أقلام حرة

ابتهال العربي: رجل يصلي في إحدى شوارع بغداد!!

يُعرض إعلان بخاخ مؤخراً.. ليس معطراً للجو وليس لقتل الحشرات إنما منظف عام وبغض النظر عن إسمه فهو يزيل جميع الأوساخ كما يقال: ينظف كل شيء إلا "البني آدميين" .. طيب ماعلاقة ذلك بموضوعنا؟ هل نتحدث عن مساحيق التنظيف؟ كلا نتحدث عن التبليط.....
مهمة تبليط الشوراع قد أخذت أهمية وإهتمام من قبل المسؤولين والقائمين على هذا الواجب الوطني والإنساني والبيئي لكن لازالت الخدمات متعثرة ومطلب مهم للمواطن العراقي ولعل بعض مناطق بغداد لم يسعفها الإهتمام البيئي لتكون أنظف وأحلى ولايتطلب الأمر إلا تشغيل إيعاز الإهتمام لرفع نفايات أو تبليط شارع فما العائق؟ ربما العائق الوحيد هو إهمالنا... لكي تبَّلِط شارعاً في مدينتك يجب أن تكون نظيفاً ونزيهاً لديك "ولاء لبلدك"، لكن للأسف من السهل على بخاخ أو جل أن ينظِّف وجه أو يدين لكن من المستحيل أن ينظف قلب!! فمهمة تنظيف القلوب أصعب ذلك حين تكون "مريضة" كما قال الشاعر والكاتب اللبناني الكبير ميخائيل نعيمة: عجبت لمن يغسل وجههُ عدة مراتٍ في اليوم ولا يغسل قلبهُ مرة واحدة في السنة!! فهل غسل الوجوه أهم أم غسل القلوب؟ طيب هل يجوز أن يغسل السيد المسؤول وجهه بالماء والصابون ويرتدي بدلته السوداء أو الرمادية ويخرج بكامل أناقته ليظهر أمام الأنظار ووسائل الإعلام في الإجتماعات والمؤتمرات السياسية كأنه نجمٌ لامع في الأرض متناسياً قلبه مآسي كثيرة خلفه؟... بالتأكيد لم يعلم جنابه أنه حين ألقى كلمته عصر ذلك اليوم في أحدى القاعات الكبيرة هنالك رجلاً يرتدي "دشداشة قد ذهب بياضها مع بياض النفوس وزمن القلوب وقف يلقي كلمته هو أيضاً ولكن ليس أمام الوزراء أو الجمهور ولا حتى في المنزل.. بل "في الشارع"!!.. نعم في الشارع لأن منزله لم يسع فرحته الكبيرة، فالأشياء الصغيرة أصبحت كبيرة والحقوق أمست أماني وقد نعتقد أن ذلك الرجل صلَّى ابتهاجاً "بنجاح إبن أو بعودة غائب أو بفوز المنتخب واليوم يومك يابطل" كما نغني، لكنه صلَّى إبتهاجاً "بتبليط شارع"فتلك نعمة وفي عام ٢٠٢٢!! ، قد يكون فرِحاً أو ساخِراً لكنه محق فأول مرة ومنذ سنوات طويلة يُبَّلط هذا الشارع في إحدى مناطق بغداد، "لاعجب من الله لكن عباد الله هم من يأتي منهم العجب"، أما عبيد المنصب والمال الذي يتبعون مذهب الغاية تبرر الوسيلة وأن الدنيا غابة القوي فيها يأكل الضعيف فحدِّث ولاحرج... نحن نعاني من بطالة مقنعة لكنها ليست على مستوى الشباب بل على مستوى أصحاب السلطة شعباً وحكومة مثل ما تقول الأم العراقية: "ياأم حسين جنتي بوحدة وصرتي بأثنين"، هل نتخيل أن الفرد العراقي يعيش اليوم في السويد أو النرويج أو أستراليا فقط لأنها بلدان خضراء وفيها الماء وكذلك الوجوه الحسنة؟ وأجزم ليس من أجل العلاقات مع الفتيات ذوات الجسم الممشوق أو البارات.. ليس فقط ذلك بل أنها بلدان فيها حريات وحقوق وقوانين فيها تبليط وخدمات كل ذلك مانطلق عليه الوطن فالوطن ليس فقط تراب إنما حاضر ومستقبل وقيمة للفرد فبدون قيمة لا معنى للتراب.. هل نتصور أن الفرد العراقي فاشل أو يبحث عن الإنحلال؟ مطلقاً فالإنحلال في كل زمان ومكان وهل بلدنا معصوم من الإنحلال؟ هل نخلو اليوم من وجود الفساد أوتعاطي المخدرات مثلاً؟ كل مانخافه وقعنا فيه كما يقول المثل العراقي: "هذا الخفت منه طحت بي" .
وفي النهاية يصبح السيد المسؤول سيادة والمواطن بلا سيادة بلا حقوق وبلا تبليط وأيضاً بلا وطن لاجئ يقضي فصول السنة في حياة نحس بين أوراق خفيفة من النايلون الأزرق يسمى "خيمة" أو يُرمى في "كامب" ملجأ مؤقت للمُهجَّرين والهاربين من وطنهم، الذين يهربون خوفاً من حاضرهم الأسود وطمعاً بمستقبل رمادي مجهول الملامح وهذه الألوان تماماً مثل ألوان بدلات السيد المسؤول... لكنَّ الألوان أيضاً تحوي قضايا ومعاني مختلفة .

ابتهال العربي

في المثقف اليوم