أقلام حرة

بديعة النعيمي: الحرب على غزة (65): كلمات مقنّعة

يعتمد الإعلام العبري أسلوب الانتقائية في المصطلحات باعتبارها قاعدة صحافية بما تضمر خلفها من عمق سياسي وعقدي. ذلك لأن هذا الإعلام يلعب دورا مهما في تعميق الوعي السياسي والعقائدي لدى متابعيه. ومن هنا نستطيع القول أنها تشارك في التأثير عليهم بقوة.

وقد اتسمت الحرب على غزة ٢٠٢٣_٢٠٢٤ كما حروب دولة الاحتلال السابقة. فاستخدمت عددا من هذه المصطلحات التي تخدم شعبها كما شعوب العالم بهدف الإقناع.

ومنها عملية طوفان الأقصى التي أطلقت عليها "العملية الإرهابية". وقد وسمت دولة الاحتلال العملية بهذا المصطلح بهدف تعميق فكرة أن ما فعلته المقاومة الفلسطينية بتاريخ ٧/أكتوبر من اقتحام لمستوطنات الغلاف وما رافقها ما هو إلا تعد على أمنها. فجاء ردها الوحشي من قصف وقتل وتدمير واستهداف للابرياء. فبرز مصطلح "الدفاع عن النفس" لتبرر ما ارتكبته ولا زالت من مجازر وعمليات إبادة جماعية وتهجير وتجويع وحصار وبقية العقوبات الجماعية الأخرى.

وعندما وقفت شعوب العالم ضد الانتهاكات التي يتعرض لها قطاع غزة تبجحت ب"طهارة السلاح" وأن حربها "أخلاقية". وما سقط من ضحايا ما هو إلا "أضرار جانبية" لعملياتها التي ادعت زورا وبهاتا أن الهدف منها تدمير "أهداف إرهابية".

وغيره من المصطلحات التي كمنت خلف قناع انتقائيتهم. غير أنني سأكتفي بما أتيت على ذكره.

لقد جاءت عملية ٧/اكتوبر ردا على الانتهاكات التي ترتكبها دولة الاحتلال طيلة عقود من هدم للبيوت ومصادرة أراض وأملاك وعمليات اعتقال ظالمة وغيرها الكثير لا يسعنا الإتيان عليها هنا. غير أن السبب الأهم يكمن في نية هذه الدولة عن طريق الجماعات اليمينية المتطرفة هدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل الثالث ،وكانت مقدمات ذلك من خلال إقامة طقوس تلمودية داخل المسجد الأقصى واقتحامات ،كان ذلك قبل عملية الطوفان بأيام قليلة. فبأي أي حق تأتي دولة الاحتلال لوسم العملية بأنها إرهابية وهي من صنع الإرهاب؟

ثم كعادتها ادعت بان سبب الحرب كان بدافع الحفظ على أمنها والدفاع عن نفسها أمام هجمات المقاومة الفلسطينية وصواريخها، وهي التي بدأت بالاستفزازات كما هي عادتها؟ ففي عام ٦٧ بررت حربها بأنها بهدف الدفاع عن نفسها بينما هي تخطط منذ ٦٣ الاستيلاء على الضفة الغربية وقطاع غزة وأن ما حصل في ٤٨ هو خطأ تاريخي أصلحته في ٦٧ فاستولت على كامل ارض فلسطين بعدما مارست استفزازها على من حولها.

واليوم ترتكب إبادة جماعية بحق أهل غزة وتبرر فعلتها من خلال غسل الكلمات وتزويقها أمام العالم.

وتذهب لتطلق على حربها الهمجية الدموية بحق المدنيين بانها "أخلاقية" وهي بعيدة كل البعد عنها. فهل تتمثل الأخلاق بالقتل، بقصف المستشفيات، بالإغارة على شبكات المياه ،بتدمير المساجد والمدارس والجامعات؟ فكيف يصبح المجرم أخلاقي في حرب كالتي تحدث في غزة؟ ثم يتبجحون بطهارة سلاحهم ،والطهارة براء منهم!

فالهدف بات واضحا من وراء استخدام مثل هذه المصطلحات المغسولة من قبل دولة الاحتلال في حرب لا أخلاقية كهذه ألا وهو إظهار براءتها وطهارتها أمام العالم وفي المقابل وضع المقاومة الفلسطينية في قفص الاتهام وأنها المعتدية.

***

بديعة النعيمي

 

في المثقف اليوم