أقلام حرة

أنور الموسوي: إمريكا تصنع الديمقراطية في العراق

انور الموسويالسياق التأريخي لمجمل الظروف السابقة لبلد مثل العراق، يعطينا انطباعات سيئة، رسخت في عقولنا عصور من الانقلابات والفوضى والاحتلال.

كان العراق بلدًا محتلًا…وهذا ينتج عنه صيرورة حتمية لضعف القرار الوطني والسياسي وانعدام مؤهلات الرفاه والتطور والتقدم.

وكان العراق ديكتاتورياً وهذا ما ينتج عنه انهزامات نفسية وعلاقة عكسية بين المجتمع نفسه وبين المجتمع والسلطة.

مجمل الظروف المركبة خلقت للعراق بيئة غير مستقرة، حتى بعد عام ٢٠٠٣ وما تلاها.

فجاءت فكرة الديمقراطية والحكم بالشراكة، على أعتاب أنقاض رهيبة من البؤس والخوف والتصحر.

لكن: هل نجحت التجربة السياسية " الديمقراطية " بعد عام ٢٠٠٣؟

الإجابة كلا.

كانت إيما سكاي المستشارة الامريكية للحاكم المدني بول بريمير تقول: (كان لدي الكثير مما يمكن ان اتذكره عن ايام عملي في العراق، لكن ليس من بينها المساهمة في بناء الديمقراطيّة)

بمعنى: ان قوات الاحتلال الامريكي وتحالفها لم يسهم في صناعة ديمقراطية، وما يترتب على الديمقراطية مبانٍ كبيرة وطريق طويل من النضال.

فجائت النتيجة مخيبة للآمال، وغير مريحة وانعكس ذلك تماماً على سوء الأوضاع ومزيداً من التراجع.

تأتي هنا وظيفة الشعوب، هي من يجب عليها ان تؤسس للديمقراطية، ان الجماهير العاقلة المستوعبة لتسلسل المراحل،  قادرة تماماً على صناعة تجربة وطنية تحت فهم صحيح للشراكة والتأصيل الديمقراطي، وهذه هي لَبنة بناء الدولة.

لكن السؤال الأهم اي نوعٍ من الديمقراطية نحن نتكلم عنه ونريد صناعته؟.

إن الديمقراطية متعددة ومتباينة ليس كما نظنها فردوسية في حال صناعتها بالمقلوب!  كالديمقراطية الفرنسية في عهد الجمهورية الرابعة والديمقراطية الامريكية في عهد المكارثية، والديمقراطية الايطالية في عهد استئثار الديمقراطيين المسيحيين بالسلطة،وديمقراطية روسيا….

صناعة الوعي الديمقراطي يختلف تماماً عن الحديث حول مشكلات الديمقراطية نفسها.

فالحديث عن مشكلات الديمقراطية، حديث يختلف تماماً عن اشكالياتها.  كما يقول (جورج طرابيشي)

الفكر الناتج من الشعبوية الجماهيرية العربية يؤبلس الديمقراطية تماماً، يخلق نظامًا فصاميًا بينها وبين السلطة.

يؤسس إلى: حالة فصل بين نظام الجماهير السائدة، ونظام الحكم، لايمكن ان تنضج الديمقراطية في ضمير شعبٍ ما إلا لو صارت نظامًا اجتماعياً سائدًا،قبل ان تصبح نظام حكم.

وتلك وظيفة الشعوب، اي وظيفة النخبة في صناعة طبقات متحضرة تؤسس لفهم ديمقراطي أجتماعي يسود، ليخلق توأمة اعتيادية لنظام الحكم.

وبتلك المعادلة تتحقق أهداف الديمقراطية بشكلها الصحيح.

اما كيفية صناعتها ووفقًا لأي معايير، فهذا حديثٌ منفصل، ربما نخصص له مقالة في القادم ان شاء الله.

فلا إمريكا ولا اي دولة أخرى في المنطقة لها فضلٌ علينا في تطوير أهدافنا ودقة وعينا، وصناعتنا لواقعٍ متحضر يتسم بالسلام والتطور والانفتاح على الآخر وفقًا لسياسة ديمقراطية فعالة وناضجة.

نحن فقط كشعب، يعود الفضل اليه لو نجحنا في صناعة مستقبل بلادنا وتطوير وسائل الإنتاج والآليات السياسية لإنتاج دولة.

 

انور الموسوي

 

 

في المثقف اليوم