أقلام حرة

صادق السامرائي: حضارة سامراء!!

تعوّدنا أن نقرأ في كتب التأريخ عن حضارات وادي الرافدين، التي تبدأ بالسومريين وتنتهي بالآشوريين، وعندما نتساءل عن أصل تلك الحضارات لا يكون الجواب واضحا أو وافيا.

ذلك أن معظم المؤرخين والعراقيين خصوصا قد أغفلوا حضارة سامراء، التي هي أصل إنطلاق تلك الحضارات، فهي الحضارة الإنسانية الأولى التي يمكن إطلاق وصف حضارة عليها.

فقد سبقتها بعض البدايات في شمال شرق كركوك (جيرمو)، لكنها كانت مجموعة بشرية صغيرة أسست  بعض النشاطات الأولية، التي تشير لمعالم ذات نفحات حضارية.

بينما حضارة سامراء إنطلقت بقدرات متقدمة وذات آليات تنظيمية، على المستوى الإجتماعي والزراعي والإروائي والصناعي والعمراني.

وقد كشف عن ذلك عالم الآثار إرنست هيرزفيلد، وأشار لمقابر حضارات عريقة وساحقة في القدم.

كما أن (تل الصوان)، يعد متحفا حضاريا متكاملا فيه شواهد دامغة على أن حضارة سامراء هي أم الحضارات، وأتخِذ هذا العنوان للإحتفال بها في متحف برلين قبل سنوات. 

فلم تكن التسمية إعتباطية، لكنها أصيلة وتعني ما ذهبت إليه، فحضارة سامراء كانت متزامنة ومتفاعلة مع حضارة (عبيد) التي سبقت السومريين، فحضارة وادي الرافدين بدأت شمالا وإنحدرت جنوبا.

ولا تزال المدينة لم تخضع لتنقيبات كافية وبحوث واعية للكشف عن مزاياها الحضارية المتميزة.

وأغفل الآثاريون (كهف القاطول) الذي تم ردمه وإزالة معالمه، فيما هو على ما يبدو  كان موطنا للإنسان القديم، لما يتوفر فيه من أسباب الأمان ووفرة الصيد، وهذا الكهف ما جرت فيه تنقيبات وطمرته المدينة بالنفايات، وخرّبت جماليته السدة الترابية التي حولت ماءه إلى مستنقع، فاندرس وصار ترابا أجردا.

وتستدعي المسؤولية من المعنيين إعادة آليات التفكير التأريخي بالمدينة، التي وُجدَت فيها الحضارة عدة آلاف من السنين قبل أن يختارها المعتصم عاصمة لدولة بني العباس.

فمن الواجب والأمانة، أن نكشف عن معالم حضارة سامراء، ونرفد الدنيا بما أنجزته المدينة في مسيرتها الإنسانية الإبداعية الطويلة، وقد لعبت دورا مهما ومؤثرا في الصراعات ما بين القوى المتنافسة على الهيمنة والإمتلاك آنذاك.

ولقيمتها المتكاملة المتعاظمة، غدت أكبر مدينة أثرية في الدنيا، وأغنى بقعة أرضية بالمعلومات والمعارف الواضحة عن الأزمان السابقة.

فهل سيتمكن أبناؤها من مواصلة كشف كنوز مدينتهم الحضارية؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم