أقلام حرة

الكتاب الخاوي!!

الأسبوع الأول في كلية الطب، كان المحاضر مصريا وإسمه "طلعت"، وكان يدرّسنا كتابه في المادة التي ندرسها، وبدأ بتعليمنا كيف نقرأه، وأوضح لنا أن المهم الأفكار الأساسية في الكتاب، وما بعدها تفصيل وإسهاب.

أذكر تلك المحاضرة جيدا لأنه سأل مستفهما عن إسم أحد الطلبة وهو من أعماق الأهوار، وكان غريبا بالنسبة له فقال، أريد أن أعرف هل أنه خطأ أم الإسم صحيح، وكان الإسم "تمن"، فقال "إيه يعني إسمه رز"!!

أستمعُ كثيرا لملخصات كتب لخبراء متمرسين بالقراءات السريعة، ويمكنهم أن يقدموا الكتاب مهما كان عدد صفحاته بأقل من ساعة، والسر في ذلك أنهم يقدمون الأفكار الأساسية الكبيرة أو الجوهرية، فمعظم الكتب فيها فكرة واحدة وما عداها حشو ممل لا يقدم نفعا.

وتجدنا أمام أعداد من الأسماء التي يُنسب إليها تأليف عشرات الكتب، وهي تريد الإنتساب إلى حالات معرفية متقدمة، فهل أنها كتب ذات قيمة ثقافية حقا؟

وهل أنها تجد مَن يقرأها؟

معظم الكتب المطبوعة لا يتجاز عددها العشرات أو بضعة مئات لا أكثر، ولا تُشترى إذا عرضت في المكتبات، ومعارض الكتب تكشف هذه العورة بوضوح.

وما يحصل أن مؤلفها يبدأ بإهدائها لمعارفه وحسب!!

فما الفائدة من طباعة كتب لا تنفع؟

يبدو أن الذين أمعنوا في التأليف من أجيال القرن العشرين، الذين يحسبون إغراق السطور بالكلمات يعبر عن ثقافة ومعرفة ستنفع الأجيال، والكتاب يُعرَف من عنوانه، وخير الكلام ما قل ودل، وكم برع أجدادنا بالتلخيص والتكثيف والتركيز، لإيصال الفكرة إلى القارئ، فحتى قبل قرون عندما كان هناك وقت عند الناس، لم تكن قراءة الكتب شائعة.

وهذه من العلل التي نكررها في مسيرة الأجيال، ولا نتعلم منها، فالمهم ليس تأليف الكتاب، وإنما ما نقدمه للقارئ من أفكار وموضوعات لها علاقة ببناء الحياة.

بينما المجتمعات المتطورة تهتم بتوضح الأفكار، وإختصار ما يدل عليها بكلمات تفصح عنها بسهولة وإتقان، أما نحن فنصول على السطور كالحصان الجامح، ونحسب أننا نكتب، فهذا هو العبث!!

فهل لنا أن نكتب ما يُقرأ؟

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم