أقلام حرة

إسماعيل مكارم: ويستمر الكفاح مهما كثر النباح

عن الوضع الراهن في فلسطين المحتلة والمشرق العربي

تستمر عملية تبادل الأسرى بين الفلسطينيين وقوى الجيش الصهيوني المحتل، مع بروز الفارق الإنساني البشري الواضح بين عملية تعامل الفلسطينيين مع أسرى معركة طوفان الأقصى من مواطني ما تسمى بدولة إسرائيل من جهة ومعاملة جنود النجمة السداسية للمحتجزين والرهائن من الأطفال والشبان الناشئين والنساء من الشعب الفلسطيني من جهة ثانية. لماذا أصر على كلمة محتجزين أو مخطوفين أورهائن لدى العدو الصهيوني؟ سأوضح ذلك. معنى كلمة (سجين) هذا المصطلح الذي تستعمله مصلحة السجون الصهيونية يشير أن هذا الإنسان رجلا كان أم إمرأة - إنسان بلغ سن الرشد وقام بجنحة أو جريمة  يعاقب عليها القانون، وتمت إدانته بتهمة قدمت إليه، وبعد صدور الحكم بحقه، ها هو يقبع في السجن . بينما كل الذين أفرج عنهم من الفلسطينيين، وعشرات بل آلاف الفلسطينيين غيرهم تم إعتقالهم بأمر إداري - أي دون إبراز لائحة الإتهام لهم، أي بعبارة أخرى هم رهائن لدى قوى القهر الصهيونية، كونهم يرفضون نظام الأبارتايد - اي نظام التمييز العنصري، الذي تمارسه قوى الإحتلال من سلطات مدنية أو تشريعية أو بوليصية أو عسكرية، منهم من قبض عليه في بيته، ومنهم من جروه من مقعد الدراسة في مدرسته، ومنهم من أخذوه من صفوف مظاهرة إحتجاج على إحتلال بلدته وأرضه،  وحرمانه لكرامته وسيادته على أرضه...ما يلفت الإنتباه أن بين الرهائن في سجون الإحتلال من النساء والناشئين كثيرون من تلاميذ المدارس، ممن لم يبلغوا بعد سن الرشد. عندما نتحدث نحن هنا أمام مواطني روسيا الإتحادية أن سلطات الإحتلال الصهيوني هناك تقوم بإعتقال أطفال دون سن المدرسة، ودون سن الرشد لا يصدقوننا، جاءت أحداث طوفان الأقصى، وجاءت عملية تبادل الأسرى كي تثبت للعالم قولنا الصحيح هذا.

هناك طفلة فلسطينية من حارة الشيخ جراح ترفض مصلحة السجون الإسرائيلية الإفراج عنها كي لا تثير غضب المستوطنين، الذين في مشاريعهم ترحيل سكان هذا الحي. أما الطفل  الأسير محمد نزال من قرية قباطيا، تم الإفراج عنه ولكن بعد أن حطمت العصابة الصهيونية في السجن حطمت يديه، وأصابعه تحت أثر ضربهم القاسي له بهراوات من حديد، سمعته وهو يتحدث، حيث قال: كنت لا أقدر على الأكل أو الشرب، بل زميل لي كان يطعمني. أما عن معاملة الأسرى من قبل زلم مصلحة السجون الصهيونية فحدث ولا حرج. تخجل زنازين إس إس و أقبية الغيستابو في ألمانيا النازية أمام سلوك رجال السجون في معتقلات الصهاينة، بل يخجل  زلم سجن أبو غريب. كلنا يعرف همجية معتقلات ألمانيا النازية ومعاملة زلم تلك المعتقلات للأسرى والمعتقلين من أبناء الشعوب الأخرى، قساوة رجال القهر وزلم سجون دولة الإحتلال الصهيوني تساوي قساوة زلم إس إس وغيستابو في ألمانيا النازية.المثقف والمطلع على تاريخ الحرب العالمية الثانية يدرك الأسباب والخلفيات الفكرية التي يغذيها فكر التفوق العنصري، والنظرة الدونية نحو أبناء الشعوب والقوميات الأخرى من قبل النازيين، لا غريب في الأمر هنا فالجندي الصهيوني يتشرب فكر التفوق القومي، والعنصري منذ أيام الحضانة والطفولة، ويتشرب ذلك من كتب التاريخ والفلسفة الصهيونية،هذا الوزير الصهيوني أو ذاك يقول بشكل طبيعي موجها كلامه نحو العرب أبناء فلسطين: "أنتم حيوانات بشكل بشر، وعلاقتنا بكم ستكون من هذا المنطلق". هذا هو الفكر المبني على كراهية تجاه كل من هو ليس صهيونيا......

في كل دولة في أوروبا أو أمريكا وغيرهما  يحق للمواطن التحدث بكل حرية عن أي حزب سياسي، ويحق له أن ينتقد أي حركة سياسية في أي دولة أو قطر في العالم، ونظرة الناس والمجتمع نحوه ستبقى ضمن الأمور الطبيعية، ويقولون عنه :إنه إنسان سوي وطبيعي، ولكن يكفي لرجل أم إمرأة أن يقوم بالحديث عن سلوك الحركة الصهيونية، والجرائم التي يقوم بها رجال هذه الحركة من قتل وإغتصاب، وتدمير منازل، وأحياء بالجملة كما شاهدنا أثناء هذه الحرب في غزة ستلصق به عبارة  (معاداة السامية).

تسمع في الأخبار هنا وهناك أن حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي وغيرها وغيرها أنها  حركات راديكالية – إرهابية!!!!. أطرح هنا السؤال الذي طرحه الرئيس الروسي السيد فلاديمير بوتين – (ماذا أبقت السياسة الدولية بزعامة أمريكا، ماذا أبقت من حقوق للشعب الفلسطيني؟) لقد إنتظر الشعب الفلسطيني 30 عاما لإقامة دولته المستقلة. وماذا قدمت السياسة الدولية بزعامة الغرب وأمريكا سوى الوعود، بل الوعود الكاذبة. صدرت قرارات هامة بل العشرات من قرارات الأمم المتحدة حول حق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة، ولكن دولة إسرائيل لا سمعت ولا رأت. وكما يقول المثل الروسي الشعبي: مهما صرخنا على القط (فاسيا) فهو يأكل ويشرب، ولا عنده أي هم  من صراخنا.

هناك تناقض واضح في صناعة الخبر لدى بعض المحطات في وطني الثاني - روسيا الإتحادية.عندما تقوم القوات النازية الجديدة  في أوكرانيا بقصف البيوت، والأسواق، والمشافي، والجامعات، والجسور، والمؤسسات المدنية، في الدونباص او جزيرة القرم، وتقوم باغتيال المدنيين تسمي هذه المحطات الروسية، وهي محقة بذلك، تسمي هذا السلوك إرهابا. وأنا لا أختلف مع هذه المحطات في ذلك. ولكن عندما تقوم قوى الجيش الصهيوني بأعمال هي أكثر بشاعة، وأكثر تدميرا، في غزة أو الضفة من تدمير ممنهج للمنازل - مربعا بعد مربع، وحيا بعد حي، وبناية بعد بناية لا تقوم محطات روسية معينة بتسمية الأمور هنا بأسمائها، بل تغض الطرف، وتغمض العين عن ذلك، وتسمي هذا من الأمور التي ترافق أي عمل  حربي. هنا يمكن لي أن أقول وبكل صراحة: أن صناعة الأخبار في بعض محطات البث في روسيا الإتحادية لا تعكس موقف وزارة الخارجية الروسية، ولا تعكس موقف السيد الرئيس فلاديمير بوتين، بل هي خدمة مقدمة الى اللوبي الصهيوني.

إذا كان القهر في السجون والمعتقلات الصهيونية يوجد وراءه هدف -  وهو ترهيب العرب الفلسطينيين، وجعلهم يستسلمون للحكم والاستبداد الصهيوني. فإن تدمير البيوت في غزة والضفة وغيرها من المواقع في فلسطين المحتلة، مع أسلوب القتل الجماعي، بل منهج الإبادة الجماعية فوراءه هدف وهو - التهجير أي ترانسفير إلى سيناء والأردن وحتى إلى لبنان والعراق. نستنتج من ذلك أن وراء كل شكل من أشكال القتل، أو القهر، أو الإغتصاب، أو الدمار يوجد هدف - وهو (سيادة العنصر الصهيوني، والتوسع على حساب الآخرين) وهذا ما قامت به الدولة الصهيونية خلال 75 عاما، أي  منذ أن تأسست بناء على قرارالأمم المتحدة بشأن تقسيم أرض فلسطبن وبناء دولتين: عربية، ويهودية.

من المشاريع التي يرفع الستار عنها وتتضح معالمها يوما بعد يوم هي تسفير أو تهجير سكان القطاع - قطاع غزة إلى سيناء المصرية، والعمل على إستقبال ملايين من المهاجرين الصهاينة الجدد، وبناء مدينة كبرى مكان مدينة غزة وتسمى  نوفوسيتي. والأمر الآخر الذي يحلم به زعماء صهيون اليوم هو تقديم شكوى إلى المؤسسات الدولية بطلب  لتقديم تعويض لدولة إسرائيل عن هجرة اليهود من البلدان العربية، هذه الهجرة التي شجعها، ودعمها، وقادها، رجال الحركة الصهيونية ومنذ أيام تأسيسها الأولى بغرض بناء دولة إسرائيل. المشروع فيه مطالبة للتعويض عن أرزاق اليهود في السعودية، والعراق، ومصر، وسورية وغيرها من الدول العربية، هذا هو رد إسرائيل على بعض السفراء العرب الذين سرا يواجهون سفراء دولة الإحتلال، ويوشوشون في آذانهم:  (نحن معكم، ولكن لا تخبروا أحدا عن ذلك. أسترونا) !!!!! للكلام بقية.

***

بقلم الدكتور إسماعيل مكارم

في المثقف اليوم