أقلام حرة

علي حسين: مطاردة ساراماغو الفلسطيني

عندما أصبح في الثالثة من عمره قرر والده أن يستخرج له شهادة ميلاد، وقف الأب أمام موظف التسجيل ليدون الاسم جوزيه دي سوزا، وحين سأله موظف التسجيل عن اسم العائلة، فكر قليلاً ثم قال "ساراماغو"،

وقد اكتشف الأب الورطة التي وقع فيها عندما قرر تسجيل ابنه في المدرسة الابتدائية، حين استغرب أحد المعلمين أن يكون لقب العائلة نوعاً من أنواع الفجل البري . جوزيه ساراماغو. المولود في السادس عشر من تشرين الثاني عام 1922 في البرتغال، عاش حياته التي امتدت 88 عاماً يؤمن بمقولة سقراط الشهيرة "إعرف نفسك"، في شبابه اضطر أن يعمل في الكثير من المهن، لكنه برغم الظروف كان يردد: " إننا نعيش الحياة كلها .. وإن بامكاننا أن نمتلك حياة أكثر غنى وأكثر إنسانية "، قبل نيله جائزة نوبل للآداب عام 1998 كانت الصحافة تتحدث عن استحالة حصول صاحب رواية "العمى" على الجائزة لأنه شيوعي، وكان يسخر من هذه الأخبار ويقول:" على الأكاديمية السويدية أن تكون أدبية وحسب، لأنني أستطيع اليوم أن أقول إنني لن أتخلى عن كوني شيوعياً من أجل الفوز بهذه الجائزة، إذا كان علي أن أختار بين جائزة نوبل وقناعتي فانني سأتخلى عن نوبل".

ظل ساراماغو من أبرز المناصرين للقضية الفلسطينية ولم يكتف بالتعاطف مع الفلسطينيين بل أشار وبوضوح إلى الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في حقهم، وعندما زار الضفة الغربية عام 2002 قال أمام الصحفيين: " ما يحدث هنا يصدر عن روح مماثلة للنازية وهذا واضح جداً "، في واحدة من تدويناته التي كتبها عام 2008 يشير إلى التجويع الوحشي الذي تتعرض له غزة تحت طائلة حصار مشين، فينعت الأمم المتحدة بالجبن واصفاً إسرائيل بالضالعة في الوحشية والكراهية.

عارض الفاتيكان منح ساراماغو جائزة نوبل بسبب روايته "الإنجيل برواية يسوع المسيح" التي جعل المسيح فيها يصارع رمزاً عصرياً متعطشاً إلى السلطة على حساب عذاب الآخرين وموتهم. يسخر من لقب الملحد، فهو لا يسخر من الأديان، فما يسخر منه ويدينه هو هذه السيادة التي تتمتع بها الكنيسة على الشعب، هذه السيطرة التي تجعل الناس تتكبد كل شيء، فهو يدين بقوة تحالف رجال الكنيسة مع السلطة السياسية في أحلك سنوات الدكتاتورية:" هدفي عدم التخلي عن الناس الذين جاؤوا إلى هذا العالم في الظلام ".

بعد وفاته بأربعة عشر عاماً يجد ساراماغو نفسه مطارداً وممنوعاً من جديد، بعد أن قررت اللجنة المشرفة على معرض كربلاء للكتاب غلق جناح دار الجمل بسبب روايات المحب لفلسطين والانسانية ساراماغو.

***

علي حسين

في المثقف اليوم