أقلام حرة

مواطنة الشعوب في ظل غياب الحقوق والرفاهية

انور الموسويمن المنطقي والبديهي،أن تكون الشعوب مصدر للسلطات، ومن المؤكد أن قرارات الشعوب هي من تحدد ناخبيها أو الحزب الذي ترتأيه ذلك يصح جداً في حدود معينة وضمن حالات فارقة سرعان ما تحدث ويتم حلها وتختفي.لكن الشعوب غير معنية برسم السياسات وضمان الأولويات، بالكيفية ألتي نلحظها بالعراق  حصل هذا نتاج التعبئة الحزبية في حال، ونتاج التعبئة المنظمة لمنظمات المجتمع المدني / الديني بشقيها (المدني، والدييني).

جرى كل ذلك وسط أفول شبه تام لدراسة ما يعني الشعوب من إحتياجات، أو ماهي اسبقية الحقوق للمواطن.

أن تنامي الاستقطابات الأيديولوجية (الإسلامية، الليبرالية، الشيوعية... الخ) وزجها في ذاكرة الشعب للاستثمارات التعبوية السياسية قلص فرص الوحدة المجتمعية،وخلق تنفار حاد بين الأوساط المتجانسة ومن البديهي أن تصوب سهام ذلك النفور والغضب ضد الدولة باعتبارها الراعي والمسؤول الأول عن وحدة ورخاء وتاخي المجتمع.

الشعوب مدنية بالجوهر، موجهة بالعارض 

رغبة الشعوب " المواطنين" بالمجمل، هي أن تحظى بديمومة الحياة الكريمة مع الضمان الصحي والاجتماعي وتوفير وسائل الحماية والرعاية والتعليم، و الرفاهية "والحريات" مع توفر الخدمات والبنى التحتية مع ضوابط تطبيق القانون الذي يشعر الفرد والجماعة، بالإلتزام والحماية وهذه الثنائية يجب أن تسير بشكلٍ متوازٍ، هكذا تعيش جميع شعوب العالم المتقدم.

الشعوب غير معنية بالممارسات التنظيمية والسياسية، تلك لها جمهورها واهدافهم السياسية ويتبعها من يشترك معهم ، وفقاً لتلك الاهداف والتطلعات أما كهواية أو على نحو آخر كمثال السعي الى الحكم وفقاً لأدبيات وتعريف الاحزاب في القاموس السياسي. اما المواطن بما هو فرد مواطن، فله توجهاته الشخصية واماله الطبيعية، ووظيفة الدولة هنا ان ترعى كل تلك الممارسات بحماية تامة ( دينية كانت أم عامة). وتوفر ابعد الحدود في الضمان المجتمعي وفقاً للاقتصاد العام، وهنا الشعوب غير معنية بكيفية إدارة ذلك الإقتصاد ولا بمحركاته السياسية دام توفرت لديهم سبل العيش الكريم، والضمان، والسياحة " المتحررة" وعند توفر عكس ذلك منطقياً تظهر علامات الرفض والسخط والاحتجاج مع مزامنة تراجع ملحوظ في الرغبة إلى الإنتاج وتنامي الغضب وحل عقد الانسجام بين الحكومات وشعوبها.

بالتالي (الشعوب) لن تصبح معنية بمن سيفوز وماهية رسم السياسات الخارجية والداخلية، يأتي دورها عند كل فترة لممارسة الإقتراع وينتهي هذا الدور فور انتهاء اقتراعها ولا تدير طرفاً بعد ذلك ما سيحصل من لعب أدوار سياسية وغيرها.

ما جرى هنا ومنذ زمن  هو العكس تماماً،بدلاً من تحريك الشارع نحو التطلع لمستقبلٍ يفرض نفسه كحال البلدان المجاورة، وبدلاً من توفير مقومات الحياة، وبدلاً من كل وسائل الإحترام للكرامة الإنسانية، وتوفير حق الحياة غير المشروط.جرى ادلجة الجماهير، على شكل جماعات متقاطعة متطاحنة فيما بينها لأغراض تخدم صناع القرار ومن هم بالقرب منهم، وتم تقسيم المغانم بطريقة لا عادلة على هؤلاء، فحل التطاحن في ثلاثية فريدة من نوعها، (المنتفعين فيما بينهم، والشعب غير المسجل ضمن دائرة الأحزاب المستقل).

فحلت الفوارق الطبقية أو " الطبقية الحديثة" وصار العنوان هو السعي لمزيد من المغانم وبالنتيجة مزيداً من الصراعات وكثرة من التشتت، هنا تم سلب الهوية الجماعية (الوطنية) وجرى تفتيتها الى اسبقيات غير مجدية " هويات فرعية" وتم زج تلك الثلاثية (الأحزاب وأنصارهم المنتفعون واضدادهم من جهة، والشعب المستقل،في صراع هدمي كارثي).

أن فلسفة ضياع الهوية الوطنية، ليس بالمسالة الكبرى،بل إن معطيات هذه الصراعات حتماً ستؤدي في نتائجها الى سلب الهوية وبالتالي الشعور بضياع الوطن لتبرز جملة ( نريد وطن).

أدبيات الدولة أن ترسم خططها التنموية والسياسية وغيرها لصالح خدمة الشعب وتوفير وسائل الرخاء والحقوق والحريات وتحقيق الأمن الداخلي والخارجي، فيما لو عجزت الدولة عن توفير تلك المستلزمات الباعثة لاستقرار الشعوب، ستتحول الجماعات إلى تنظيمات أو تزج نفسها في تنظيمات أو تنسيقيات أو احزاب ( طوعاً أو كراهيةً) من أجل أما ملء فراغ الحقوق المفقودة، او من أجل تحقيق غايات ترسمها استراتيجية تلك الأحزاب او المنظمات...الخ.

الشعب تحت ظروف الحياة الطبيعية غير معني أن يطالع كل يوم شاشة التلفاز ليقفز عليه من كل فضائية إخبارية، قرقوز ارتدى ملابس مهذبة بعد حين...! ويصرخ بإسم الديمقراطية و محاربة الفساد أو بإسم الوطن والحقوق والشعب، وليس معنياً تماماً بالعدوان الثلاثي على مصر أو بأسباب حل عصبة الأمم المتحدة ،ولا معني بوثائق ويكليكس وغيرها...تم جره عنوةً لتلك الساحة بفعل أمرين:

التعبئة  للجماهير من قبل القرقوزات، والموجهين لهم حيثما اتفقت بوصلتهم بدوافع غير وطنية، عكس اصحاب القضايا الوطنية فهنا الحال يختلف موضوعياً.

وضعف وسائل الراحة والتقدم والازدهار والخدمات والوعي والعلم وقلة المنتوج الوطني وتصاعد حدة المنتوج الأجنبي( حتى بالنساء...!) .

فمن الطبيعي ضمن البيئة الطاردة لمستوى الرخاء، أن تتولد سيكولوجية الإنسان المقهور الثائر والمحتج والغاضب ، كما هو الحال مشابه تقريباً لولادة التطرف، وخطاب الكراهية، والعنف، وهذا له مديات وانعكاسات تتطور بتقادم الإخفاقات وتردي الخدمات بمعية تفاقم الاستغلال لتلك الإخفاقات لتعبئة الشارع أيديولوجيا ليصبح مهيأ الأرضيات مختلفة منها الوطنية ومنها المتطرفة.

أن الإصرار الخاطئ على عدم فهم الجيل الحالي، واللاحق والتمسك بتقاليد بعضها (ديني، وبعضها عرفي وعشائري)غير ملزمة لواقع الحال، مع توفر ارضية الخراب والهدم البنيوي للمؤسسات. ذلك حفز سوق التجار بإسم الأحزاب والمنظمات على خلق علاقة "زبائنية" بينهم وبين افراد المجتمع، وتم توطيد تلك العلاقة بطريقة الاحتيال على الحقوق العامة الواجبة  لكل فردٍ وحصرها بالكروبات الهادفة لخلق فصام الشخصية المجتمعية.

فتجد البضائع الرائجة في سوق الكروبات( الأوامر، التوجيهات، الحروب الالكترونية، مهاجمة العقائد،وفي قبلتها ايضاً، الإشاعات، العواجل الكاذبة، المقالات المزيفة، لغة الطائفية، الكراهية، الصراعات الدينية،نظريات المؤامرة،الخوف من المجهول،تغليب لغة المستقبل المتشائم....حرب الردة، داعس والغبراء، قيام السقيفة، حرب المصاحف،اعادة دار ابن الأرقم من جديد).

ماهذه العقلية؟ واي عشوائية ممولة بالمال هذه. هل هكذا يتم رسم سياسة الأمن والاستقرار المجتمعي، وبالجيوش الالكترونية يتم إدارة الخبر والتصدي للأفكار...! اي مهزلةً تحدث؟.

أمنوا للشعب " بعض" من العدالة الاجتماعية والخدمات، والقانون الذي يحمي الجميع و وفروا لهم سبل السياحة والراحة والمتعة المدعومة والمحمية مع وضع اقتصادي مناسب، وسوف لن ترون احداً يحتج على طبيعة رسم السياسات لانه امر سوف لا يعني شعباً حصل على مايريد من حقوقه، ولن يتابع اصلاً فضائية تظهر قرقوزاً يتكلم عن المؤامرة الكبرى...!  ولن يعتني الشعب بنشرة الأخبار.

سيعتني بتعداد أنواع الجبنة الفرنسية، وطرق طهي لحم الماعز، ومصادر اللهو والمتعة، أو مصادر العبادة وطقوسه الشخصية، او حفلٍ تقيمه الفنانة المتبرجة..! نجوى كرم في هور.....دمشق! او فلم سينمائي تعرضه هوليوود، ويتابع مجلات وصرخات الموضة ويعمل وينتج بجدية وباخلاص ومثابرة، انه الانفتاح الطبيعي ( هذه ليست مؤامرة كما تظنوها) هكذا يعيش العالم المستقر.  وسيعمل المواطن بديهياً على تطوير ذاته، وفرص رخائه والبحث عن مصادر سعادته له ولعائلته، ويتأمل حياة جميلة تنتظره، من غير المنطقي حينما تحجر وسائل الإنتاج مع وسائل الابداع، والتطلع، وفرص العمل والنهوض، بيد جماعات سياسية وتحجب الفرص عن الاغلبية وتريد الحصول على نتائج هادئة وهادفة، الشعوب تمتلك الوطن، وحيازة تلك الرمزية تتطلب أن يشعر المواطن بالرفاه والخدمات والحريات، ويحاسب على الواجبات ويرى مصير الخائن و الفاسد والمجرم والمعتدي خلف القضبان، لا يجده يعتلي هرم المسؤولية..! حينما ترى الشعوب أن لها أرض ذات منتج وطني،وزراعة خصبة وصناعة جيدة، ومعامل، وسياحة حرة، وأجواء مفعمة بالأمان والاحترام، وتعليم مقنن مرموق، ومستوى اكاديمي عالٍ غير خاضع لمنح الأحزاب، ومستوى صحي يرتق إلى اي مستوى في دول العالم، وحينما يرى الرفاهية والتقدم، والإقتصاد الذي يتمتع به من المستحيل ان يزج نفسه في صراعٍ يحمل صبغة الأكثرية لتغيير واقعه، هنا تتولد حتمية الانتماء والشعور بالوطن ولمس تلك النتائج حسياً ومادياً، بخلافه تظل تلك الشعوب اما زبائن دائمين للأحزاب والمنظمات، او ساخطين فاقدين بوصلة الاهداف غير راضين على اي منجز يأتي من مصادر لا تنبع من قرار وطني حقيقي وفعال.

اخيراً ياسادة هناك نصيحة تجعل مواطنيكم يشعرون إنهم ببلدهم، اوصوا بعض دوائر الدولة باحترام المواطن، وحسم موضوع الروتين وعدم عرقلة الموطن وتهجيره من محافظة الى اخرى من أجل توقيع أو كتاب تأييد. كذلك وجهوا الى بعض السيطرات الامنية ليس كل من يلبس حزام الأمان، وشكله مرتب ليس بالضرورة إنه قادم بمهمة من قبل الCIA ويخضع لتفتيش وتعطيل دائم وعرقلة مستمرة.

اختاروا من يفكر بعقله وليس بمزاجه ومقارنة "السحنة" حسب الرقعة الجغرافية..!

 

انور الموسوي

 

في المثقف اليوم