أقلام حرة

بديعة النعيمي: الحرب على غزة (95): ورطة بحجم أزمة

لطالما ورطت دولة الاحتلال نفسها في حروب لم تعد عليها سوى بالخراب. مثال على ذلك، الحرب على لبنان ٢٠٠٦. وقد أطلقت بالفعل اسم "ورطة" على تلك الحرب التي دمر الجيش خلالها معظم البنية التحتية للضاحية الجنوبية وارتكب المجازر ،وخلّفت قرابة المليون نازح.

أما دولة الاحتلال فقد تكبدت خسائر يومية قدرت وقتها بعشرات الملايين.

وقد أثبتت هذه الحرب أن اقتصاد دولة الاحتلال لا يحتمل حرب استنزاف طويلة الأمد وذلك لهشاشته.

وكما جلب الغوص في وحل لبنان المشكلات ل "مناحيم بيغن" عام ٨٢، جلب المشكلات ل "إيهود أولمرت" عام ٢٠٠٦. واليوم غزة لا تختلف عن لبنان، غير أن الوحل كان أشد عمقا وأكثر لزوجة. ونتنياهو أدخل نفسه وجيشه بمشكلات وحرب استنزاف ستأتي على الدولة.

وكما دخل "أولمرت" عام ٢٠٠٦ لبنان بغطرسة الحرب ووهم القوة دون تفكير في العواقب وخرج منها مذلولا، سيخرج نتنياهو الذي دخل أيضا بنفس الغطرسة ووهم القوة.

والضربات التي تعرضت لها دولة الاحتلال عام ٢٠٠٦ بعد تورطها في لبنان من حيث الخسائر وشل الجبهة الداخلية وتحويل مئات الآلاف من اليهود إلى لاجئين وانكسار أسطورة الجيش الذي لا يقهر وهجرة الآلاف من سكان الدولة المهترئة إلى خارجها، اليوم في غزة تتعرض وبشكل أقوى لضربات تسير بها نحو الهاوية.

فدخول غزة ٢٠٢٣ هو الورطة الأشد منذ قيامها. ويعتبر تهورا من طرف "بنيامين نتنياهو". فقد دخلها دون تفكير بطريقة للخروج منها، معتقدا أنها لقمة سائغة، فكان التقليل من حماس وقدراتها خطأ فادحا وتورطا في كارثة إنسانية غير مسبوقة. وها هي غزة شوكة عالقة في حلقه. فلا هو قادر على لفظها ولا على ابتلاعها. فجيشه المستنزف عالق بين الركام الذي خلفته آلته الهمجية، يغرق في أنهار من الدماء البريئة دون أن يعرف كيف يخرج منها. ومع ذلك لا زال "نتنياهو" يتبجح بانتصاراته في غزة وأن جيشه متفوق في نواح كثيرة. ونسي كيف يفرق بين الخيال والأحلام التي يتمناها وبين الواقع والحقيقة التي يرفض الاعتراف بها.

غير أن هذه الحرب وقد دخلت شهرها السابع أثبتت صمود المقاومة الفلسطينية وبالمقابل ضعف جيش الاحتلال. كما كشفت عن حجم الورطة التي تورطت بها دولة الاحتلال والأزمة الاستراتيجية التي دخلتها دون القدرة على إيجاد مخرج سياسي لحفظ ماء الوجه لها.

***

بديعة النعيمي

 

في المثقف اليوم