تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

صادق السامرائي: تأريخ الكراسي!!

البعض يرى أن لا يجوز قراءة التأريخ بإقتراب تأويلي، لكيلا تضيع الحقائق، فهل أن ما جاء بكتب التأريخ حقائق خالصة؟

الكذب المكرر يتحول إلى صدق مع توالي الأجيال.

لابد من القول بجرأة وصراحة إن معظم الذين دوّنوا التأريخ كانوا يتكسبون بكتاباتهم، مثلما الشعراء بمدائحهم المترعة بالأكاذيب والتهويلات الوصفيةعلى الشخص الممدوح.

فهل يُعقل أن مدونا للتأريخ يريد أن يجني مالا مما كتب أن يقول الحقيقة التي ستغضب الكراسي؟

إن المتتبع لمسيرة التفاعلات والأحداث بأنواعها يكتشف أن المكتوب لتأمين وترسيخ السلطة المطلقة لصاحب الكرسي الأول.

ومن الأمثلة الواضحة ما قام به الشاعر البحتري، الذي كان جليس المتوكل ومرافقه طيلة حكمه، وبعد مقتله صار يمدح مَن جاؤا بعده، ويضفي عليهم أوصافا لا تمت بصلة حقيقية إليهم، والهدف أن ينال المال والمكارم والجاه، وعلى منواله سار المؤرخون، الذين كانوا يهدون كتبهم لذوي السلطة والمكانة في الحكم لينالوا على ذلك مالا، فمعيشتهم تعتمد على ما يكتبونه، فهل نتصورهم سيكتبون ما يقطع أرزاقهم، ويصيبهم بالفقر والفاقة.

ومن المعلوم أن العديد من الشعراء وأصحاب الرأي والمنتقدين لأي كرسي متجبر نالهم الويل الشديد وأكثرهم قتلوا ونكل بهم.

فالقول بالقراءة التأويلية لا يستند على أدلة موضوعية، بل أن القراءة النفسية السلوكية للتأريخ تكشف الكثير من المزاعم المزيفة، التي لا تتوافق والقدرات البشرية الشخصية والظروف التي يكون فيها السلطان، والتي يتسيد فيها الخوف والشك والهلع من الذين حوله بأنواعهم، فأقرب الناس إليه قد يقتله، وهذه الظروف المقلقة تم إغفالها في معظم دراسات التأريخ.

ولو تعمقنا بهندسة قصورهم وما فيها من الخبايا والمنافذ المعدة للهروب، لتبين لنا ما كان يعصف في نفوسهم من الإرهاصات القاسية، فمعظمهم لم يكونوا سعداء لأنهم يعرفون بأن أيامهم معدودة، وسينقض عليهم فريق ما من الحاشية، فهم محكومون ولا يحكمون، بل كالرموز الخاوية التي تلقى في التراب بعد إستنفاد الحاجة إليها، وخصوصا خلفاء بني العباس بعد مقتل المتوكل.

"وتلك الأيام نداولها بين الناس..."

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم