أقلام حرة

مزهر جبر الساعدي: ملحمة اكتوبر

النضال الفلسطيني ما بعدها لن يكون كما قبلها

ما أن بدأت ملحمة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، إلا وحركت أمريكا، حاملتي طائرات إلى سواحل شرق البحر الأبيض المتوسط؛ بحجة منع إيران وحزب الله من المشاركة مع المقاومة الفلسطينية، في مواجهة، الحرب الإجرامية هذه، ضد الشعب الفلسطيني. إيران تعتمد على ركائز أربع في سياستها الخارجية؛ أولا، القوة والنفوذ وثانيا، الحكمة وثالثا، المصلحة ورابعا، الصبر الاستراتيجي. إيران لن تشترك بطريقة مباشرة، في هذه الحرب إلى جانب المقاومة الفلسطينية، والأسباب يعرفها صناع القرار في البيت الأبيض.

هذا لا يعني أن إيران؛ ليس في وارد تفكيرها واستراتيجيتها؛ دعم المقاومة الفلسطينية، بل العكس هو الصحيح تماما، إنما بطرق أخرى، يتجنبون بها الاصطدام المباشرة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، ومن خلفها أمريكا. أما مواقف حزب الله وأطراف أخرى؛ فمواقفهم قد تكون مختلفة كليا.. إنما في حدود متفق عليها بالإيحاء بين أطراف الصراع، وليس بالاتفاق المباشر، فهذا أمر لم يحصل ولن يحصل. القصف الإسرائيلي على مشفى المعمداني في غزة، جريمة بشعة.. الضحية، المرضى من الأطفال وكبار السن على الأغلب. بايدن حَمّل المقاومة الفلسطينية؛ مسؤولية هذه الجريمة، قائلا؛ حركة حماس هي من قصفت المشفى وليس أنتم مخاطبا الاسرائيليين. في الخطاب ذاته قال إن إسرائيل إن لم تكن موجودة لعملنا على إيجادها. متحديا؛ القوانين الدولية وجميع شرائع الأرض والسماء معا. التصريح هذا لذاته؛ يؤكد أن دولة الاحتلال الإسرائيلي كيان مصطنع؛ لأهداف استعمارية، أمريكا مهمتها الاستراتيجية؛ المحافظة على وجود دولة الاحتلال الإسرائيلي، وإدامة قوتها؛ والمحافظة على أمنها، فقوة دولة الاحتلال الاسرائيلي وأمنها من قوة وأمن أمريكا، في تلاحم تخادمي ونفعي بينهما. السياسة الامريكية والغربية؛ سياسة استعمارية، تغطيتها (بغطاء الديمقراطية)؛ خداع محض، ودولة الاحتلال الاسرائيلي؛ قاعدة انطلاق وسيطرة للغرب بقيادة أمريكا؛ على دول المحيط العربي، وحمايتها واستدامة تفوقها على جوارها العربي، مهمة غربية وأمريكية، خدمة لمصالح أمريكا والغرب على حساب مصالح العرب ومصالح وقضايا الشعب الفلسطيني. فليس غريبا، لكل ذي بصيرة؛ أن يتجمع كل الغرب وأمريكا وراء دعم وإسناد إسرائيل في ما تقوم به في غزة من جرائم إبادة وتهجير وحرمان من جميع عناصر إدامة الحياة؛ من طعام وماء وكهرباء. رؤساء أمريكا والغرب الذين بدأوا يتوافدون على تل أبيب دعما لها في مواصلتها؛ قتل الشعب الفلسطيني في محرقة قل لها نظير في التاريخ الحديث. قاموا بإفساح الطريق كل الطريق لهذه المذابح حتى تأتي على كل الحياة في غزة، إلى أن يتم لإسرائيل ما خططت له قبل البدء بهذه المذبحة؛ في منع إصدار أي قرار أممي لإيقاف هذه الجريمة. أمريكا والغرب؛ عطلا إصدار قرارين لوقف إطلاق النار في غزة، أحدهما روسي والآخر برازيلي؛ الأول بالتصويت في مجلس الأمن الدولي، والثاني باستخدام أمريكا لحق النقض (الفيتو). الموقف الأمريكي والغربي هذا؛ لم يعر أية أهمية؛ للأصوات المنددة والرافضة للجريمة الإسرائيلية على الصعيد العربي والاقليمي والدولي. إنهم يعرفون أن هذه المواقف، لا تتعدى الكلام إلى الفعل، ولا تتحول إلى إجراءات ضد مصالح أمريكا والغرب. فلو كانت هناك إجراءات عربية ضد مصالحهم؛ لكانت مواقفهم مختلفة، ولضغطوا على إسرائيل، ومنعوها من القيام بهذه الجرائم، أو حصرها في الحدود الضيقة، إنما أي من هذا لم يكن له وجود في الواقع الفعلي. الغرب وامريكا على دراية تامة بهذا؛ لذا، اطلقوا العنان لآلة القتل الجهنمي الإسرائيلية، والمصنعة أمريكيا وغربيا؛ في قتل شعب آمن وأعزل، وأقصد هنا المدنيين في غزة. الأمر لا ينحصر بالقتل، بل تعداه إلى تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، أي نكبة تهجير ثانية في القرن الحادي والعشرين. من المهم الاشارة؛ إلى أن المقاومة في غزة تمثل تمثيلا كليا وشاملا وحيا ومنتجا؛ الشعب الفلسطيني؛ لو ترك الاختيار لإرادة الشعب. مخطط التهجير لحكومة دولة الاحتلال الاسرائيلي العنصرية؛ حلم فانتازيا، لا علاقة له، بحقيقة شعب فلسطين. عملية التهجير؛ محكوم عليها بالفشل حتى قبل أن تبدأ.. إنما الأخطر؛ تنفيذ المخطط الصهيوني العنصري في تصفية القضية الفلسطينية؛ بطرق ملتوية غير مباشرة، هناك في السياسة إجراءات خطيرة، مدفونة بين، أو في داخل كتلة من الإجراءات الظاهرة للعيان، بحيث لا تظهر واضحة في الظهور الأول لها على سطح الأحداث، لكنها في الوقت ذاته؛ هي المحركات الدافعة للأحداث، إلى أن يتم تثبيتها كواقع حال لا جدال فيه أو حوله. وزير الدفاع الإسرائيلي قال أمام الكنيست الإسرائيلي؛ إن عملية غزة لها ثلاث مراحل، قصف جوي، اجتياح بري، تصفية حركة حماس. كما أن إسرائيل في تزامن مع هذا التصريح؛ بيًنَت؛ أنها سوف تقطع علاقتها مع قطاع غزة بعد تصفية حركة حماس، وإقامة حكومة بديلة عن حماس. هنا تكمن الخطورة التي تتركز حول الطريقة أو الكيفية التي تتم بموجبها إدارة شؤون غزة والضفة الغربية، وما مصير السلطة الفلسطينية؛ إن قامت إسرائيل بتنفيذ هذه الإجراءات على أرض الواقع، حسب المراقبون؛ يتم إلحاق الإدارة في الضفة الغربية؛ للأردن، ويتم إلحاق إدارة قطاع غزة لمصر. من السابق لزمنه التنبؤ بمآل هذه الإجراءات، إنما تحويلها إلى واقع في غاية الصعوبة.. من وجهة نظري؛ أن الحكومة البديلة عن حكومة حركة حماس؛ سوف تكون جزءا من السلطة الفلسطينية، كما أن وضع السلطة الفلسطينية على الجزء الأقل من الضفة الغربية؛ مهتز أصلا، وأكبر دليل على هذا؛ تظاهرات الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية. يبقى السؤال الأهم والأخطر: هل هناك في جعبة دهاقنة واشنطن وتل ابيب وغيرهما على ارض العرب؛ ما هو غاطس في العتمة، لم يفتح له الباب بعد؛ كي يخرج إلى العلن؟ أما الحديث عن توسع الحرب إلى حرب إقليمية؛ فمن وجهة نظري؛ أنها أمر بعيد الاحتمال إن لم أقل مستحيلا؛ للسبب التالي؛ جميع الدول العربية والإقليمية، ليس في وارد تفكيرها ومخططاتها؛ الدخول في حرب مع إسرائيل.

في الختام أقول بقناعة مطلقة؛ إن الشعب الفلسطيني لن يتخلى عن أرضه مهما كانت الخطط الصهيونية والأمريكية، ومهما كان عدد وحجم المتواطئين معهما، ومهما كانت قوتها وخبثها، ومهما طال عليه وجار الزمان.. كما أن الملحمة الفلسطينية في السابع من اكتوبر، سوف لن يكون بعدها، واقع النضال الفلسطيني، كما كان قبلها.

***

مزهر جبر الساعدي

في المثقف اليوم