أقلام حرة

محمد جواد سنبه: التيار الوطني الشيعي.. تأصيل للهوية العراقية

بتاريخ الأول من شوال 1445 هـ ، الموافق 10 نيسان 2024م، أَعلن سماحة السيد مقتدى الصدر (حفظه الله)، بتغيير اسم التيار الجماهيري الذي يقوده، والمعروف باسم (التيار الصدري)، إلى عنوان جديد يحمل اسم (التيار الوطني الشيعي)، (الوطني لأَنَّه عراقي الهويَّة، والشيعي لأَنَّه اسلامي المواقف).

إِني أَعتقد جازماً، بأَنَّ مسعى سماحة السيد مقتدى الصدر، لَمّْ يكن صادراً عن رغبة مزاجيّة ذاتيّة، أَو عن محضّ انعكاسات، لارهاصات سياسية (تكتيكيّة)، فرضها الواقع السياسي العراقي المعقّد، الذي تحدَّدت هويته العامّة، بصُوَر تشتتّ المواقف السياسية للفرقاء السياسيين، التي وصلت في كثير من الأحيان، الى مرحلة الصراع السياسي (إِنْ لَمّْ نقُلّْ) التناحر السياسي، بين أَطراف طامحة للسيطرة على الآخرين، فنتج عن ذلك صراعات طائفية وعرقيّة، تضررت منها جميع أَطياف الشعب العراقي.

و نَتَجَ عن هذا الصراع السياسي، تباين في المواقف والآراء الوطنيّة لحد التناقض، الأَمر الذي أَدّى الى حالة، من التخنّدقات الفئويّة الضيّقة، فأصبح الطريق ممهداً، لتدخل العديد من الدول العربية والاجنبية في الشأن العراقي، فما بَرِحَ كلٌّ منها يسعى للحفاظ، على مصالحة الاقتصاديّة، والسياسيّة في العراق، أَو لتحقيق الأَمن الوطني لكلّ طرف، وفق المعايير التي تحكمها، المقاييس الجيوسياسيّة على أَرض الواقع.

ولا زالت صُوَر التظاهرات الجماهيرية، التي انطلقت في الأول من تشرين الأول، من عام 2019م، شاخصة للعيان، إبّان حكومة السيد عادل عبد المهدي ، وكادَ العراق أَنْ ينزلق في أَتون حرب أَهليّة، لا تُبقي ولا تَذَرْ، كخطوة كان يسعى اليها أَعداء العراق، لتكون مكمّلة لحرب عصابات داعش في عام 2014م، هذه الحرب التي كلّفت العراق، الكثير من الخسائر في الارواح، والممتلكات العامّة والخاصّة، وكانت هذه الحرب الارهابيّة، صفحة قدّ خطّطت لها، قوات الاحتلال الامريكي الغاشم للعراق بعد عام 2003م.

منذ تشرين الاول 2021م، ظلّت أَزمة تشكيل الحكومة متعثّرة، فقرر سماحة السيّد مقتدى الصدر،  في حزيران 2022م، سحبّ التيار الصدري، من العملية السياسيّة، واصفاً ذلك الموقف بأنه:-

(تضحية مني من أجل الوطن والشعب لتخليصهما من المصير  المجهول).

هذا الجوّ السياسي المتوتِّر، والفاقد لأَبسَط مبادئ التوافق السياسي، يُذَكِّر الاجيال التي عاصرت، أَحداث الحرب الاهلية اللبنانية، في الأعوام 1975 – 1989م، عندما زرعَ الاستعمار الفرنسي، بذّرة الصراع بين مكونات الشعب اللبناني، عن طريق تغليب الطائفة المارونية، على بقية مكونات الشعب اللبناني.

لقد تمكن سماحة السيّد مقتدى الصدر، من قطع الطريق أَمام معسكر احتلال العراق، بقيادة امريكا، والحيلوله دون تكرار تجربة الحرب الأهلية اللبنانية في العراق، كما نجح سماحته، بافشال تكريس قواعد، تَغليب المصالح الفئويّة، على المصالح الوطنيّة العامّة.

وإنّي استشِفُ من خلال قراءَة الاحداث، ودراسة المواقف السياسيّة، للدول التي مرَّت بنفس اوضاع العراق السياسية، أَنَّ سماحة السيد مقتدى الصدر، قد خَبِرَ مبادئ الاصلاح، من فكر والده المصلح الكبير، الامام الشهيد السيد محمد الصدر (قدس سره)، المتصلّة بمواقف الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره)، والمرتبطة معاً بمواقف الحركة السياسية، للامام المغيّب سماحة السيد موسى الصدر، الذي يعتبر رمزاً كبيراً، من رموز الاصلاح في المنطقة، إِبّان القرن المُنصَرم.

لقد وصل الإمام المغيّب الى لبنان عام 1959م، كمبعوث من قبل العالمين (السيد حسين البروجردي والسيد محسن الحكيم)، للوقوف عن كثب، من أَوضاع الطائفة الشيعيّة في لبنان. هذه الطائفة التي اهتُضمَت حقوقها، جرّاء تسلّط الاستعمار الفرنسي، على كتابة الدستور اللبناني، الذي اعتمد فيه على إسلوب، تغليب طائفة المسيحيين الموارنة، على بقيّة الطوائف اللبنانية الأُخرى، وكانت الطائفة الشيعيّة، هي الطائفة الأكثر تضرراً من ذلك الدستور .

لقد امتاز نشاط الامام موسى الصدر الاصلاحي، في المجتمع اللبناني، بالتوعية الجماهيرية، والاهتمام بشؤون المجتمع، ومعايشة مشاكله، ومعوقات تقدمه، حيث كان المكوّن الشيعي، يعاني من التخلف والفقر والحرمان. فطرح الإمام المغيّب السيد موسى الصدر، مرتكزات مشروعه السياسي الوطني الاصلاحي، القائم على :-

* نبذ التفرقة الطائفية، باعتبار أَنَّ وظيفة الدين، هي الاستقامة الاخلاقيّة، وأَنَّ الأَديان واحدة في المبدأ والهدف والمصير.

* نبذ المشاعر العنّصريَّة، ودعى إلى تفاعل الحضارات الإنسانيّة، لتحقيق مبادئ التعايش السلمي بين الجميع.

* كما سعى الإمام لمكافحة الآفات الاجتماعية كالفقر والجهل والفساد بكل أَنواعه السياسي والاداري والأخلاقي والسلوكي.

* كما جابه الإمام المغيّب، حالة الإلحاد التي تستخدمها دول الاستعمار، كأَداة من أَدوات تمزيق وحدة الشعوب، وتشّتيت انتباهها عن مخططات أَعدائها.

* وجاهد الإمام المغيّب، بالوقوف بوجه مشاريع تدمير القيم الأَخلاقيّة للمجتمع، وتمزيق الصفّ الوطني للشعب.

* ودافع الإمام المغيّب، بكلّ قوّة عن حقوق القضية الفلسطينية. (المصدر/ مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات/ بتصرف واختصار من الكاتب).

إِنَّ الفهم العميق، لسماحة السيد مقتدى الصدر، لمشاكل شعبه ووطنه، واستلهامه للقيم الثوريّة الاصلاحيّة، التي خاض تجربتها عملياً مع والده، الامام الشهيد السيد محمد الصدر (قدس سره)، إِضافة إلى استشراف المنجزات التاريخية لأَسلافه الكرام، جعل سماحته، ينهل من تجارب السلف الصالح، كلَّ مفاهيم الخيّر وقيَم العطاء، لخدمة الإِنسان والأَوطان.

***

محمد جواد سنبه

في المثقف اليوم