تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

محمد حسين النجفي: الـــولاء لمـــن؟

محمد حسين النجفيسألني احد الأصدقاء سؤالا عابراً: لمن تعطي ولائك للوطن او للدين او للطائفة او للقومية او للعقيدة السياسية؟ كنا في مناسبة اجتماعية بين مجموعة من الأصدقاء، والصديق العزيز فاجئني بهذا السؤال امام جمع من الحضور من المعارف والأصدقاء. ولربما سؤال كهذا يحرج او يربك او يؤدي الى اجابات مربكة اوغير مقعنة في معظم الأحيان. لم أتردد في الأجابة عن هذا السؤآل،  لأني سبق أن فكرت به ملياً، ويدور في ذهني كثيراً، خاصة ونحن نعيش في عالم مليئٌ بالصراعات والتناقضات التي في معظمها مفتعلة وتافهة ومؤلمة لجسامة مردوداتها السلبية التي تبقى آثارها لأجيال واجيال قادمة.

مما لا شك به، إننا جميعاً من لحم ودم ومشاعر وتاريخ وذاكرة لا تنمحي منها التجارب الموفقة ومنها الذكريات الأليمة، التي نمر بها في المراحل المتعددة من حياتنا. ولكن الأنسان لديه عقل ومبادئ وآراء سياسية واخلاق وتربية عائلية وإجتماعية تضعه ضمن اطار معين لسلوك ورأي في الحياة يحدد موقفه من الأحداث التي يمر بها واحدة تلو الأخرى، ومن المفروض ان تشكل له حصانة ودرع واقٍ كي لا ينساق بمشاعر عاطفية بحته، والأنضمام الى خندق مناقض للمبادئ الأنسانية.

ولكي استطيع ان اعبر عن موقفي، اود ان اذكر حادثة ربما تبدوا بسيطة إلا انها ربما توضح ما اريد ان اصل اليه. ففي نهاية الستينات من القرن الماضي، وضمن اولمبيات معينة  بكرة القدم، زار بغداد الفريق التركي والفريق اليوناني ليتنافسا على ملعب الشعب في بغداد، من اجل الفوز والأرتقاء الى شبه النهائي او النهائي. ومن الطبيعي جداً ان يكون الجمهور البغدادي، وهو الحاضر الوحيد على مدرجات الملعب، ان يكون مُشجعاً برمته للفريق التركي  بأعتباره فريق الدولة المسلمة والمجاورة للعراق ولوجود تاريخ مشترك لمئات السنين. وهذا ما حصل بالفعل. ولكن بينما بدأ الحماس  يتغلب على الفريقين، اخذ الفريق التركي يلعب بخشونة، تزداد قسوةً لحظة بعد لحظة، من بينه الدفع المتعمد والتكسير، وغير ذلك من اللعب الغير ودي. وكان من الملاحظ ان الجمهور بدأ تدريجياً يفقد حماسه للفريق التركي، ليتحول الى جمهور محايد. الجمهور العراقي بأخلاقه الكريمة وحبه لكرة القدم والاخلاقيات الرياضية، لاحظ ان الفريق اليوناني، احتفظ بأناقته في الملعب، ولم ينجرف ليجابه الفريق التركي بنفس اسلوبه في التكسير المتعمد واللعب دون اخلاق رياضية. في هذه الأثناء بدأت مشاعري تتغير وامنياتي تحولت الى الرغبة في ان يفوز الفريق اليوناني، وليس مستغرباً ان شاركني في ذلك كل الجمهور العراقي في تشجيع الفريق اليوناني الذي فاز بفضل تشجيع مدرجات ملعب الشعب له.

ارجوا ان يكون هذا المثال كافِ لتوضيح لمن يكون ولائي. نعم ومؤكد ان يكون ولائي لأبناء جلدتي، لأبناء وطني، لأبناء طائفتي، لأبناء قوميتي، حينما يكونون على حق، وليس ولاء مطلق غير مشروط. يقول المثل: انا واخي على ابن عمي، وانا وابن عمي على الغريب. وهذا مثالٌ على الولاء المطلق غير المشروط دون معرفة الحق من الباطل. وفي اعتقادي ان هذا القول لازال له انصاره، واتباعه، ومؤيديه للأسف الشديد. وهو ولاء ذو نزعة بدوية غير حضارية.

اذن الولاء الأول والأخير هو للأنسانية، وللأخلاق، وللعدالة، وللحق. طبعاً يبدوا ذلك تهرب ذكي بدل الأجابة بصراحة على السؤآل. وعودة الى سؤال الصديق العزيز، وكما قلت حول سؤآله اذا خُيرت بين الوطن والدين، وبين الدين والطائفة،.... الخ. جوابي كان، اذا كان وطني على حق، وديني على حق، ومذهبي على حق، فإن المفروض ان لا يحدث صراع او تناقض بينهما. واذا حدث صراع او تناقض فيما بينهما، فمن واجبنا ان نتعرف على الحقيقة بحيادية لتحديد الموقف المناسب، وليس على نغمة انا واخي على ابن عمي ..... .

 

محمد حسين النجفي

 

 

في المثقف اليوم