أقلام حرة

التاريخ.. هو الجيش

عبد السلام فاروقتاريخ مصر القديم والحديث سلسلة من الأحداث الكبري.. هذا أمر طبيعي ومفهوم.. إذ تتناسب أهمية الأحداث طردياً مع أهمية وعظم الدولة .

هكذا لا بد أن يبرز دور الجيش فى كل مرة يأتى الاختبار.. وفى كل مرة يثبت الجيش المصري أنه أهل للمهمة التى وكلت إليه .

تلك المهمة المقدسة هى حماية الشعب والحدود ومقدرات دولة لا ينفك أعداؤها عن تدبير المكائد لها، وهى البلد المسالم المسلم .

منذ الملك مينا نارمر موحد القطرين الجنوبى والشمالى، والجيش يكافح للحفاظ على هذه الوحدة لتبقى مصر قوية ضد أى تهديد أو خطر.. سواء جاء التهديد من الخارج أو من الداخل .

وفى التاريخ الفرعونى المتعاقب، بعد الملك مينا، حالات شتى من التفكك أصابت نخاع الدولة وأعادت مصر إلى حالة الانقسام والتفسخ لتتحول الدولة إلى دويلات.. وفى كل مرة يكون السبب الجلى الواضح للانهزام المؤقت هو ضعف الجيش تسليحاً وعتاداً واستعداداً.

ثم يحدث أن تعود مصر لحالة الاستقرار والتوحد . والفضل أيضاً حينئذ، بعد الله، يكون لهذا الجيش المرابط اليقظ.

مصر أبداً لم تكن كأى دولة أخرى..

دورها أعظم.. وتاريخها أعرق.. وموقعها أهم.. وشعبها أذكى.. وجيشها أوفى.

قهر التتار وعبور خط بارليف وما بينهما

لم يَرِد على التاريخ ذكر لقوة غاشمة مدمرة للإنسانية كقوة التتار..

شاء القدر الإلهى أن يأتى إنقاذ البشرية من تلك القوة المدمرة الكارهة للإنسانية العابثة بالحياة على أيدى الشعب المصرى.. نواة الجيش المصري فى موقعة عين جالوت المجيدة .

العجيب أن تلك الهزيمة النكراء للجيش المغولى.. كانت لعنة دائمة للعدو.. إذ سرعان ما اختفى الوجود المغولى من خارطة الدنيا فى غضون سنوات قليلة عقب هزيمتهم فى تخوم الشام على يد القائد الفذ سيف الدين قطز.

الأمر الأشد إثارة للعجب . أن مصر وقتذاك لم تحاول استثمار ذلك الانتصار الأشبه بالمعجزة للإغارة على أى بلد أو توسيع نفوذها أو فرض قوتها على أحد .

هكذا هو الجيش المصري دائماً.. يستعد بأقصي قوة رادعة لديه، لتحقيق أقصي حد من التعايش السلمى . فلا مطمع له فى شئ إلا السلام .

حدث هذا فى معركة أكتوبر المجيدة كما حدث فى عين جالوت..

فالنصر العظيم، لم يتبعه إلا سلام أعظم .

لم يحدث الانتصار إلا بسواعد مصرية خالصة..

وكنا فى زمان مضى محرومون كمصريين من تكوين جيش وطنى.

قبل محمد على باشا، كان قوام الجيش المصري خليط من أجناس شتى إلا المصريين ! وحتى فى العصر الملكى، ظلت السيادة فى الجيش للأجانب والأتراك ردحاً من الزمن حتى ظهور حركة الضباط الأحرار.

ثورات.. وحروب.. وأشياء أخرى

جاءت ثورة يوليو 1952 لتفتح صفحة وطنية جديدة من صفحات التاريخ العسكرى المشرق ,على يد كوكبة من الضباط المصريين الغيورين على وطنهم، وفى مقدمتهم جمال عبد الناصر .

جاءت الثورة بستة مبادئ قامت مقام الدستور : القضاء على الإقطاع، القضاء على الاستعمار، القضاء على سيطرة رأس المال على الحكم، إقامة حياة ديمقراطية سليمة، إقامة جيش وطني قوي، إقامة عدالة اجتماعية.

كان الاهتمام بإصلاح الجيش من أهم وأخطر مهام القيادة السياسية آنذاك.. بعد أن رزحت مصر تحت نير احتلال أفقدها الحق فى تطوير الجيش وتوسعة نفوذه وتدعيم قواه مادياً وبشرياً ومعنوياً .

وجاء البيان الثورى المزلزل كفاتحة خير وبشري زفها السادات لخص فيها أهداف الثورة: «من اللواء أركان الحرب محمد نجيب القائد العام للقوات المسلحة إلى الشعب المصري. اجتازت مصر فترة عصيبة في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم.وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش وتسبب المرتشون والمغرضون في هزيمتنا في حرب فلسطين. وأما فترة ما بعد هذه الحرب فقد تضافرت فيها عوامل الفساد وتآمر الخونة على الجيش وتولى أمرها إما جاهل أو خائن أو فاسد حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها. وعلى ذلك فقد قمنا بتطهير أنفسنا وتولى أمرنا في داخل الجيش رجال نثق في قدرتهم وفي خلقهم وفي وطنيتهم ولا بد أن مصر كلها ستتلقى هذا الخبر بالابتهاج والترحيب. أما من رأينا اعتقالهم من رجال الجيش السابقين فهؤلاء لن ينالهم ضرر وسيطلق سراحهم في الوقت المناسب. وإني أؤكد للشعب المصري أن الجيش اليوم كله أصبح يعمل لصالح الوطن في ظل الدستور مجرداً من أية غاية وأنتهز هذه الفرصة فأطلب من الشعب ألا يسمح لأحد من الخونة بأن يلجأ لأعمال التخريب أو العنف لأن هذا ليس في صالح مصر وأن أي عمل من هذا القبيل سيقابل بشدة لم يسبق لها مثيل وسيلقى فاعله جزاء الخائن في الحال. وسيقوم الجيش بواجبه هذا متعاوناً مع البوليس. وإني أطمئن إخواننا الأجانب على مصالحهم وأرواحهم وأموالهم ويعتبر الجيش نفسه مسئولا عنهم والله ولي التوفيق.».

فى أعقاب الثورة خاضت مصر حروباً متعددة الجبهات، بعضها عسكرى، وبعضها الآخر مخابراتى.. حرب تهدف لنيل الاستقلال التام من التبعية والخضوع للمستعمِر، بدأت الحرب بتأميم قناة السويس وما تبعه من عدوان ثلاثى فاشل، ولم تنتهِ ببناء السد العالى.. فالحقد الإسرائيلي لم ينم، بل استمر حتى اختطف قطعة غالية من أرض الوطن فى 67 .

هنا جاءت حرب الألف يوم أو ما اصطلح على تسميته "حرب الاستنزاف" لتثبت حقيقة معدن الجيش المصري العريق.

لم يحدث انتصار أكتوبر فجأة ولا صدفة، وإنما بعد سنوات من الاستعداد والإصرار والكفاح ضد العدو تم فى أثنائها بناء الجيش المصري من جديد واستعادة الروح القتالية التى جاء النصر فى أعقابها .

سواعد وأيادى وأدوار

"يد تبنى.. ويد تحمل السلاح.."

شعار له دلالة بالغة.. وفى ثنايا هذا الشعار ألف معنى..

إنها ليست يد واحدة ولا يدان.. بل ألف يد..

يدُ تصد ويدٌ ترصد.. يدٌ ترد الاعتداء ويد تمتد بالسلام..

يدٌ ممدودة على الدوام لتحقيق الخير لهذه البلاد .

قالوا لغواً كثيراً عن خوض الجيش فى مهام مدنية واقتصادية بعيدة عن اختصاصاته وكذبوا..

مصر هى اختصاص الجيش..

أمنها واقتصادها وإنتاجها واستقرارها، وعبورها من مرحلة الأزمة إلى مرحلة الرخاء والرفاهية .

مهمة حيوية وخطيرة وشائكة اضطلع بها الجيش انطلاقاً من استشعاره لأهمية بقائه قوياً كمؤسسة قيادية مسئولة عن تماسك الدولة، واستقرار اقتصادها، وحماية حدودها ومقدراتها، ومنع حدوث أى انقسام فى نسيجها الاجتماعى والبنيوى .

الجيش المصرى سيظل  رمزاً باقياً للصمود والوفاء.

وتاريخاً مشرقاً مشرِّفاً لكل مصرى .

 

عبد السلام فاروق

 

في المثقف اليوم