أقلام حرة

سيكلوجية شخصية الفرد العراقي والبكاء

انور الموسويشدة الفرحة طبيعياً ان تؤدي في بعض الحالات للبكاء.

لماذا العراقي يبكي حينما يفوز المنتخب؟

لما العراقي يبكي حينما يعزف النشيد الوطني؟

لماذا العراقي يبكي وهو يتظاهر وهو يحتج؟

لماذا العراقي يبكي أكثر من اي شعبٍ آخر وفي مناسبات مختلفة.

أهم تلك المناسبات او اختصاراً. لكل هذه الأسئلة لماذا العراقي يبكي حينما يتوحد وفي المناسبات الوطنية؟.

الإجابة هنا ملخصة ....

أن كل فردٍ من هذا الشعب له الآلام الخاصة به، والتطلعات التي أجهضتها أما الظروف غير العادلة، أو السياسات المتطرفة.

لكل فردٍ يشعر بضياع للهوية، وفقدان الانتماء، وحجر وتهميش فرصه بالحياة، الشعوب الضائعة بفعل الأزمات والتطرف، والحروب، والسياسات غير العادلة، وعدم مراعات التوزيع العادل للثروات، هي شعوب تتشتت، تتناحر، تتولد بينها البغضاء، واللا انتماء، والقهر.

شعوب تلهث خلف مجاهيل تعتقد أن فيها خلاصها، كالخرافات والتصورات غير المنطقية.

شعوب جرى إيهامها بفعل التخديرات الموضعية على تناسي حقيقة الهوية، وروح الانتماء، وجرها إلى ملاذات فئوية وحزبية وطائفية، ونفعية، ومداليل غيبية لاتمت الى واقع طموحها بشيء، ولا إلى سُبل رفاهيتها وتحضرها وتقدمها بشيء.

تجتمع على تلك الهويات فتظهر كأمة متغالبة وليس متوحدة، وهم جميعهم هؤلاء (كأفراد) المجتمعون على اي نوع من تلك الهويات مقتنعون أن ليس هي هذه بوصلة الحقيقة، ولا هي المنتج الفعال للأخطاء التراكمية، ولا تمثل الحلول الحصرية لإنقاذ الأزمات، فيستمر مسلسل الترويج والتعبئة دون هدفٍ منشود أو بالأقل الحصول على أهداف رمزية لاتمت إلى مسار الأمم المتقدمة بشيء ولا إلى الرفاهية والتطور.

في لحظة ذروة تلك الشعوب حينما يجتمعون على هدفٍ مغاير، هدف ثابت حتمي اصيل، ترى الأفراد تذوب في الجماعة، وترى الهيكل اصبح أمة، غير ملاحظ فوارقه الطبقية ولا إرهاصاته الدينية، ولا بواعث النجدة من المجهول ونظريات المؤامرة، حينما يتحدون حول العَلم (الذي هو رمزية مشتركة للجميع) وحينما يعزف النشيد الوطني، وحينما يفوز المنتخب، او يستعون لاغنية وطنية، وحينما يهتف جميعهم بدموع (بالروح بالدم نفديك يا عراق)

وحين تجدهم محتجون ومتظاهرين كمجموعة منزوعة الهوية إلا من هويتهم الوطنية، وترى الدموع في عين كل فردٍ شريفٍ منهم، وحينما يبكي الشعب لأجل فوز منتخب (يعتقد ذلك قضية وطنية) وحينما يبكي وهو فرح، ويبكي وهو منتصر، ويبكي وهو يتظاهر.. تلك ليست دموع فرح..!

هذه ظاهرة تفسر حجم الانكسار النفسي والألم والظلم الذي لحق بهم، وحجم اللاعدالة التي تسلطت عليهم، وكارثة الفقدان للانتماء والتشتت والتحريض على العنف، وخطاب الكراهية والتفرقة التي فرقت وحدتهم، ما إن تبرز لهم محفزات المشتركات الوطنية، يفرز عقلهم الباطن ميكانزم الدفاع الوطني، ويعيد إنتاج الهوية الوطنية، فيتحدون ويبكون لأنهم يشعرون قد تم سلب الهوية المشتركة منهم، وهم اليوم باتحادهم هذا يبكون لأنهم يشعرون بإعادتها ولو في لحظة رمزية تستمر لدقائق او أيام.

أن الجميع يبكي لأنه شعر بمشتركات العصف الذهني، الذي سبب لكل فردٍ المه وظلامته الخاصة به، أو لقضية اوسع واشمل وهي استعادة الهوية والوطن. فقد الهوية والانتماء ابكته وهو يعيد إنتاج ذلك الانتماء وتلك الهوية الآن، في لحظة رمزية فارقة تكاد ان تدوم.

 

انور الموسوي

 

في المثقف اليوم