحة، والخطاب السياسي للقائد القوي الناجح يعتمد -في إطار صورة صادقة اللهجة، قوية الدلالة- على رصد الواقع وتقديم صورة صحيحة له، مع الإلمام بصورة الماضي واستلهام العبر والعظات، واستشراف المستقبل في ضوء رسم خطط جيدة مناسبة للواقع، والعمل على تنفيذها في ظل آليات صحيحة.

أما القائد الضعيف الفاشل؛ فتراه يتخبط ويتناقض في خطابه السياسي، يرسم ملامح وهمية لدولة مُقْعَدة تتعمد إقصاء الكفاءات والخبرات، وتعتمد على سياسة الطاعة العمياء، ويبدو الضعف جليًّا على جهازه الإعلامي، الذي يحاول اختلاق محاسن لا وجود لها، كما يحاول إخفاء كل ما هو ظاهر من مساوئ تفضح تلك القيادة الفاشلة، ويدور في تعامله مع قضايا المجتمع داخل دائرة مغلقة، تجتمع فيها عوامل الضعف والفشل، ولا سبيل له إلى الخروج منها أو تغيير شيء فيها، ولا طائل له من وراء ذلك إلا فقدان ثقة المتلقي في مصداقيته، التي هي قوام نجاح العمل الإعلامي بحكم ماهيته.

وهذه القيادة الضعيفة الفاشلة لا يمكنها أبدًا أن تختلق لنفسها خطابًا سياسيًّا قويًّا، أو جهازًا إعلاميًّا منظَّمًا، أو أي شيء من أسباب القوة تتستر خلفه؛ فإن الواقع السياسي للدولة بمثابة الهيكل بالنسبة إلى الإنسان، فهو لا يستطيع التظاهر بغير هيكله الحقيقي، وإن استطاع التَّجمُّل، والتَّجمُّل شأنه واضح معروف؛ فليس الطبع كالتطبع.

 

حسن الحضري

عضو اتحاد كتاب مصر

 

في المثقف اليوم