أقلام حرة

الطيب النقر: في دفع الصائل

الدفاع الشرعى هو استعمال القوة لرد الباغى المعتدي، وكفه عن النفر والعرض والمال والوطن، وهو صورة خاصة من صور الضرورة التى تدفع صاحبها لاقتراف ماهو محرم، فالقتل حرام شرعاً ولكنه واجباً هنا، والشريعة تبيح الفعل فى هذا الموضع وتحتمه، وللغير أن يعاونه ويعاضده فى الدفاع عن نفسه وعرضه وماله ضد الصائل الذى يريد أن يأخذ ما ليس له عنوة، وينبغى أن يرد عدوان هذا الصائل أو المعتدي بالقدر الذى يكفى لدفع الإعتداء، ولا يترتب على كبح جماع المعتدي، والذب عن النفس والعرض عقوبة في الإسلام والقوانين الوضعية، إلا إذا تجاوز المعتدي عليه حدود المشروع حينها فقط يكون عرضة للإستجواب والمحاكمة، والدفاع الشرعي اصطلح الفقهاء على تسميته بدفع الصائل، والصائل هو الظالم المعتدي الذي يسطو على أموال وأعراض الغير بقصد القهر والإستعلاء، كما اصطلح الفقهاء على تسمية المعتدى عليه مصولاً عليه.

كما عرفه واضعي قانون العقوبات المصري بأنه:”إستعمال القوة اللازمة لصد خطر حال غير مشروع يهدد بألإيذاء حقاً يحميه القانون، وتنص المادة مائتان خمسه وأربعون من قانون العقوبات المصري على أنه:”لا عقوبة مطلقاً على من قتل غيره، أو أصابه بجراح، أو ضربه، أثناء إستعمال حق الدفاع الشرعي عن نفسه، أو عن نفس غيره.

والأصل في دفع الصائل قوله تعالى: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾البقرة:194. وما أخرجه أبوداؤد وصححه الترمذى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:”من قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد”، وما أخرجه البخاري في الحديث الذي رواه أبوهريرة رضي الله عنه قال:قال أبوالقاسم صلى الله عليه وسلم :”لو أن أمرأً أطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح”، “وكما أقرت الشريعة دفع الصائل لرد اعتدائه عن نفس الدافع أو عرضه أو ماله، كذلك أقرته لدفع الاعتداء عن نفس الغير أو عرضه أو ماله، لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي أخرجه البخاري أيضاً: “انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً”.

وقد اتفق جمهور الفقهاء على أن دفع الصائل واجب يفرضه الدين، وتقضتيه النخوه والشرف، فإذا تعرض رجل ألهبت الشهوة جسده المسعور لإمرأة كما يحدث الآن، ولم تجد تلك المرأة مناصاً لرده إلا بالقتل فلها ذلك، لأن التمكين منها أمر لا ترتضيه جوانب الأرض، وخوافق السماء، “فإنه يجب عليها أن تدفع عن نفسها إن أمكنها ذلك، لأن التمكين منها محرم وفى ترك الدفع نوع تمكين منها للمتعدى” ومن قضاء عمر رضي الله عنه فى هذا الصدد ما رواه أحمد بن حنبل رحمه الله: أن رجلاً أضاف ناساً من هذيل، فراود أحدهم امرأة على نفسها فرمته بحجر فقتلته، فقال الفاروق عمر  (والله لا يودى أبداً)، فالخليفة العادل درء الحد عن المرأة لشبهة الدفاع الشرعي الذى كفله الشارع عزوجل، وكذلك شأن الرجل الذي يرى غيره يزنى بامرأة أو يحاول الزنا بها ولا يستطيع أن يدفعه عنها إلا بالقتل، فإنه يجب عليه أن يقتله إن أمكنه ذلك، وكذلك الصائل الذى يدخل داراً ليست بداره مشهراً سلاحه فعلى صاحب الدار أن يبدره بالقتل؛ وإذا توقع صاحب الدار من لص أنه سيعالجه، وكان توقعه مبنياً على أسباب معقولة، فليقتله ولا شئ عليه كما يرى عبدالقادر عودة صاحب كتاب التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي.

***

د. الطيب النقر

 

في المثقف اليوم