أقلام حرة

صادق السامرائي: الفكرة والتقديم!!

المواقع والصحف تزدحم بالأفكار المنيرة، لكن طرق تقديمها، تساهم في التعتيم عليها ودفنها في تراب الكلمات ورمال العبارات، والكتابات المطولة التدويخية والتمويهية، التي تذر الغبار في العيون والعقول، وتدفع للنفور من المنشور.

العنوان جذاب، وأول فقرة في الخطاب تدعوك للمغادرة والتحرر من إعصار التدويخ والغثيان، الذي سيعصف بكيانك إن تواصلت مع السطور.

الفكرة يمكن إختصارها ببضعة كلمات، ويتم طمرها تحت أهوال العبارات.

فكيف يمكن إيصال الفكرة؟

عصر السرعة الفائقة للصوت، والتواصلات الفياضة الساعية للتعبير الخاطف عن الأفكار والأحداث والتطورات، يدعونا إلى مراجعة أساليب القرن العشرين وما سبقه من القرون السلحفاتية.

البشرية في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، ولا تزال أقلامنا تكتب بآليات القرون الماضيات، ولهذا فالنسبة العظمى من المكتوب لا يُقرأ، ولا يترك أثرا في الواقع القائم، وتجدنا قد كتبنا عن كل شيئ على مدى عقود وما تغير أي شيئ نحو الأفضل، مما يعني فشل الأقلام وفقدان الكلمة لدورها وقيمتها، والسبب يعود للكتّاب أنفسهم.

وعليه فالموقف يستدعي المراجعة والتفاعل الواعي مع عصرنا، لكي نكون أقرب إلى الإنسان المنشغل بأيامه المتوثبة إلى عوالم واعدة بالمستجدات.

الأفكار يجب أن تقدَّم على طبق شهي فيه من المقبلات ما يشد القارئ إليه، ويمنح الفكرة طاقة التفاعل الطيب مع عناصر الحياة، لترسم معالمها وتصنع مسارات ديمومتها، وتواصلها مع غيرها من الأفكار لبناء عمارة الوجود الأصيل.

الأفكار لا يجوز أن تطلق على عواهنها، إنها بحاجة إلى تأليف وإخراج وصياغة مؤثرة في القارئ ليستلهمها ويستوعبها، وأن يجتهد الكاتب بإستحضار المفردات البسيطة الواضحة، والعبارات القصيرة الوافية القادرة على النفاذ اليسير للعقول.

وهذا منهج محرري الصحف في الدول المتقدمة، فهمهم أن تكون الفكرة موضوعة في صياغة تعبيرية واضحة وسهلة الفهم والإستيعاب، فالتعقيد نوع من الهروبية والعجز عن فهم ما يريد الكاتب إيصاله للقارئ.

فهل لنا أن نكتب بمداد الوضوح؟!!

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم