بأقلامهم (حول منجزه)

شوقي مسلماني: كتاب "تحديات العنف" لماجد الغرباوي صرخة في أرض غامضة

"تحدّيات العنف" كتاب في التصدّي، ليس بعنف مضاد. الكاتب ماجد الغرباوي الذي له أيضاً "التسامح ومنابع اللاتسامح"، هو عراقي الهويّة والهوى. وعى على محيط كلّه في المظلوميّة. الفرد، تنهال عليه، بكلّ القسوة، هراوات السلطات المتعاقبة المتصلة بالإفراط والتفريط، خصوصاً بالأمن، حتى وقع العراق كلّه، بشراً وشجراً وحجراً، فريسةً تمزّقُ بها أنياب ومخالب، ولا شفقة ولا رحمة. نظرَ بهذه المأساة المتتالية فصولاً وويلات، ولاحظ، أخيراً أيضاً، أنّالعنف لا يُجبه بالردع، وإنما بعنف همجي من الطينة ذاتها أو الثوب إيّاه، أي لا بصيرة، لا زمام، بل وحشٌ كاسر لا يُبقي ولا يُذر. 

من جهات العنف حركات متطرّفة، إنها فيما تدفع الأذى عن ذاتها من عنف مظلم واقع عليها، لا تقيم حرمة لطفل، ولا لامرأة، ولا لعجوز. حركاتُ إعصارٍ ينفجر في الأحياء السكنية، أو في الأسواق العامّة، أو في دور العبادة، فيما لو عقلتْ، كان أولى بها أن تدّخر غضبها لمنازلة جلودة، واعية، مدركة، بصيرة، مع العدوّ المجرم، المستبدّ، الغازي، الحقيقي، لا مع المدنيين، والعزّل، والأبرياء، أو العدوّ المفترَض بسذاجة وغباء، وربّما بشبهة، أسوةً بسيرة الرسول الصادق الأمين في صراعه مع قريش، وكيف نظرَ الرسول في هذا الصراع، وكيف انتهى إليه الفوز حتماً، لتقدّمه فيه بأخلاقه وعظيم بصره وبصيرته. 

القوّة عند الغرباوي هي غير العنف، بما هي مجال أيضاً للإقتصاد والسياسة والثقافة والفن والعمران، فيما العنف هو اتجاه واحد، محدود. القرآن الكريم في عنوان رئيسي له يحضّ على هذه القوّة الحضاريّة، الخلاّقة، ولا يحضّ على العنف العدواني. الشريعة الإسلاميّة، بتأكيد الكاتب أيضاً ودائماً، لا تقرّ المبادأة ظلماً وعدواناً. هي سمحاء، وفيها القاعدة وفيها الإستثناء. القاعدة هي آيات القربى والمودّة والحسنى، فيما الإستثناء هو آية السيف، خصوصاً ما دام القرآن المبين هو مصدر التشريع الأوّل. وعلى رغم ذلك فإن للسيف ضوابط،  حدوداً، قوانين، وإلاّ صار قتلاً وفساداً وإفساداً في الأرض. 

جوهر "تحديات العنف" هو الردّ على متمسكين بالدين، إنما على نحو مجتزأ، مبتور. إنهم يستسهلون حتى مبادأة أبناء جلدتهم ودينهم، وحتى مذهبهم، بالإجرام. يستسهلون التكفير، وليس من ذلك الإسلامُ. 

كتاب "تحديات العنف" وبمنطق يحاول أن يردّ على منطق لا منطق فيه، يردّ مهتدياً أيضاً بأئمّة، منهم مثالاً لا حصراً: جمال الدين الأفغاني، محمد عبده، رشيد رضا، وعبد الرحمن الكواكبي، والسيّد محمّد حسين فضل الله، حيث العقل كثير. 

نأمل ألاّ تكون صرخة ماجد الغرباوي في "تحديات العنف" صرخة في أرض مأهولة كلّها بالرمل.

 ***

شوقي مسلماني  - شاكر وكاتب - استراليا