أقلام حرة

فاضل الجاروش: التسلسل والجهل الموضوعي

عندما نرسم أربعة أضلاع متقابلة فإننا هنا قد انشأنا مربعا أو مستطيلا لم يكن موجودا رغم أنه لم يكن معدوما في ذاته وانما لم يكن منظورا على هيأة التربيع، ولكن بمجرد أن تَشَّكل بفعل فاعل على هذه الهيأة صار شكلا مُدركا مُعَّرفا للعين يحمل اسما محددا يشير إلى اضلاعه الأربعة  ولو رجعنا خطوة زمنية عن ذلك لكان عندنا فقط أداة الفعل وإرادة الفعل لإنشاء مانريد من الأشكال التي من الممكن إدراكها ووصفها وفق القدرة الموضوعية للعقل البشري، على أن خطوة ماقبل رسم المربع كذلك لابد أن تسبقها خطوة أخرى تجعل أدوات الفعل في دائرة البحث عن ما قبلها، لأننا أن افترضنا أن هذه الأدوات هي كتفٌ ودوات أو اصبعٌ يخط على الرمل فإنها كذلك تدخل في دائرة الاشكال الهندسية التي لها ماقبلها وهكذا دواليك سيبقى السؤال عن ماقبل، ومادامت هناك إمكانية لوصف ماقبل الانشاء على أنه انشاءٌ يسبق مابعده فأن سلسلة العودة إلى ماقبل ستبقى قائمة إلى أن يصل العقل البشري إلى نقطة العجز في وصف ماقبل،وهي مرحلة فقدان العلاقة بين مايملك من الأدوات وبين مايريد معرفته وهو مااسميه انا بالجهل الموضوعي؛ وهي نقطة عدم القدرة على وصف المطلوب  لأنك هنا لاتملك في خزانة المعرفة أو في قاعدة

 بياناتك ما يجعلك قادرا على توصيف خطوة سابقة أخرى على أن هذا الفارق بين المعرفة والجهل هو نقطة التوقف في نظرية التسلسل بحسب المدى المحتمل لقدرة الناظر وهي قدرة فيها مستوى من النسبية تتعلق بالعوامل الموضوعية، فلو أخذنا حجرا وسألنا عنه رجلا يعيش في الصحراء فأن مقدار مايمكن لهذا الرجل معرفته عن الحجر قد لايتعدى شكل الحجر أو لونه أو موارد استخدام هذا الحجر ولو سألته عن ماقبل ذلك فإنه لن يتمكن من استجلاب صورة محتملة أخرى، لأنه لا يمتلك في خزانة المعرفة مايسعفه على ذلك، بينما إذا سألت رجل من المدينة فأنه سيتمكن من وصف محتمل اخر لما قبل تشكل الحجر ولو بمستوى خطوة واحدة إلى الوراء، أما أن سالت رجلا يعمل في المجال الجيولوجي فأنك ستحصل على سلسلة من الخطوات إلى الخلف في توصيف مراحل نشوء هذا الحجر قد تصل إلى الجزيئة أو الذرة ولكن إلى أي مدى سيتمكن هذا الجيولوجي من الاستمرار في وصف خطوات أخرى إلى مابعد كل خطوة يتمكن من تصورها ووصفها طبعا لابد له من أن يتوقف في نقطة جهل موضوعي بعد أن لايتبقى لديه مايكفي من الصور المناسبةاذن نحن أماسلسلةتبدواكأنها لانهائية ولكنها في الحقيقة لها نهاية تتعلق بنقطة الجهل الموضوعي وهو يختلف من شخص لآخر بحسب العوامل.

الذاتية والموضوعية المؤثرة على الناظر

على أن تلك الفوارق في المعرفة لن تجعل الأمر مختلفا في جوهره وانما فقط في نقطة التوقف بحسب حدود المعرفة وإلا فإن أكثر الناس علما سيتوقف في نقطة العجز المتناسبة مع قدراته المعرفية وعلى ذلك فإن اخر المحتملات التي يمكن إدراكها ستكون نهاية سلسلة المعرفة التي سيكون السؤال عما قبلها بمرتبة الاعتراض على حكمة الله في جعل العقل البشري محدود بادوات الإمكان.

***

فاضل الجاروش

 

في المثقف اليوم