أقلام حرة

علي علي: السرقة والغيرة

يروى أن في أحد الأيام سطت مجموعة (حرامية) على بيت من بيوتات بغداد، وكان خاليا من أهله، وبعد أن شرع أفراد العصابة برزم ماسرقوه، وأثناء مرورهم بالمطبخ وهم خارجون، رأى رئيسهم صحنا فيه مسحوق أبيض، وبدافع الفضول مد سبابته وأخذ (لطعة) منه، ليتبين له أنه "ملح الطعام"، فما كان منه إلا أن يقول لأصحابه: (رجعوا المسروقات جميعها) ففوجئوا بطلبه هذا وسألوه: (ليش عمي؟) أجابهم: (تمالحنا ويه أهل الدار).

هذا ما كان من السراق قديما، فأين منهم سراق اليوم في عراق المقدسات، عراق الأئمة الذين يشد العراقيون اليوم الرحال للذهاب الى زيارتهم مشيا على الأقدام؟ ومايلفت الانتباه، انشغال بعض السراق المشهود بسرقاتهم رسميا، بأداء طقوس مذاهبهم من نذور وزيارات ومناقب، بكل ماأوتوا من تمثيل وتصنع ورياء، متناسين أن الرقيب والحسيب لاتأخذه سنة ولانوم ولاغفلة عما يفعلون.

والغريب أن أغلبهم يدعي الزهد والعفة والأمانة والشرف، في حين أن أعمالهم المنكرة يشهد لها تاريخهم الأسود في السرقات والرشاوى والتحايل والموبقات، بما يفند كل القيم والمثل والخصال الحميدة والأخلاق الرفيعة، لاسيما من هو بتماس مع المال العام في دوائر الدولة ومؤسساتها، أو المال الخاص في أخريات، الأمر الذي يذكرني بسؤال وجواب دار بين اثنين.

إن الخط البياني لأغلب سراقنا بات يرتفع اطرادا مع مناصبهم ودرجاتهم الوظيفية، بشكل كشف كل ألاعيبهم وبهلوانياتهم التي يخفون بها سرقاتهم، حتى صار لعبهم (عالمكشوف) دون مبالاة لنظرة المجتمع إليهم او لما يلوث سمعتهم، وأضحى ديدنهم الولوغ بالسرقات، والبلوغ فيها حدا بعيدا عن معاني الغيرة والشهامة التي يتحلى بها قطاع الطرق و (المسلبجية). فلقد تحصن سراق العراق اليوم بأكثر من حصن وستر وغطاء، وتنوع التخفي خلفها على مستويات عليا في السلم الوظيفي للدولة، ويبدو أنهم (شدوا حيلهم) ليوم مثل هذا، فالمال المسروق استحال الى أملاك وعقارات انتشرت في دول عديدة، كما أن بنوك العديد من دول العالم، أضحت رهينة أرصدتهم وأسهمهم وسنداتهم المالية، وقطعا أولى هذه الدول هي التي نطلق عليها الشقيقة.

اليوم، لو أردنا المقارنة والمقاربة بين مبدأ رئيس الـ (حرامية) في حكايتي آنفا، وبين سراق الـ (عراق الجديد) لرأينا العجب العجاب في طرق سرقتهم المال العام والخاص، ماغلا ثمنه ومارخص، وماخف وزنه وماثقل، على حد سواء، والأمثلة على هذا لاتحصى في مقال ولاتحصر في مقام. فشملت لقمة المواطن البطاقة التموينية، ومفرداتها التي لايستقر بها قرار في وزارة التجارة، مرورا بالابتزازات المتفشية في تعامل موظفي مؤسسات البلد دون استثناء مع المواطن المسكين، كذلك قطاع النفط والنقل والصحة والتربية والزراعة، حيث المشاريع الوهمية والمقاولات الفضائية. ولن يقف تعدادنا للسرقات عند رقم معين ولاينتهي بآخرها وأكبرها، وهي موازنة البلد التي انزلقت في بطون أشخاص معينين. والقائمة تطول في استذكار ما يشيب له الرضيع، من أفانين سراق العراق الجديد.

***

علي علي 

في المثقف اليوم