أقلام حرة

في أي عقلية نمضي؟

انور الموسويونحن نطالع مجموعة من انساق مختلفة في العالم، منها المتحضر جدا كحقوق الأنسان والرفاهية ودولة المؤسسات والأنظمة السياسية البارعة التي تخطت حدود الكلاسيك وعملت على انتتاج منظومة جزئية للعدالة الاجتماعية وحقوق الفرد والمجتمع وضمنت حق الحياة والحريات بأنظمة متطورة لا يمكن أغفالها أو أغفال المد التكنلوجي الذي تعاصره ونعاصره نحن من  تلك الأمم، يصددم  العالم أيضا بمجموعة من المشاكل أهمها الأن هو حرب الفيروسات أو الحرب البيولوجية، بتعمد أو بدونه. لازال العالم على الرغم من الفاجعة والجائحة التي أصابته لكنه لازال يفكر، يتطلع ينظر إلى حلول علمية عصرية لمواجهة هذه التحديات بأساليب فنية وعلمية.

السؤال هنا؟ ما هو الفرق بيننا وبين هؤلاء؟ وكيف ننظر نحن إلى المأزق وكيف هم يتعاملون مع الأزمات؟

والى أي مدى نحن نتعاطى مع الأزمات وانساق التطور على حد سواء بمنظار واقعي؟ هنا أضع بحثي بسياقين.

هل نحن مجتمعات متطورة قادرة على بناء ذاتها؟ وما مدى قدرتنا على تلك الفرضية أو ما هي أدواتنا في ذلك؟  وهل نحن مجتمعات متخلفة؟

أولا:- العراق حصرا:- لم يكن العراق البلد الذي امتاز برفاهية تامة ولا بحرية تامة على مر العصور، امتدادا من الدولة العباسية وحتى الاحتلال العثماني ولا بفترات الانتداب البريطاني والسياقات التنظيمية للبلد ومخططات بيرسي كوكس والنقيب، ومن ثم الملكية والجمهورية وما عاناه البلد من مالات وخيمة على مستقبله كبلد قادر على النهوض بنفسه ولا على مجتمعه كفاراد يمتلكون أدوات مانحة وقادرة للتغيير بصورة حقيقية، العقبة التي أوقفت زحف العراق نحو التقدم هي مجموعة الأنظمة الشمولية الاولغارشية التي قادت البلد.

ثانيا: منذ اكثر من مئة عام أو يزيد كان المسلمون بشكل عام يطرحون هذا السؤال، لماذا نحن متخلفون؟ لانهم واجهوا صدمة  الحداثة، وظهور  الهزائم الكبيرة في دول شرق أفريقيا والشرق الأوسط مثل ليبيا  والعراق والمغرب وسوريا... الخ بادر رواد الإصلاح كمحمد عبدة والأفغاني والكواكبي...الخ

وطرحوا هذا السؤال منذ قرون لكنهم قمعوا واضطهدوا بدافع توريط الأمة بفن الحداثة أو استعارة أدوات الاستعمار وغيرها.

التخلف الحاصل هو تخلف إساسه عقلي، قصور في البنية العقلية والإبداعية لمفكري ومواطني العرب، لا لانهم ليسوا فاهمين أو مدركين أو غير قادرين على التطور بل لانهم عاشوا تحت وطاءة منظومة تخلت عن العقل، أو بالأحرى استعاضت عن العقل والعلم بأدبيات ماورائية أو دينية.

السؤال الذي طرحه اليابانيين انفسهم في عام 1890_1900 حينما بعث الإمبراطور الياباني وفدا إلى الغرب ليكتشفوا لماذا هم متخلفون ولماذا الغرب متطور؟ الطلبة اليابانيون قاموا بدراسة المتجمعات الأوربية وخرجوا بأهم خلاصة ممكن أن تضع حدا فاصلا بين (الجهل والتراجع وبين  والتقدم) خلصوا إلى أن (التعليم النظامي العصري الحقيقي هو من ساهم إلى درجة كافية وكبيرة في تطورهم) شرع الإمبراطور الياباني في وضع هياكل المدرسة العصرية في اليابان بعد صراع مرير مع الساموراي وقوى التقليد اليابانية الرافضة للتجديد

العرب انفسهم والى الأن حينما يهاجرون يوفدون، يختلطون يعطوك صورة واضحة عن أسباب تقدم واربا والغرب لكنهم لما يرجعوا وان كانوا مختصين لا يبادروا في شيء من هذا ولا يضعون أسس تلك المدارس كتجارب ناجحة في تقدم الأمم لأسباب أهمها انهم يواجهون بالتقاليد والتحفظ والقوى الدينينة والماورائيات السائدة.

ان هذا يعزز فرضية فشل التقدم من الداخل، أي فرضية فشل منظومة الداخل نحو التقدم والأبداع، وليس كما يتصور البعض أن الفشل ناتج جراء خطوات تأمريه غيبية تقع على رؤوس تلك البلدان وتسبب لهم الفشل، بل هو العكس إن فشل الداخل نحو التجديد وصناعة الأبداع الصناعي والتكنلوجي هو الأصل في إخفاق تلك الأمم من بناء نفسها بصورة مستقلة عن الآخر، وحاجتها الدائمة إلى الغرب صناعيا وزراعيا وتكنلوجيا... الخ إن فشل التحديث من الداخل هو المعرقل الأساس لعدم صناعة تقدم حقيقي.

الأنظمة:

الأنظمة الشمولية والديكتاتورية والمستبدة التي قادت الدول العربية ومن ضمنها العراق هي أساس في عدم تقدم تلك البلدان وسبب تراجعها، بينما الأنظمة الديمقراطية حققت طفرات نوعية مذهلة في صناعة فرد يتمتع بقدرات إبداعية تنمي وتعزز واقع المجتمع، وكذلك تعطي إرهاصات التقدم والتحفيز الأساسي لخطوات تطورية ناضجة، نظامنا الحالي هجين، لا يمكن تسميته بانه نظاما ديمقراطيا بحت ولا يمكن أيضا إضفاء الطابع الشمولي عليه، لأنه ببساطة لا نظام مزيج غير متوازن من التعددية غير المنتجة لشيء مع سلطة حاكمة محدودة ضمن اطار أفراد متسلطين غير مفكرين وغير منتجين ولا متطلعين وليسوا قادرين على صناعة سياسة ولا مستقبل صناعي أو تكنلوجي متطور، هم انفسهم على الهامش فكيف يكونوا مصدر للتطور والتطلع، وهذا سبب أكيد وآخر ضمن أسباب إخفاقاتنا المتكررة.

استند المسلمون تحديدا وضمن نسق يكاد يكون متفق عليه بين جميع المذاهب على إن أساس العلوم الشرعية والماورائيات هي الاسمى والأكثر تأثيرا في والواقع والحياة وبناء الفرد، اكثر اهمية وقوة من انساق التفكير والعقل، فجعلوا العلوم الشرعية والغيبية اعلى مرتبة من العلوم العقلية والعلمية، واعتبروا العقل تابع وليس حافز أساس للتطور والأبداع، تابع إلى منهاج موحد متفق عليه وهو ذلك النسق الشرعي، فما اختلف مع الأبدية الشرعية من إرهاصات العقل يجب إن يرفض لان هذا ما يسبب قاعدة تزاحم النص المقدس ولا أولوية تعلوا على النص، فيرفض العقل وان كان مبدعا في سياقاته التطورية، باعتبار العقل ناقص والنص مطلق.

لذلك اغلق المسلمون منذ القرن الرابع ذلك النسق ولم يعترفوا به إلا ابن رشد وبالتالي ماذا جنى ابن رشد؟ سوى التنكيل والتحقير والنفي وحرق جميع مؤلفاته!

ازدواجية الماضي:

كل مظاهر التحديث والتقدم الأوربي أو حتى الاستعماري والإمبريالي، جوبهت من قبل العرب  بمصطلحات متعددة منها الإمبريالية، أو الحداثوية المدمرة، المؤامرة وكل تلك المظاهر كانت عبارة عن مغريات هادفة لتهديم كيان الأمة والمجتمع والفرد والدين...الخ كما يزعمون، بينما الواقع رضخ الجميع وتنازل عن كل تلك المصطلحات الرنانة والتهم المستمرة بالتوجيه ضد الغرب حينما دعت الحاجة والورطة التي ورطوا انفسهم  بها بسبق التفسير غير المنطقي لتلك الحضارة ، فوقعوا في مازق الرفض والاتهام من جهة ومن جهة أخرى في مازق الضرورة.

الضرورة التي تعني:- إن العرب لم يستعطوا غلب  تلك المؤامرة والإمبريالية ولا تلك العولمة بناتج محلي يستطيع أن ينافس تلك المنتجات الحياتية والنفسية، ولا واحد بالمئة بل وقعوا في مازق اللابد منه إذ استخدموا الهاتف النقال وسكة القطار والكهرباء، وأنظمة معالجة المياه، وأجهزة التلفاز ومختلف الآلات الصناعية في حياتهم اليومية واستوردوها من الغرب الكافر، ومن الأنظمة التي نعتوها با الاستعمارية والإمبريالية.

لماذا هذا حصل؟

لانهم اخفوا جانب العقل وانكروا الرهان به كونه منظومة مستقلة قادرة على الأبداع خارج نسق السياق الديني أو النص المطلق، لم يتركوا أولوية العقل والتفكير والأبداع اعلى من أولوية الجانب الماورائي والغيبي والديني بل حصل العكس، فصارت دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط مستوردين اكثر مما هم منتجين، ووقعوا في مازق الحداثة من جهة وفي مازق مخالفة النص، فصار الازدواج السمة الرصينة داخل تلك المجتمعات فاضحت قدراتهم مرتبكة غير قادرة على تقديم منتج يعزز وجودهم الحياتي وينافس منتجات العالم الآخر وحينها وقفوا مذهولين منكسرين أمام ألة الحرب والتكنلوجيا التي صنعها الغرب.

بترول التخلف:

كرس التخلف العربي ناتجه الضحل من خلال البترول! بينما وجد في تلك القارة اعظم مخزون استراتيجي للبترول  لكن العرب ماذا فعلوا؟ بدلا من تطويع أموال تلك المنتجات إلى البحث العلمي، صاروا يعززون بها أنظمتهم الشمولية والاستبدادية، وتحولوا من واقع الاستيراد للأنظمة التكنلوجيا الحديثة إلى حالة الهجوم البدوي! فاصبحوا يصدرون البداوة والتخلف  إلى الخارج بأموال ذلك البترول، فأنشئوا  الأنظمة والحركات المتشددة وأسسوا حركات متطرفة، وأعادوا انتتاج ماضيهم في أذهان مواطنيهم ومن ثم صدروها كحركات مسلحة ومتعصبة إلى الخارج كالوهابية مثلا أو الإخوان المسلمين بصفة عامة، فبدل التركيز على المعرفة العلمية التي من خلالها يستطيعون أن يصدروا العلم استعاضوا عنها بالأنظمة المتطرفة ليصدروا مزيدا من تراجعهم العلمي والقيمي والإنساني كمؤشر يلاحظ من خلاله النسب والتفاوت بينهم وبين الدول الأوربية بصورة ملحوظة، فيصدر المواد الخام ويستورد المواد المصنعة من الخارج دون أن يقوم بفعل أخر سوى تصدير التشدد ونظريات المؤامرة هذا كل ما يفعلوه فقط.

معايير:

عالميا البحث العلمي المعتمد عالميا لكل دولة لغرض البحوث والتطور التكنلوجي والفكري العلمي يقدر بحدود 2%  من الناتج المحلي الإجمالي لتلك الدول، دول أفريقيا والشرق الأوسط كلها مجتمعة تنفق ما يقارب 0،03 فقط من الناتج القومي الإجمالي، ( سوريا، لبنان، السعودية ، تونس ) تنفق ما يقارب 0،01% احدى الدول الأوربية تنفق ما يقارب 4.7% للبحث العلمي الحقيقي، وليس للأبحاث الفاترة الباهتة التي تقدم اليوم كمشاريع لنيل شهادة الماجستير والدكتوراه وتضع على الرفوف في خانة الحجر والفهرست وكأن هدفها فقط نيل الدرجة العلمية وهي خالية من أي محتوى علمي حقيقي وبعضها نسخ ولصق كما يجري من طلبة الدراسات المبتعثين لدول العالم أو حتى الداخل، وان كانت تحوي مضمون بحثي هادف وحقيقي لا يتم النظر لها أو الاهتمام بها كبحث أصيل لتطوير الواقع التقدمي للبلد والمجتمع، إن هذه الدولة التي تنفق عل  بحوثها العلمية 4،7  حصيلتها أنها الآن تفوقت على ثلاث دول كبرى بثلاث اختصاصات علمية حائزة فيها على المرتبة الأولى بالعالم.

هل نحن متخلفون ؟

الجواب نعم وكلا

أن شعوب شمال أفريقيا والشرق الأوسط والمسلمون عموما ينظرون إلى انفسهم انهم افضل من الغرب، لماذا؟ لسبب واحد انهم مسلمون وهؤلاء ليسوا  بمسلمين، هذا هو المعيار الوحيد الذي يتفق عليه جميع هؤلاء بالتقدم بينما هم يعترفوا واقعا بتراجعهم العلمي قبال شعوب اوربا والدول المتقدمة، ويعترفون بالتخلف تجاه ترسانتهم العلمية والثقافية.

ترسانة الماضي، وواقع الحاضر:

أمم العالم المتحضر حينما تصطدم بعقبة أو مازق أما تقفزها وتنظر إلى الأمام او تكثف كامل طاقتها العلمية والعقلية بالبحث والاستقصاء والتداول والتجارب لغرض عبور تلك الأزمات، والحال هذا واضح بالأزمات الاقتصادية وأزمات الكوارث الطبيعية، والفواجع التي تتعرض عرضت لها الأمم على طول التاريخ والتي منها كارثة اليابان نتيجة القنبلة النووية.

المسلمون العرب حينما يتعرضون إلى أزمات خانقة، أو كوارث، أو مازق أيا كانوا نوعه، ماذا يفعلون؟

يرجعون إلى الماضي، ليبحثوا عن حلول تسعفهم لمواجهة أزمة الحاضر، ما ذا يحصل؟ لن يجدون الحلول ويبقون في ازمتهم منتظرين حلول من الغرب الذي ينعتوه بالكفر والتحلل والتآمر عليهم، وبنفس الوقت يبقون بالماضي ظنا منهم انه العصر الذهبي القديم الذي كانت به أروع أنواع التجلي الديني، وبالحقيقة هو لم يكن كذلك بل أوهموا وتوهموا بانه احد العصور الذهبية وزورا التاريخ ومن ثم  احتال التاريخ عليهم ، إذ كان ضمن اكثر العصور استعبادا وسبيا وقتلا، لذلك هم لن يجدوا حلا لمازقهم من خلال رجوعهم إلى 1400 من  الماضي الديني وكذلك لن يسعفهم الماضي بان يرجعوا إلى حيث كانوا ضمن واقع الحال والحاضر. فما الذي حصل؟ حصل أن :- شعوب الشرق الأوسط ظلت بالماضي ولا تعرف كيف تخرج منه الآن وسوف لن تخرج منه.

فتكرست مفاهيم الاستعباد والاستبداد وعدم القطرة على النضوج العقلي والرؤية المستقبلية لإنتاج ورفض الأفكار أو تكنلوجيا الغربية بداعي التورط بها كونها من دول الكفر بينما الحقيقة أن دول الكفر هذه تقدمت كثيرا عما نحن عليه ونستخدم كل منتجهم القادم الينا منهم ولازلنا نرفضهم بل نعتبر انفسنا افضل منهم لان هناك من رسخ في ضمائرنا امرين:

الأول: أن كل ما تنتجه الدول المتقدمة من أسس علمية تمثل قوة لها وقوة لنا حينما نستوردها منهم وتشغل مساحات واسعة من حياتنا ورفاهيتنا ما هي إلا متاع زائل لا يجب النظر اليه بعين الاهتمام والتقليد لأنه ليس أسا في الحياة بل هناك أمامنا مسيرة اهم من إنتاجهم هذا ومن ما نستخدمه وما يعزز لديهم التقدم العلمي، أن مسيرتنا ليست هنا بل هي بعد تلك الحياة عند الممات، فلابد النظر بعين اللا اهتمام لكل تلك المنجزات التي قدمت إلى البشرية الرفاهية والرخاء أو القوة والاستعداد لأي طارئ والدفاع عن نفسها بقوة، ولنبقى نحن نستورد منهم تلك المنتجات لأننا في رحلة ضمن هذه الحياة ورحلة قصيرة فلابد أن نتخطاها حتى ولو كنا متخلفين فمهامنا ستبدأ  بعد الموت!!

الثاني:- يكفي أننا مسلمون وهم غير مسلمين  وهذه هي الأفضلية الأساسية في القياس في رقينا وعدم تخلفنا عنهم،  أعطيت صورة وهمية ضبابية عن الماضي ومن خلالها تم استخدامها لأجل العصور الحاضرة، مهما  ما نتجوا وما تقدموا وما أحاطوا من تكنلوجيا وبحوث ونسق ضامن للعلاقات الاجتماعية وفقا للقوانين الوضعية، او للأسس الفلسفية او البحوث العلمية، يبقون دول أوربا والدول المتقدمة  هم دون مستوى تخلفنا وجهلنا، لأننا مسلمون وهم ليسوا كذلك وهذا يكفي أننا افضل منهم. بهذه الطريقة أعطيت صورة وهمية عن ذواتنا وعن الآخرين و  تم إزاحة العقل عن مرمى الإنتاج والإبداع وتقدموا  هم وتخلفنا نحن.

الدين هو الدولة:

ضمن كل المقاربات المشار اليها سابقا وضمن المنطلقات التي انطلق بها الإخوان المسلمين في مصر عام 1928 وتبعهم بعدها معظم المذاهب الأخرى، وأوقعوا الجميع في ازمه نفسية وعلمية خانقة، إذ من جهة طراز الماضي وعدم قدرته في تجاوز عقبات الحاضر ولا مطابقته في انتاج نظريات تساير المد الحداثوي ولا الأزماتي ولا الفردي ضمن صناعة الأمم المتقدمة او دول العالم المتحضر، فجعلت تلك النظرية الارتباك مفاهيمي ومصداقي عال الهوة بين الواقع وبين الماضي يضاف اليه أبجديات الانحراف والتخلف الماضوي وإرهاصاته الظالمة في عهد الدولة العباسية والأموية وما تلتها من إمبراطوريات أخرى. فالدمج هذا ولد منظموه مرعبة من التشابك الذي يحمل سمات التراجع التراكمي للفرد والمجتمع وانزياح تام للتقدم العلمي على حساب الخرافة والتجهيل والتأخر التكنلوجي، وحكم أطاره بالعلاقات الاجتماعية أيضا فلا حصة للفرد بين المجتمع إلا ضمن حدود نسق الجماعة لان الجماعة مستمدة قوتها من النص والنص الديني مقدس وابدي، واي اختلاف في نشاط الفرد الفكري او العلمي هو خروج عن نسق الجماعي وكما عرفنا الخروج يعني خروجا عن النسق المقدس المطلق وهذا ما يعرف بالنعوت المعلومة كأمثال التكفير والزندقة والتفسييق، وبهذا كان حفاظا على نسق العلاقات ضمن النسق المقدس غير ذلك أي نسق هو منبوذ مطرود خارج عن حدود الملة والجماعة.

لا اعترف ابدي بالفرد ضمن أدبيات الإخوان المسلمين ولا أدبيات النص المقدس واي خروج عنه هو مثابة خروج عن الجماعة وعن المقدس، وبذلك غلت أيدي الأفراد واصبح النسق الثابت هو الانسياق فقط إلى رهبانية الحكم والحاكم وقداسته، لا إمكانية الفرد وكرامته فضاعت الدولة ضمن هذا الابتلاع ولم تحصل المجتمعات على حرياتها ولا على أنظمة المؤسسات المتقدمة كي تنتج مسارات تقدمية وعلمية هادفة الى حصول طفرات نوعيي في تقدم كيان الدولة والحصول على رفاهية المجتمع وكرامته وحقوقه.

وصار العارض ضمن أدبيات تلك الجماعات هو ما عرض للجماعة ومعارض لنصوص الجماعة التي هي بطبيعة الحال مقدسة فاصبح معارضا دينينا بينما هو والحال كذلك هو معارض سياسي وليس ديني هكذا بنيت أنظمة الإسلام السياسي ادبياتها في أقصاء الآخرين، وإخفاقها في بناء دولة متطورة محكومة بمؤسسات رصينة، وأفراد يمتلكون طاقات خلاقة في انتاج بحوث وتقدم علمي منشود وصار الأفراد متلزمون ضمن مفاهيم الجماعة الايدلوجية لا يمكن لهم الخروج عن نسقها ولا يمكن لهم التفكير خارج ذلك النسق فهم محكومون ضمن الجماعة والجماعة محكومة ضمن النص المقدس والمطلق فصارت الحرية غير متاحة وغير مباحة لا بالتفكير ولا بالانتاج ولا بالتطوير الا ان تكون ضمن سياقات الجماعة وهذا ما يطلق عليه اسم (العبودية الطوعية)، وبذلك تخلفنا وتقدم الغرب.

من نحن؟

كي نعرف ذواتنا بصورة اكثر دقة لابد لنا الخروج من صلب الاجماع الايدلوجي، وان خرجنا من صلب الاجماع يكون من الممكن ان كل فرد منا يحقق ذاته بالطريقة التي يراها ممكنة في تطوير ذاته ومنطلقاته ووسائل حياته وحتى ممكنات الإنتاج لديه.

هناك فرق بين من نحن، وبين ما ليس نحن.... وكما يعبر صامويل صاحب كتاب صدام الحضارات نحن لا نعرف من نحن إلا عندما نعرف ما ليبس نحن.

الأخرون من الدول المتقدمة ليسوا كما يظنهم البعض انهم خارج سياق الوضع التاريخي الديني، هذا امر مستحيل، نعم هناك مجموعات لا دينية، ملحدة، غير ذلك هذا لايهم لكن الواجب معرفته ان معظمهم دول متدينة، متدينة يعني تؤمن بأحد الأديان التوحدية ( المسيحية ، الإسلامية، اليهودية ) الفارق لدينا أين؟ نحن افضل منهم وان كنا متخلفين علميا وتكنلوجيا وفكريا لاننا فقط مسلمون، هذا هو الانطباع السائد في أقصاء جميع أمم الكرة الأرضية، بل تعدى هذا الأمر ذلك وشمل المذاهب أيضا ضمن الدين الواحد.

هم أيضا لديهم ذلك التعصب لدى بعض حركاتهم المتشددة ولدى منظماتهم السرية، حتى اني في احد التقارير التي اطلعت عليها ان هناك صحفية ذهبت لتوثيق حياة اليهود في احدى الأماكن التي تحوي التشدد الديني فقاموا بطردها لعدم ارتداءها الحجاب ونعتها بالعلمانية. هذا امر حاصل في معظم الحركات الدينية والمتشددة منها، لكن ملاحظة الفارق هو يكون ضمن سياق التفكير والعمل والانتاج.

غلب على دول اوربا مع احتفاظهم بالدين الذي يعتنقون غلب عليهم دافع الأبداع والتفكير والإنتاج ضمن خط حياتي واضح وملموس وهو المادية، أي العثور على افضل مرتب وافضل مكسب مالي، وافضل عمل، وافضل حياة طريقة معيشة، لا يتم النظر الى الدين كوسيلة لجني الربح ولا كمعيار لكسب المال، الدين شيء شخصي كما هي الدولة أيضا لا تعير لتلك التفصيلة معيار في إبراز طاقات الأفراد وطرائق تفكيرهم انعكس ذلك على طريقة فهمهم للحياة فاصحوا كمادة منسجمة تماما مع الطبيعة غير مفصولة عنها ببعد ماورائي وكجزء حقيقي من حقل تجاربها فاصبحوا جزءا من الإنتاج لها، أي للحياة، وجزئا للإنتاج الفكري والثقافي والعلمي والتكنلوجي، ذلك الجزء الذ هم البشر يهدف إن يحصل على مال وفير وكلما زاد المال زاد إنتاجه وكلما ابدع اكثر واخترع زادت فرص رخاؤه وحياته السعيدة ينعكس ذلك لو عممناه على جميع الأفراد فيتولد الإبداع والصناعة والتكنلوجيا والتقدم والتطور بغض النظر عن البعد الماورائي والاحتفاظ به بصورة شخصية وفردية لكل فرد له اعتناقه الخاص.

أما نحن طالما عرفنا ما ليس نحن

فان طرائق إنتاجنا تكاد تكون هزيلة ان لم تكن معدومة، لان نظرتنا تكمن من حيث الجماعة والجماعة محاطة بنص مقدس فأي خروج عن الجماعة يعتبر خروج عن النص هذا من جانب والجانب الإبداعي يكمن في أقصائه من جانب الدولة او المنظومة الحاكمة لأنها لا تفكر بعقلية الإبداع او الاختراع أو الطرائق العلمية بل خاضعة إلى فرضيات الحلول الأنية من جهة وفرضيات  الجانب المقدس من جهة أخرى، فهي نائمة أيضا في ثنايا الماضي منتظرة عند كل مازق أن يأتيها الحل من أبا عبيدة عمر ابن الجراح أو من خالد بن الوليد. وصار الفرد ضمن تلك المنظومتين يعمل بأقصى جهده لا لغرض الإبداع أو الحصول على مراتب طموحة وإبداعية في الإنتاج صار نائما تحت وطئه الماضي يكافح من اجل قوت يومه كمستهلك وليس كفرد منتج لان مزايا الإنتاج أصلا معدومة وغير مهيأة لا بنفسية ذلك الفرد ولا بايدلوجية الدولة نفسها وبالتالي فلا غرابة أن نعترف باننا تخلفنا كثيرا، وان نعيد هذا السؤال في كل لحظة على ذاتنا لماذا نحن هكذا متراجعون ولماذا الغرب يتطور ومتقدم عنا.

 

انور الموسوي

 

 

في المثقف اليوم