أقلام حرة

صادق السامرائي: الأمين والمأمون مَن قتلَ مَن؟!!

من أفظع الأخطاء التي إرتكبها هارون الرشيد (170- 193) هجرية، وتدل على قلة خبرة ودراية بالحكم، أنه جعل ولاية العهد لولديه الأمين والمأمون وأضاف إليهما المؤتمن، وتوهم بأنه سيوزع الدولة العباسية فيما بينهم، ويحافظ عليها.

والذي يغفله – عن قصد – المؤرخون أنه قد سلم أمور الدولة للبرامكة منذ أول يوم أصبح فيه خليفة، بعد موت أخيه الهادي المشكوك به، والذي حاول خلعه فوقف إلى جانبه آل برمك، وبسببهم صار خليفة.

هارون الرشيد لم يتعلم من تجربته مع أخيه، الذي حاول خلعه بشتى السبل، وكاد أن يرضخ له لولا البرامكة الذين منعوه.

الأمين والمأمون من أثقف القادة في التأريخ، لأن أباهم  أحضر جهابذة المعارف المعاصرين لتعليمهما منذ الصغر، وكان يُعدّهما لقيادة الدولة.

وما جرى بينهما ليس بين أخوين من أمَّين مختلفتين، وإنما بين العرب والفرس، بين وزير الأمين (الفضل بن الربيع) ووزير المأمون (الفضل بن سهل)، والسعي العارم لدى العرب للحفاظ على هيبتهم وهيمنتهم القيادية.

وتم محق الأمين وذريته بالكامل بواسطة (طاهر بن الحسين)، سنة (198) هجرية، وحُمل رأسه إلى أخيه المأمون في خراسان، وأصاب أمه زبيدة الإذلال الشديد.

ولهذه الحالة وقعها النفسي والسلوكي المروع عند المأمون، فتردد عن القدوم إلى بغداد لسنوات، وأبى أن يولي إبنه العباس من بعده، وعهد بالولاية لأخية المعتصم، الذي أباد ذرية المأمون بعد عودته من عمورية، لتآمر العباس (إبن المأمون) عليه مع عدد من القادة.

فالتأريخ يحدثنا بوضوح أن الإثنين أبيدوا عن بكرة أبيهم، وأفلح الأتراك بالقيادة والهيمنة على الدولة العباسية، فبعدهما تحولت الخلافة إلى صراعات مروعة بين بني العباس، وهي تفاعلات سلبية لم يتعمق فيها المأرخون.

فبعد مقتل الأمين، صار قتل الخلفاء سهلا، والتماحق بين الأخوة والأعمام في ذروته، مما أوجد ثغرة للأغراب ليتسللوا إلى واجهة السلطة والحكم، فأصبح الموالي قادة وأصحاب شأن كبير.

فما جرى كان البوابة التي تسببت بسلسلة من التداعيات الدامية القاسية، الهادفة إلى الجلوس على كرسي الخلافة مهما كان الثمن، حتى ولو بقتل الإبن لأبيه والأخ لأخيه وإبن العم لإبن عمه.

فلا تقل الأمين والمأمون تقاتلا، بل تم قتلهما ومحق ذريتهما، ومضت الخلافة في نسل المعتصم الذي تقاتل العديد منهم وتماحقوا، لكن مسيرتهم تواصلت حتى سقوط بغداد (1258) وما بعدها لسنوات في مصر.

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم