أقلام حرة

مؤتمر الأدباء رقم (34).. كيف يتحول إلى مهرجان وعيد قومى؟

عبد السلام فاروقأول مؤتمر لأدباء مصر حظى برئاسة شوقى ضيف كأول ناقد مرموق يرأس المؤتمر العريق. كان هذا فى عام 1984، فى مدينة المنيا عروس الصعيد التى شهدت إقامته بها 3 مرات..

 ولهذا دلالة ..

المؤتمر نشأ فى بواكير صياغته كمنظومة لإدارة العقول المبدعة فى أقاليم مصر وأطرافها . كان يهدف لتسليط الضوء على مَن لم نكتشفهم بعد من أدباء مصر خلف المكاتب،كنجيب محفوظ، أو من جوف الريف،كالأبنودى.

نجوم الأدب عانوا فى بداياتهم ليحظوا باهتمام النخبة، ثم باهتمام الناس وشغفهم . فالنجومية فى الإبداع الأدبى باهظة التكلفة وقليلة العائد.

 فلماذا لا تذهب وزارة الثقافة إلى هؤلاء الأدباء فى أماكنهم، تبحث عنهم، تشجعهم وترعَى إبداعهم؟ هكذا كانت فكرة المؤتمر ودعوته الأولى، فهل حافظ على كينونته تلك أم أصابه ما يصيب كل المؤتمرات التقليدية عندما تشيب ويدركها مرض الروتين؟

المؤتمر القادم فى ثوبه الرابع والثلاثين  والذى سيقام فى أحضان بورسعيد ربما يكون مؤتمراً مختلفاً يستلهم الصيحة الأولى التى استهلها شوقى ضيف، ورسم طريقها عدد من أدباء مصر ممن ترأسوا المؤتمر على مدى أكثر من ثلاثة عقود مضت .. كان من بينهم رجاء النقاش، وطاهر أبو فاشا، ود.عبد الوهاب المسيري، ود. شكرى عياد، وبهاء طاهر، ود.أحمد مستجير، وخيري شلبي، ود.شاكر عبد الحميد، وصنع الله ابراهيم، ود.مصطفى الفقى مؤخراً .

أمين عام مؤتمر الأدباء هو الشاعر حازم حسين، ويتولى رئاسة المؤتمر هذا العام الكاتب عز الدين نجيب .. وسوف يقام المؤتمر بمدينة الكفاح والنضال بورسعيد تزامناً مع عيدها القومى .

إنه ليس مؤتمراً عادياً إذن .. إنه مهرجان .. هذا ما يؤكده المسئولون عن المؤتمر. أنهم  أتموا استعداداتهم لاستقبال العرس الثقافى السنوى باحتفالية تتضمن فاعليات كرنفالية وفولكلورية لسائر فرق هيئة قصور الثقافة من محافظات مصر، لا سيما المحافظة المضيفة .

بوصلة الأدب المصرى .. إلى أين؟

تتجه أبصار أدباء مصر صوب هذا المؤتمر منذ وقت طويل ..

لا أقول من شهور بل ربما من سنوات .. خاصة ً وأن كثيرين منهم انتقدوا بعض السلبيات التى لوحظت فى المؤتمرات الأخيرة، وتمنوا لو تم تحاشيها فى المستقبل .

بعضهم قال : إن المؤتمر يأتى ويذهب  دون جدوى من فاعلياته . والسبب أن توصياته لا يُعمل بها ولا يؤبه لها . وأنها تضيع فى خضم أحداث عام ثقافى روتينى يسير بنفس الطريقة التى سار بها العام المنصرم!

البعض الآخر يلوم الشكل الذى آلت إليه المنظومة الثقافية بشكل عام، وأن داء "الشللية" أحال المنظومة إلى جزر منعزلة لا يوجد بينها جسور أو سبل للتعاون والتواصل والنفع المشترك. وأن تلك العيوب تجلت فى طريقة تنظيم المؤتمرات السابقة والتى من المأمول تحاشيها فى المؤتمر الحالى وما يتلوه من مؤتمرات.

آخرون من باحثى الأقاليم وأدباء محافظات الصعيد رفعوا شكاواهم بأنهم آخر مَن يَعلم .. وأن أخبار المؤتمر ومسابقته البحثية المؤهلة له لا تصل إليهم فى موعد مناسب، بل فى آخر لحظة، عندما يوشك باب المسابقة أن ينغلق!

هى شكاوَى لا شك نابعة من وضع ثقافى مأزوم لا فى مصر وحدها، وإنما فى سائر الوطن العربي. فالثقافة والأدب والفن ثالوث شبيه بالبوصلة التى تشير دوماً إلى الحالة الحضارية لأى بلد، وهل هى فى انحدار أم تقدم؟

المؤتمر بلا أدنى شك يمثل فرصة لتصحيح الأوضاع، ومناقشة مستقبل الأدب والأدباء فى ظل رغبة لدى الجميع فى مستقبل أفضل ملئ بالتفاؤل رغم كل التحديات.

أنا متفائل .. وآخرون معى!

هناك 350 من صفوة مبدعى وأدباء وإعلاميي مصر .

لا بد أن أصواتهم وأصداءها سوف تُسمَع اليوم أو غداً . لا بد أن همومهم  وهموم جيلهم الثقافى سوف يتم طرحها على طاولة المناقشة فى الأيام الثلاثة التى ينعقد فيها المؤتمر للتوصل إلى توصيات أخرى أتمنى أن تحظى بالتنفيذ.

الموضوع الذى وقع الاختيار عليه ليصبح محور النقاش هذا العام هو : "الحراك الثقافي وأزمة الوعي إبداعًا وتلقيًا"، موضوع حيوى ومهم . خاصةً وأن محاوره سوف تتطرق لموضوعات أخرى معاصرة ومحورية، مثل التأثير الثقافى لمواقع التواصل الاجتماعى، والمتغيرات الاجتماعية، وفجوة الوعى بين النخبة المثقفة والجمهور. تلك هى هموم المثقف وتساؤلاته اليوم.

هل يهدف المؤتمر إلى رصد هذا "الحراك الثقافى" وتقييمه ؟ هل يريد بعثه وإحياءه؟ هل يناقش الكيفية والآليات ؟ هل سيرصد مواضع الخلل ومواطن العيوب ؟

لا ريب أن عشرات العقول المبدعة لديها ما تقوله، وأن النقاش الجدلى سوف يفضى إلى نوع من الحراك الفكرى حتى لو اقتصر على رصد السلبيات . هكذا نكون قد قطعنا نصف الطريق نحو إنجاز شئ ما.

الدورة الحالية مليئة بالمنجزات قبل أن تبدأ ..

هناك سبعة إصدارات سوف يتم إصدارها وتوزيعها على ضيوف المؤتمر. منها كتاب عن محافظة بورسعيد وتاريخها النضالى . هناك معرض فنون تشكيلية على هامش المؤتمر . احتفالات وندوات وفاعليات لا تنقطع على مدار الأيام الثلاثة . تكريم لأكبر عدد ممكن من الأدباء الحاليين والقدامَى . وسوف يكلل المؤتمر بإعلان (بورسعيد) عاصمة للثقافة المصرية لعام 2020.

ثمة أمور كثيرة تدعو للتفاؤل المبرر..

مصر على أعتاب تحقيق طفرة اقتصادية وشيكة، وهى فى انتظار اقتطاف ثمرات مشروعاتها الاقتصادية التنموية التى جرت خلال السنوات القليلة الماضية. وسوف ينعكس هذا القطاف على الحالة الثقافية التى أزعم أنها تتحرك نحو الأفضل وأن المبشرات أكثر من عناصر الإحباط وأسباب الانهزام.

سنوات التعب والإنهاك والصبر والتحدى العجاف قد تركناها خلفنا ..

والسنوات القادمة هى ثمرات ما سبق غرسه.

ويقينى أنها ثمرات طيبة المذاق والنكهة وافرة النفع والعطاء.

بشكل عام أنا متفائل ..

 وكثيرون معى .

 

عبد السلام فاروق

 

في المثقف اليوم