أقلام حرة

بديعة النعيمي: الحرب على غزة (91): بدأها العمل وأكملها اليمين

تعتبر الحركة العمالية الصهيونية الحركة التي وضعت الأساس لعمليات التطهير العرقي، وهي أيضا من خططت له ونفذته بقيادة "دافيد بن غوريون" في ذلك المبنى الأحمر الذي تم بنائه في العشرينات من القرن المنصرم، ثم أصبح في ١٩٤٧ مقرا لعصابة الهاجاناه.

وفي ١٠/آذار/٤٨ اجتمع قادة صهاينة في هذا المبنى ووضعوا اللمسات الأخيرة لخطة التطهير العرقي في فلسطين.

والجدير بالذكر أن هذه الخطة كان قد بدأ التأسيس لها قبل ذلك بأربع أعوام أي في ١٩٤٤. وبدأت عمليات القتل والطرد والاغتصاب والهدم منذ ليلة العاشر من آذار ٤٨.

وقد ارتكبت العصابات الصهيونية كل تلك الفظائع والأعمال الوحشية من أجل طرد الفلسطينيين، ومنها على سبيل المثال تلويث القناة التي تصل المياه عبرها إلى عكا بجراثيم التيفوئيد.

وبعد أن حققت تلك الحركة العمالية بقيادة الأشكيناز العلمانيين أهدافهم في تأسيس الدولة تحولوا إلى أقلية بعد مرور الوقت، ودخلت حركتهم العمالية في ازمة بسبب محاولتهم إنشاء دولة ديمقراطية شكلية على أنقاض حرب ٤٨ وما ارتكبته عصاباتها  كما ذكرنا من تدمير وتهجير وتحويل من تبقى من السكان الفلسطينيين إلى أقليات مهمشة.

كما أن حزب العمل الذي تمخض عن الحركة العمالية هو الذي بادر بعد حرب ٦٧ إلى تعزيز الاحتلال وإلى البدء في الحث على الاستيطان في الأراضي المحتلة. وكانت قيادة هذا الحزب قد أخذتها نشوة الانتصار في الحرب والفوائد التنظيمية والمالية  الخاصة بمؤسساتها. لكن حرب ٧٣ أفقدتها مكانتها كما أفقدتها السلطة في انتخابات ١٩٧٧ وصعود اليمين المتطرف المتمثل وقتها بحزب الليكود واعتلاءه سدة الحكم.

غير أن حزب العمل كان دائما ما يقف خلف الليكود يغطي عوراته ويستر أفعاله وسياسته، لأنه كان دائما حزبا صهيونيا. أما بالنسبة لمواقفه المعتدلة ظاهريا فيما يخص التسوية في الشرق الأوسط فهو لأنه متأكد أنه يستطيع تجيير هذه التسوية لصالح دولة الاحتلال والأيديوجيا الصهيونية. وليس أدل على ذلك مما حصل في أوسلو التي قادها "إسحاق رابين"/حزب العمل، حيث جيرت هذه الاتفاقية كل ما هو في مصلحة دولة الاحتلال.

فلطالما كان كلا المعسكرين "العمل" و"الليكود" يحملا نفس وجهات النظر في دعم استمرار الاحتلال أو في إنشاء المستوطنات ودفع الشعب الفلسطيني للاعتراف بيهودية الدولة. وكل الخلافات بين المعسكرين هي خلافات خطابية لا أكثر.

واليوم في حربها على غزة، دولة الاحتلال بقيادة حزب الليكود ترتكب عمليات التطهير عن طريق إبادة الفلسطينيين وطردهم من أماكن سكناهم. والفرق الوحيد هو أن حزب العمل ارتكب عمليات التطهير وكانت النتيجة إقامة دولة الاحتلال عام ٤٨ أما اليوم ٢٠٢٣_٢٠٢٤ فإن جيش الاحتلال يقوم بعمليات تطهير عرقي لكنه يذهب بدولة الاحتلال إلى الزوال والانتهاء. فما بدأه العمل يكمله الليكود لكن لا لمصلحة الاحتلال هذه المرة

***

بديعة النعيمي

في المثقف اليوم